وهو واحد من ألمع وأنجب أطباء العيون في ذلك العصر، وقد تعلم هذه المهنة التي كان يُطلق على المشتغل بها "الكحّال"، وأهم من أخذ على أيديهم طبيب السلطان صلاح الدين الأيوبي أسعد بن إلياس بن جرجس موفق الدين المطران. وذاع صيته حتى أصبح طبيبًا خاصّا للسلطان العادل أبي بكر بن أيوب (ت 615هـ/1219م)، وسرعان ما ترسّخت مكانته عند السلطان العادل الأيوبي الذي كان يراه جديرًا بمكانته في كل أزمة صحّية كانت تلم به أو ببعض حاشيته؛ وأعطاه صلاحية تعيين المناسبين من أطباء العيون "الكحّالين" واختبارهم "وأن من يصلحُ منهم لمعالجة أمراض العين ويرتضيه يكتبُ له خطا بما يعرفه منه ففعل ذلك". وبعد وفاة السلطان العادل، وتقسيم المملكة الأيوبية بين أولاده المعظّم عيسى في دمشق، أصدر الملك المعظّم عيسى مرسومًا بتعيين مهذّب الدين الدخوار في المستشفى النوري في دمشق، وكان المؤرخ والطبيب أبو العباس أحمد بن القاسم بن أبي أُصيبعة (ت 668هـ/1270م) واحدًا ممن تلقوا العلم في هذه الحقبة على المهذب الدخوار، يقول في موسوعته "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" "وأقمتُ أنا في دمشق لأجل القراءة عليه. وشرعتُ في قراءة كُتب غالينوس وكان خبيرًا بكل ما يقرأ عليه من كتب غالينوس وغيرها، ونفهم مما سرده ابن أبي أصيبعة عن أستاذه الدخوار أن طريقة تدريسه للعلوم الطبية حينذاك كانت تقوم على الجانبين النظري والعملي، وممن سبقوه من أطباء المسلمين مثل الرازي وابن سينا، وكان في ذلك عالمًا بهذه المصادر، أما القسم العمَلي فكان يتم في المستشفى النوري الكبير الذي أنشأه السلطان العادل نور الدين محمود بن زنكي في دمشق، يقول ابن أبي أصيبعة "لازمته في وقت معالجته للمرضى بالبيمارستان، بل كانت تُعقد ندوات علمية وبحثية بين كبار الأطباء ومنهم الدخوار، وهذا ما جاء على ذكره ابن أبي أصيبعة أيضا؛ وهو من أعيان الأطباء وأكابرهم في المداواة والتصرّف في أنواع العلاج، ومما كان يجري بينهما من الكلام في الأمراض ومداواتها" لم يكتف مهذب الدين الدخوار بتعليم وتدريس الطب في المستشفى النوري الذي كان مخصصًا لعلاج المرضى في المقام الأول، وكان قبلي الجامع الأموي حينذاك، وحين وفاته أوصى أن يدرّس بها الطبيب رضي الدين الرحبي. في عام (626هـ/1229م) وفي مُلك الأشرف موسى بن العادل الأيوبي لمدينة دمشق، وابتُلي في ذلك الوقت بثقل في لسانه حتى كان تلامذته لا يكادون يفهمون كلامه، وحاول علاج نفسه، فأصيب بحمّى قوية أضعفت قوته،