لا يُظهِر البيان المختصر الذي تناولته وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية حقيقة دوافعه الخفية. لكن بالعودة إلى القرار أو البيان بشكله المفصل على موقع البرلمان الأوروبي يتضح من حجمه -الذي جاء فيما يزيد عن 3600 كلمة- الإصرار على العديد من الصياغات التي تتنافى مع الموضوعية المتوخاة في مثل هذا الأمر. ونشير فيما يلي إلى بعض الملاحظات المهمة في هذا السياق: 1- يحيل البيان في ديباجته إلى أربعة عشر إشارة لتقارير وتصريحات تعود إلى ما يزيد على خمسة عشر عاماً، للإيحاء بأن الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في مصر تشكل سياسة ممنهجة وممتدة، وذلك في محاولة من جانب معدي التقرير لكسب تأييد وتعاطف ممن لا يعلمون شيئاً عن التطورات التي جرت في مصر خلال هذه السنوات، بمعنى أوضح، كذلك، تجاهل البيان كل ما جرى في مصر قبل أشهر قليلة من عزل محمد مرسي الذي رفض وساطة الجيش بحل الخلافات القائمة مع المعارضة السياسية عبر إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، الأمر الذي دفع القوات المسلحة تحت إلحاح من الملايين من المصريين الخائفين من السقوط في الفوضى والحرب الأهلية إلى الانحياز إلى صف المجتمع والقوى السياسية لعزله وبدء مرحلة انتقالية لم تدم سوى عام واحد لاستعادة الاستقرار السياسي المفقود، وللحفاظ على هوية الدولة المصرية. 2- توسع التقرير في استخدام "الأحكام القيمية" للحديث عما أسماه انتهاكات حقوق الإنسان، ونشطاء حقوق الإنسان، إلخ. وتجاهل التقرير عن عمد حقيقة أن معظم من تم توقيفهم ويحملون إحدى الصفات المهنية أو النوعية السابقة لم يُقبض عليهم بسبب ممارستهم لمهنتهم التي يحميها وينظمها القانون، بل بسبب انتمائهم لجماعة الإخوان الإرهابية التي يجرم القانون الانتماء إليها، أو بسبب استخدامهم مواقع التواصل الاجتماعي لبث الشائعات والمعلومات المشوهة ودعوات التظاهر غير القانونية، وهى أفعال مٰجرمة بحكم القانون في أى بلد يريد حماية أغلبية شعبه من التبعات الخطيرة لمثل هذه الأفعال إذا تُركت بدون محاسبة. أيضاً لم يكلف واضعوا "البيان الأوروبي" أنفسهم مشقة البحث في حسابات أكثر من خمسين مليون مصري على مواقع التواصل الاجتماعي ليروا كيف يوجد عشرات الآلاف من هذه الحسابات تهاجم النظام وشخوصه حتى بألفاظ يُعاقب عليها القانون ولم يتم القبض عليهم أو إغلاق صفحاتهم، وهو ما يعني أن حرية التعبير حتى في هذا الوسيط الإليكتروني متاحة تماماً، وأن من يتم توقيفهم وإغلاق صفحاتهم لا يزيدون عن بضع مئات يرتكبون جرائم يُعاقب عليها القانون في أى مكان في العالم، وليس بسبب ممارستهم لما يسمى "حق التعبير" كما يزعم التقرير. 3- في الوقت الذي استخدم فيه التقرير تعبيرات مثل "الاعتقال الجماعي" لعشرات الآلاف، وكرر الادعاءات -غير المُبرهن على صحتها- عن وجود أكثر من 60 ألف معتقل في مصر، فإنه عندما ذكر حالات محددة لم يتمكن من حصر سوى 29 اسماً لأشخاص ادعى أنهم "سجناء رأى"، بينما الحقيقة أنهم إما محكوم عليهم في جرائم تتعلق بنشر الشائعات أو المعلومات الكاذبة أو العمل بدون ترخيص في مجالات لها خصوصيتها، أو الدعوة للتجمع والتظاهر دون ترخيص قانوني. وتقول القاعدة القانونية والمبدأ الحقوقي: "إن البينة على من ادعى وليس على من أنكر"، وبالتالي على من صاغوا البيان الأوروبي أن يعيدوا تقييم مزاعمهم وأن يبذلوا جهداً لإثبات حقيقة ادعاءاتهم بذكر أسماء وتاريخ اعتقال60 ألف شخص في مصر. 4- في محاولة مكشوفة لخلع الشرعية على بعض الممارسات المرفوضة في الثقافة المصرية مثل "زواج المثليين"، وضع البيان الأوروبي هذه الممارسات ضمن منظومة حقوق الإنسان دون مراعاة لحقيقة اختلاف الثقافات وما يمكن أن يؤديه الضغط لإدماج هذه الممارسات في الإطار الشرعي والقانوني لبعض البلدان إلى مشكلات اجتماعية خطيرة قد تكون نتائجها كارثية. كما لا يشعر كاتبو البيان بالتناقض الذي يقعون فيه حينما يطالبون بحماية التنوع الثقافي وفي الوقت نفسه يطالبون بإدماج المثليين في المجتمع والسماح لهم بممارسة معتقداتهم وميولهم الجنسية كما لو كانت أمراً شائعاً ومقبولاً اجتماعياً ودينياً!! وهو ما يشكل اعتداءاً صارخاً على ثقافة الأغلبية التي من حقها أن تعبر أيضاً عن ثقافتها التي تنطوي على رفض واشمئزاز من هذه الممارسات. 5- إحدى التوصيات التي تناولت قضية الطالب الإيطالي الذي وُجد مقتولاً في مصر في عام 2016 تكرر اتهامات بلا دليل لعدد من رجال الأمن المصريين بأنهم كانوا ضالعين في الجريمة التي تُنكر مصر تماماً وجود أي شبهة تدين الأمن المصري في هذا الصدد. وإذا كان من حق التقرير أن يطلب من الحكومة المصرية إجراء المزيد من التحقيقات للوصول إلى مرتكبي الجريمة، فليس من حق واضعي التقرير تبني رواية الإعلام المشكوك في صدقيته في بلدان معادية لمصر ومحاسبة السلطات المصرية بناءاً عليها. وكان على التقرير من باب أولى أن يحث إيطاليا على تحديد ما تدعيه من أدلة دامغة تدين الأمن المصري وتقديمها للسلطات المصرية أو أى جهة دولية أخرى لإثبات صدقية رواية تورط الأمن المصري في هذه القضية. 6- عند مقارنة البيان الأوروبي الصادر بحق مصر ببيانات مماثلة ضد دول أخرى مثل تركيا يظهر اختلاف واسع في اللغة المستخدمة، وفي كم الإشارات والإحالات إلى قرارات سابقة، أو تصريحات لمسئولين أوروبيين تعطي إيحاءاً بأن الانتهاكات ممتدة زمنياً وذات طبيعة منهجية أو العكس. من ذلك على سبيل المثال تقرير نُشر عن تركيا صادر عن البرلمان الأوروبي بعنوان: "European Parliament resolution of 8 February 2018 on the current human rights situation in Turkey (2018/2527(RSP))" يمكن لمن يقارن بين لغة هذا البيان والبيان الأخير بحق مصر أن يرصد بوضوح الصياغات المحايدة حول ممارسات الحكومة التركية، والتأكيد في أكثر من موضع في التقرير على أن تركيا شريك مهم للاتحاد الأوروبي وأنها مرشحة للانضمام إليه، وأنه يناشدها الالتزام بالمعايير الأوروبية لحقوق الإنسان. وعندما يذكر البيان الاعتقالات الجماعية لضباط الجيش وأنصار الزعيم المعارض فتح الله جولن بعد الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 ضد رجب طيب أردوغان فإنه يناشد فقط الحكومة التركية بالتراجع عن هذه الممارسات.