الإمام الوارث بن کعب الخروصي في سطور من المعلوم أن نظام الحكم في ( عمان ) نظام إسلامي سار على منهاجه أئمة عمان وقادتهم منذ القرون الأولى ، على هدي من كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وعلى هذي من نبي الله الكريم محمد بن عبد الله * ذلك لأن النظام الإسلامي نظام محکم فهو تشريع إلهي من رب عالم بما يصلح عباده في ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) ولقد أسهم العمانيون إسهاما كبيرا في نشر الإسلام والدعوة إليه ، ومن أولئك الأساطين الإمام الوارث بن كعب اليحمدي الخروصي - رحمه الله – فهو من أعلام عمان المشاهير ، ولد في قرية ( هجار ) من وادي بني خروص بعمان . لقد تمت بيعته إماما لعمان في شهر ذي القعدة سنة تسع وسبعين ومائة ، يذكر صاحب ا کتاب بيان الشرع ، أنه لما أراد المسلمون أن يعزلوا محمد بن أبي عفان حضر الإمام موسی في أبي جابر الجيش ، محتجا لابن أبي عفان ، عندما سمعوا أنهم يريدون عزله ، قال صاحب البيان : فما علمنا أن أحدا من الناس عاب ذلك على وارث ) . أن المسلمين أخرجوا ابن أبي ( عفان من ( نزوی ) عندما بدرت منه أحداث ، خالف فيها سيرة السلف الصالح ، فانتقد المسلمون منهجه في الحكم . فاجتمع المسلمون بعد ذلك ، وبايعوا وارث بن كعب ووارث هذا ، سار في المسلمين على هدي السلف ، فعزت به دولة المسلمين ، حيث يراه الناظر من عينيه وترتسم النجابة على مخائله ، إزدانت بإمامته حلق العلم ، سمعته العلمية جذبت إليه طلاب العلم من مسافات بعيدة ، وفاضلوا بين مجالس العلم وبين الفقهاء النبغاء ، فإلى جانب قيامه بالحكم بين الناس ، وتسييره أمور الدولة ، نجده بالمساجد ودور العلم فيها ، ويوضحون صحيح رسول الله محمد ، قال العلامة أبو الحسن البسياني في سيرة الإمام الوارث : ( بايع المسلمون الإمام الوارث بن کعب ، على ما بويع عليه أئمة العدل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشراء في سبيل إظهار الحق ، والجهاد في سبيل الله ، وكل فرقة إمتنعت من الحق ، حتی ( تفي إلى أمر الله لا يستحلون منهم غنيمة مال ، ولا سبي ( عیال ، وإنتحال هجرة بعد النبي لا ، ما بينو الشهادتين ، ما دام يعلن الشهادتين ، ويظهر ذلك جليا في قوله : ( ولم يسموا بالشرك أهل القبلة ما بينوا الشهادتين ) وهذا رد لعقيدة الخوارج ، ورد لما يدعيه غيرنا زورا على أصحابنا وبهتانا منهم من أنهم يكفرون سواهم ، ويريدون بالتكفير الحكم بالشرك ، قال العلامة الشيخ خلفان بن جميل السيابي - رحمه الله - في كتابه القيم ( سلك الدرر الحاوي غرر الأثر ) ما نصه : فبايعوه حينماتدخلوا سنة سبعين وتسع ومائة وقام بالحق وولي وعزل والمسلمون كلهم بسيرته وهو إمام ثالث قد كانا وفضله في الدين أمر شاهر له کرامات كفلق الفجر قد خلدت تاريخها الدفاتر ابن أبي عفان إذ تجمعوا فكان للإسلام من خير فئة وأظهر الدين وساری وعدل راضون سامعون عند دعوته من أنار عدله عمانا صح لنا بنقله التواتر أو غرة على جبين الدهر ونوهت بذكرها المحابر لو كان سلكي واسعاً مناقبه نظمت درها وكنت ثاقبه ضد أهل الطغيان والفساد . يصنع خبزا وواحدا من جنود الحاكم الظالم واقف على رأس الخباز يأكل خبزه ، والخباز يستغيث بالله ، ويستجير بالمسلمين من ذلك الجندي المعاند ، فقتله ، فعادوا أدراجهم ، ومن كرامات هذا الإمام العظيم ، أنه لما خرج الوارث من بلده لإظهار الحق والعدل ، بنو خزیر . وفي مسيره - رحمه الله - مر على بئر لبني صبح . له ( زکت بني صبح ، فخرجوا عند الوارث ، إلا المانع كمطر أو غيره ، فما زاد على ذلك القدر فإنه ينفق على أهل القريتين ( هجار - وستال ) بصفة خاصة ، ولو بقي منهم نفر واحد ، ومخالفته لأمره ، وهذا الوقف يقسم إلى وقت قريب . وإلا عجلت عليه العقوبة . ومن كراماته - رحمه الله - أيضا : أنه إذا أنفق ما ذكرناه فيما أوصى به ، والله أعلم ) . أما مواقفه ضد من سولت له نفسه أن يفكك أمر الدولة أو أن يعيث في عمان فسادا فحدث ويكفي في هذه الدراسة المختصرة أن نذكر موقفا له في وجه عیسی بن جعفر ابن عم هارون الرشید ، ومعه ستة ، عن ذلك ولا حرج آلاف مقاتل فيهم ألف فارس وخمسة الاف رجل . فما أن وصل عيسى إلى عمان سرعان ما بادر داود بن يزيد المهلبي ، يخبره خبر عیسی وما جاء من أجله وشاء الحق سبحانه أن يختار الإمام مقارشا هذا ، قائدا لجيش قوامه ثلاثة آلاف ، والتقوا ( بحتى ) ( 2 ) وعندما التقى الفريقان منی عیسی بن جعفر بالهزيمة ، فعاد إلى مراكبه بالبحر ، فتبعه أبو حميد بن فلج الحداني السلوتي ، وذلك في ثلاثة مراكب ، فلما وصل ( سیفم ) بلغه خبر هزيمة عيسى ، فعاد أدراجه إلى نزوى ، فقام خطيبا في الناس قائلا : يا أيها الناس إني قاتل عیسی بن جعفر ، فمن كان معه قول فليتكلم ، فقام الشيخ علي بن عزره ، فأخذ الإمام برأيه ، حيث عدل عن قتله وتركه في السجن . انطلقوا من حيث لا يعلم الإمام أي خفية ، وعادوا من ليلتهم . ولقد أيد هذا الصنيع العلامة البشير بن المنذر - رحمه الله - بقوله : ( قاتل عیسی بن جعفر لم يشم النار ) أي بسبب قتله وذلك بسبب بغيه وظلمه ، وإثر قتل عیسی باع المسلمون شيئا من الحيل التي كانت تبعا له ومن معه ، وتصدق البائعون بثمنها على الفقراء . ولقد هم هارون على إرسال جيش لجب على عمان ليثأر لعيسى فتخوف الناس من ذلك ، هذه أيها القارئ الكريم مقتطفات من حياة هذا الإمام الجليل المناضل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا و كلمة الذين كفروا هي السفلى . لقد عاش - رحمه الله - عيشة الكفاح من أجل إقامة الله ومقاومة أولئك الذين يحاولون النيل من الخلافة الإسلامية ومقدساتها التي باركها الله ويتمناها الناس . إنه أدرك أن الواجب يحتم عليه أن يكون مستعدا في كل حين ، لتحمل أعباء الرسالة الإلهية في كل مكان وفي أي حال ، وتحمله للمتاعب لا يكون ذا جدوى . إنها حياة كريمة عاشها هذا الإمام وشاركه في ذلك أساطين علم ورجال فکر وعقل في مقدمتهم شيخ الإسلام الإمام موسی بن أبي جابر - رحمه الله - جمع الجميع أواصر صدق وأصالة محبة وخالص تفاهم . وعاشوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، هذا هو الإمام الوارث ، وكان سبب وفاته أن أمطارا غزيرة هطلت ، سیلانا عارما ، فأمر الجند بإطلاقهم ، ولكن الجند تخوفوا أن يذهبوا إليهم فیدر کهم الوادي ، فقال الإمام : أنا أذهب إليهم ، فهم أمانتي وأنا المسئول عنهم أمام الله - عز وجل - ، بسبب هذا الحدث . وحرصه على أداء أمانته ووفائه لواجبه ، حيث دفعه الواجب إلى إنقاذ المساجين بنفسه ، فلله در تلك النفوس العظيمة الشريفة - رضي الله عنها - ) . وكانت وفاته في اليوم الثالث أو الرابع من جمادی الأولى سنة اثنتين وتسعين بعد المائة ، وعلى هذا فإن مدة إمامته اثنتا عشرة سنة وستة أشهر إلا أياما . وقبر الإمام مشهور في نزوی ، کائنا بين العقر وسعال المكانين المعروفين . حيث ظهرت منه أحداث لم ترض المسلمين بصفة عامة بل إعتبره البعض ليس إماما بل هو جبار ، ومنهم من اعتبره إمام دفاع حتى تضع الحرب أوزارها ، والحمد لله على نعمة العدل . بما أن الإمام موسی بن أبي جابر الإز کوي ، هو الذي كان في مقدمة المبايعين للإمام الوارث ، إرتأينا أن يحتوي هذا العدد من كتابنا هذه الشخصية العلمية المشرقة ، وقيل من بني سامة بن لؤي بن غالب ، وهو جد الشيخ موسی بن ( ( ۱ ) . ( علي لأمه . داعية من دعاة الإسلام حاملا لواءه ، يعد من حملة العلم الخمسة المشهورين ، فأفسدوا فيها ، وكان ولاتها أهل جور ، فأظهر الله دعوتهم فيها ، وولينا فلانا قرية كذا كذا ، وأحسب أنه قال حتى تضع الحرب أوزارها ، ويفرق بعضهم من بعض ، کتب موسی بن أبي جابر في آثارهم ، فعزلوا قبل أن يصلوا القرى التي كان ولاهم عليها ، وإنما كانت هذه حيلة منه - رحمه الله - إحتالها للمسلمين ) ) . ولقد بينا في حديثنا السابق عن الإمام الوارث بن کعب الخروصي أن - شيخ الإسلام - موسی بن أبي جابر هو الذي تولى أمر بیعته في المسلمين إماما فيهم ، لقد كان مرجعا للفتيا لعامة الناس بصفة عامة ، وللعلماء بصفة خاصة ، ومحجة بيضاء لا يشوبها كدر ، فهو من علماء القرن الثاني الهجري ، ومحطا للعلماء ، ( فهو - رحمه الله - من بين من ابتعثهم الإمام أبو عبيدة إلى عمان ، ليعودوا إليها رافعين لواء العلم وعندما عاد أنشأ المراكز العلمية ، التي إلتحق بها الكثير من طلبة العلم والمعرفة . لقد كان مرجع الأمة آنذلك الوقت ومن يعول عليه في القضايا الجسام الفقهية ، ومن الذين لهم في العلم المرفوع ، وعند إختلاف الظروف تتجلی حقائق الرجال فإن الدهر محك لهم ، علاميته موقرة ، وأحد أجنحة الطائر العلمي إلى عمان ) ) . بل لربما كانت له مؤلفات ، ولكن لم تصل إلينا ، يفهم ذلك من قرأ في کتاب ( بيان الشرع ) للعلامة الشيخ محمد بن إبراهيم الكندي النزوي . لم يتأثر من ذلك ، بل كان العملاق العظيم . ورعی مصالح أمته في كل وقت وآن ، فله أمته الدعاء الخالص ، أما جزاء ما قدم من إخلاص وأمانة وجهد وصدق فعلى الله سبحانه ، على من أراد أن يشق أمة الإسلام ، أو أن ينال من أرضهم وحرماتهم . وقاضيا ومفتيا ، ومجاهدا مستبس ، عد بين الناس ، الله ، امر بالمعروف ، ناهيا عن المنكر فإلى جانب إنشغاله بما ذكرناه نجده مخصصا بعض الوقت لطلبة العلم فأخذ عنه العلم عدد كبير . هذا هو موسی بن أبي جابر الأزكوي العماني ، والثبات على المبدأ القويم ، نمت أعظم نماء ، والأبعاد المخبوءة في غير كلفة ولا تعب ، ثبتت في قلبه الشجاعة ونبتت في نفسه شجرة العلم ، لقد بلغ في العلم شأوا منقطع النظير ، ما جعله يدرك أن الخير في هذه الحياة واضح وضوح الشمس رابعة النهار لمن سلك طريق الخير ، وإنما الشر هو الذي يستر ويتخفی فهو – رحمه الله - من إعتنى بدراسة الشر في مخابئه ومظانه ، ويتمثل هذا الموقف فيما يدلي به من رأي .