جمع العديد من العلماء على أن حقل الإدارة العامة يعاني من أزمة هوية وهي تحتاج إلى أن يتم معالجتها بطريقة ما, فإذا كان حقل الإدارة العامة مبني على مفاهيم ضيقة ومحددة وكانت هناك محاولات لرسم حدود للحقل بناء على تلك المفاهيم فأننا لن نصل الى هوية حقيقية تعكس طبيعة الإدارة العامة مع التشديد على ضرورة فهم الإدارة العامة في بيئتها الحقيقية في عالم متسارع التغير والتعقيد, يهدف هذا البحث إلى إلقاء الضوء على حقيقة أزمة الهوية في الحقل ومدى أتساعها مع أتساع الحقل تماشياً مع طبيعته المتشعبة والمتمددة يوماً بعد يوم وكيف تم استيعاب تأثير تلك الأزمة من خلال منهج تعددية وتداخلية التخصصات كإطار عام يصف طبيعة حقل الإدارة العامة من أجل أن يتناسب المفهوم الجديد لحقل الإدارة العامة مع طبيعة وتنوع الخدمات العامة الحكومية التي تقدمها الدولة لمواطنيها . عندما نشر دوايت والدو عام 1968 م مقالته بعنوان ” نطاق نظريات الإدارة العامة” كتب والدو عبارته المشهورة ” حقل الإدارة العامة يعاني من أزمة هوية ” , أن الأزمة المزعومة هي على وجه التحديد الفجوة بين ” النطاق ” والنظرية ” المرتبطة بدراسة الإدارة العامة وهذا يعني أن الأزمة هي في فهم وتوضيح الهدف من دراسة الإدارة العامة ومن الحقل ككل (Rutgers, والدو أشار إلى أن أزمة الهوية مرتبطة ارتباطا وثيقا بأهداف دراسة الإدارة العامة وحدود الحقل والتي هي غير واضحة أصلا خاصة منذ فترة نهاية الأربعينات من القرن الماضي. والمشكلات تحمل بعدين أساسيين بعد نظري والآخر عملي ولكن لأجل تقديم تفسير لأزمة الهوية فأن الترابط المنطقي بين المشاكل والنظريات والأهداف والحدود وما إلى ذلك لا يساعد أيضا في تحديد هوية الإدارة العامة Rutgers, 1998) إلى أنه من غير المنطقي البحث عن هوية أو نموذج أو تخصص أو أيا كان ما يقدم ترابطا منطقيا أو جوهرا محددا لكل الأفكار والممارسات والنظريات والمشاكل والمدارس الفكرية خاصة لحقل الإدارة العامة وإن كنا بحاجة لعبارة “أزمة هوية” لوصف طبيعة دراسة الإدارة العامة فهذا أفضل تعبير, 2014) أن التغيرات التي حدثت في التركيز والاتجاهات في حقل الإدارة العامة كممارسة في السنوات الماضية أنعكس أيضا كتغييرات في حقل الإدارة العامة كعلم, وقد استجاب الأكاديميون في الحقل لتلك التغييرات مع اختلاف تلك الاستجابة فالبعض ينظر للإدارة العامة كموجه يشرح ماذا يجب أن تكون عليه الإدارة العامة والبعض الآخر ينظر إليها كمرآة تعكس كل التغييرات التي تحدث في القطاع العام والحكومة والمجتمع, وأن أحد أهم أسباب عدم تحديد هوية خاصة لحقل الإدارة العامة هو اختلاف علماء الإدارة أنفسهم في أيجاد أرضية مشتركة ينطلق منها الحقل وأيضا هناك عامل مؤثر في تحديد هوية الحقل بالإضافة الى العلماء وهو المستخدمين والممارسين للمناهج والنظريات التي تتضمنه, إن أهم مفهومين لدراسة الإدارة العامة كانا المفهومين الأمريكي والأوربي فقد اتفقا على أن حقل الإدارة العامة هو مظلة , ويعتبر المفهوم الأوربي للإدارة العامة أكثر تنظيما فهو ينظر للحقل كإطار شامل يحوي بداخله العديد من العلوم والمناهج وتدرس على اساس أنها أرضية موحدة لعلوم متعددة. أن من أهم مبررات هذه الدراسة أن تعدد مستويات الدراسة والاهتمام وكذلك تعدد المناهج والمدارس الفكرية يجدد فهمنا واستيعابنا لحقل الإدارة العامة وفي نفس الوقت يجدد الحديث عن هوية الحقل وحدوده ويضعنا في حيرة ويدفع للكثير من البحث والتقصي, ما هي الأرضية العلمية التي نقف عليها عندما نتحدث عن الإدارة العامة؟ وما هي موروثات هذا الحقل المتشعب التي نتعامل معها في عصرنا هذا؟ كيف نعيد أحياء الخدمات العامة من خلال البيروقراطيات استجابة للتغيرات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ أن من أهم الأسئلة التي تحاول هذه الدراسة الإجابة عليها هي: هل حقاً أنتجت الطبيعة المتغيرة والمتشعبة باستمرار في حقل الإدارة العامة أزمة هوية ؟ وما هي حقيقة أزمة الهوية وحجمها ونواحي تأثير هذه الأزمة على الحقل؟ وهل دراسة الإدارة العامة الآن أبعد ما تكون من أن تقترب الى الوصول الى نظرية ختامية لأزمة الهوية في الحقل أم من الممكن الوصول الى مثل هذه النظرية في القريب العاجل؟ وإذا كان ممكناً التوصل الى تلك النظرية فكيف سيكون شكلها ومضامينها ؟ وإذا لم يكن ذلك ممكناً كيف يمكن أن يتطور حقل الإدارة العامة وهو يعاني من أزمة هوية ؟ طبيعة دراسة الإدارة العامة وأثرها في تكوين أزمة هوية للحقل : لقد تم تصنيف الإدارة العامة من العلوم الاجتماعية ولا شك في ذلك, أشار دوايت والدو في مقدمة الطبعة الثانية من كتابة ” الدولة الإدارية ” الى أن الإدارة العامة قد أوجدت لنفسها مرتكزات وفروع معرفية جديدة إضافة للعلوم السياسية كلها ذات ارتباط بموضوع الدراسة وهذه الفروع هي علم النفس الاجتماعي والاقتصاد وعلم الاجتماع وإدارة الأعمال والرياضيات والاقتصاد وكل هذا جعل من طبيعة وحدود دراسة الأدارة العامة إشكالية في حد ذاتها(Raadachelders, 1999) الى أن تحديد نظرية موحدة للإدارة العامة يعتمد على العديد من الاعتبارات وهي: أن دراسة الإدارة العامة هي عبارة عن تداخل العديد من التخصصات فتعدد المناهج والنماذج والنظريات يرسم خطا حول حقل الدراسة, ثانيا أن وضع نظرية للإدارة العامة يتوقف أيضا على مفهوم النظرية فالنظرية الجيدة هي التي تصنف وتوضح وتتنبأ بناء على تحليل استكشافي لحقائق محددة أو معممة وهذا ما لا يمكن تطبيقه على الإدارة العامة ككل فهناك العديد من الحقائق والنظريات التي تكمل بعضها والتي تعارض بعضها البعض, أن تعدد العلوم التي أثرت في دراسة الإدارة العامة يمكن أن يفهم على مستوى فردي اي مستوى العالم في الإدارة العامة لأن الكثير من علماء الإدارة العامة هم في الأصل علماء في القانون أو الاقتصاد أو العلوم السياسية أو علم النفس ودخلوا لحقل الإدارة محملين بتجاربهم وخبراتهم من الحقول السابقة , أيضا تعدد العلوم يمكن أن يفهم على مستوى البحث في حقل الإدارة حيث استفاد حقل الإدارة العامة من الكثير من النظريات من علم الاقتصاد وعلم النفس التطبيقي والصناعي وعلم السياسة , لذا فأن المعرفة الأكاديمية المتراكمة للحكومة تم تقسيمها لمستويين مستوى ضمن دراسة الادارة العامة ومستوى دراسة تداخل العلوم الاجتماعية. في النصف الثاني من القرن العشرين انتقلت دراسة الإدارة العامة الى تداخلية التخصصات وتميزت بتعددية المناهج وافتقارها الى الحدود واضعة في الاعتبار التعقيد المنتظم للمستويات الحكومية في المجتمع الحديث وهذا ما لا يمكن الحصول عليه في اي محاولة تبسيط للواقع كذلك فأن حقل الإدارة العامة معرف من قبل العديد من العلماء القادمين من خلفيات علمية متعددة وعلى المستوى الفردي فأن تعددية التخصصات كانت ظاهرة في جهود العلماء لإلمامه وإطلاعه على حقل دراسة أخر لتعزيز فهمه لموضوع معين قيد البحث وعلماء الإدارة العامة إذا ألقينا نظرة سريعة على خلفياتهم نجدهم ينحدرون من العديد من العلوم والتخصصات وهذا واضح في استفادة الحقل من العديد من النظريات الاقتصادية والسلوكية والقانونية والسياسية Raadachelders, حيث تميزت الإدارة في بداياتها بالتركيز على البناء الهيكلي والشكلي والسلوكي للمؤسسات وشمل البحث في الإدارة العامة كحقل علمي عدد كبير من النظريات والمفاهيم والمداخل الفكرية التي تناولت الجوانب التنظيمية والسلوكية للبيروقراطيات الحكومية , وقد ركزت الدراسات في حقل الإدارة العامة في بداياتها على الجوانب الرسمية في التنظيم ونظم العمل والهياكل والإجراءات ثم تطورت البحوث لتشمل مفاهيم وقضايا سلوكية وإنسانية الى أن وصلت الى مداخل بحثية أشمل في نظرتها للمنظمات كنظم اجتماعية مفتوحة تستجيب نسبياً الى المتغيرات البيئية المحيطة , وقد تميزن فنره خمسينات وستينات القرن الماضي بظهور مداخل فكرية متطورة لدراسة الإدارة العامة والبحث في ظواهرها وإشكالاتها وتمثلت هذه المداخل في حركة الإدارة العامة الجديدة التي اعتبرت بمثابة فلسفة جديدة ومتقدمة في فهم الإدارة العامة ( فكراً وممارسة ) حيث تتطلب تغييرات جذرية في مفاهيم وهياكل وسلوك وقيم وأخلاقيات البيروقراطيات الحكومية , تابعت الإدارة العامة مسيرتها التطويرية في السنوات الأخيرة حيث ظهرت حركة إعادة اختراع الحكومة وهي بمثابة فلسفة إدارية شاملة تقوم على خلخلة الصورة التقليدية للإدارة العامة من خلال تغيير جذري في المفاهيم والنظريات والهياكل حيث تقلص الفجوة بين حقلي الإدارة العامة وإدارة الأعمال من خلال طرحها لبدائل فكرية وسلوكية وتقنية تجعل من المنظمات العامة منظمات عمل حكومية (Business like ) أو (Government business organizations ) وتهدف الى تعزيز استجابة الإدارة العامة الى المستجدات البيئية وتحسين فعاليتها وكفاءتها وقدرتها على البقاء والاستمرارية ( , كذلك تراكم التراث المعرفي للإدارة العامة بما في ذلك مفاهيم ونظريات وفكر إداري ودراسات تطبيقية هو محصلة لجهود فردية ومؤسسية متواصلة فلقد تطور الحقل الإدارة العامة عبر حلقات تاريخية مترابطة وبشكل تدريجي ملائم للإطار البيئي المحيط به بحيث تميزت المرحلة الراهنة للحقل بالسرعة والجذرية في التغيير مما يعني إعادة صياغة متجددة لهوية الإدارة العامة وهذا يتطلب جهوداً مميزة ويضع مسؤوليات جمة على عاتق الباحثين والمؤسسات الأكاديمية والحكومات وغيرهم من المعنيين بتكيف الإدارة العامة مع بيئتها الجديدة ( العوالمة , حقيقة أزمة الهوية في حقل الإدارة العامة : يمتد النقاش المتعلق بهوية حقل الإدارة العامة إلى جذورها التاريخية وطبيعة الحقل الأكاديمي الذي ينتمي إليه وتعدد مجالات عملها كمهنة تطبيقية حيث تميز النقاش الفكري والأكاديمي والعلمي حول هوية الإدارة العامة بطابع الجدلية المزمنة أي تواصل النقاش على مختلف الأصعدة دون نتيجة حاسمة (Haque, وقد شمل النقاش تساؤلات تقليدية أساسية ما زالت مطروحة إلى الآن أهمها: إلى أي حقل معرفي تنتمي الإدارة العامة؟ وهل لها هوية علمية مستقلة بحيث أن لها خصائصها العلمية المميزة عن غيرها من الحقول العلمية ؟ وهل للإدارة العامة حدود فاصلة واضحة المعالم ومحددة بوضوح ؟ وهل لها منهجية علمية في البحث والدراسة بحيث يمكن اعتبارها علم حقيقي؟ وهل هي مهنة لها قواعدها القانونية والأخلاقية المميزة ؟ وما طبيعة علاقة الإدارة العامة بغيرها من الحقول المعرفية الأخرى؟ (العوالمة , حيث أشاروا أيضا الى أن أزمة الهوية في حقل الإدارة العامة تدور حول الحاجة الملحة لتحديد تعريف راسخ للإدارة العامة يصل الى كل التطلعات التي يأملها علماء الحقل. في نهاية الستينات من القرن الماضي كان هناك اعتراف عالمي بأن حقل الإدارة يعاني من أزمة هوية وهذا ما ابقى السؤال التالي قائما كيف يمكننا وضع تصور وإضافة شرعية لهذا المشروع الكبير ( ايجاد هوية موحدة لحقل الادارة العامة) البعض يحاول اعادة تأسيس تصور جديد للإدارة العامة والبعض يركز على تطوير منهجية تستطيع توحيد كل المناهج المتباعدة في الادارة العامة . أن معظمنا يؤمن بشكل صريح أو ضمني أنه ومن أجل أن يستعيد حقل الإدارة العامة تقديره لذاته فأنه يجب على دراسة الإدارة العامة أن تكتسب التماسك الأساسي عن طريق استعادة نموذج عام موحد ومتشارك ومقبول , فإذا أخذنا فكرة ” فرع معرفي ” أو ” نموذج” أو أي مسمى أخر يوحد مفهوم أو تصور باعتباره الأساس الشرعي الوحيد للدراسة فأن النتيجة ستكون دائما هي أدراك لأزمة الهوية في دراسة الإدارة العامة ومع ذلك فأن دراسة الإدارة العامة لا تشكل حقل موحد للدراسة ومن الصعب أن تجد أي فرع من الدراسات الاجتماعية يلبي هذا المطلب , كذلك أدى الشعور بالأفتتنان الذي ظهر مؤخراً من أكاديميين من حقول معرفية أخرى خاصة علماء الاقتصاد والسياسة والاجتماع والقانون والرياضيات وعلم النفس بكل فروعه جذبهم بقوة الى الدخول الى حقل الإدارة العامة , أزمة الهوية في حقل الإدارة العامة تتجلى في التأثير الكبير والمبالغ فيه أحيانا لنظريات الإدارة العامة الأمريكية ومفاهيمها وعدم مناسبتها أحياناً للمحتوى الثقافي والاجتماعي والسياسي لبعض المجتمعات والحكومات مما دفع بالكثير من العلماء الى محاولة خلق أدبيات أدارة عامة خاصة بكل مجتمع ودولة وتناسب أهدافها وتحقق سياساتها المعلنة مما خلق كماً هائلاً من النظريات والمناهج ووجهات النظر والأفكار المتعارضة أحياناً والمتطابقة في البعض الآخر. ففي السنوات الأخيرة شهدت العديد من المدارس الخاصة بالإدارة العامة زيادة مطردة تدعو لعولمة الإدارة العامة في المناهج الدراسية. على الرغم من أن الهدف الأساسي من المناهج الخاصة بتدريس الإدارة العامة في الولايات المتحدة هو التركيز على الممارسات المحلية فقط إلا انه ألتحق بها العديد من الطلاب من دول مختلفة بتلك الكليات. ان التعليم فى الإدارة العامة من منظور عالمي أدى الى تعميق فهمهم للإدارة العامة الأميركية ، الحاجة الماسة لتلبية الاحتياجات التعليمية دعت العديد من الباحثين فى المناهج الدراسية الخاصة الإدارة العامة لضرورة تصميم مناهج دراسية ذات منظور عالمي يرتكز على نماذج ومفاهيم وأمثلة دولية مع الأخذ في الاعتبار الاختلافات الثقافية والاجتماعية الخاصة بكل دولة (Hou et al, نظرية الإدارة العامة يمكن تصنيفها في مجموعات تضم ثلاث محاور هي المحور الهيكلي والمنطقي والمحور الخدمي وقد كانت كل مساعي الأكاديميين هي في وضع نظرية للإدارة العامة في أطار ( علم , وهذا يعد أحد أسباب أزمة الهوية في الإدارة العامة الذي يكمن في إدراك أن للحقل تأثيراً ضئيلاً تجاه الجهود الرامية الى الإتيان بهياكل وإجراءات وسلوك إداري أكثر استجابة للمجتمع في البيروقراطيات الحكومية , فخلال السنوات الماضية كان يتوقع من تدريس الإدارة العامة أن يدعم برامج الخدمة العامة وتداخلاتها المتعددة والمتنوعة وهذا لم يساعد فقط في صياغة وتصميم سياسات وإجراءات وهياكل مناسبة بل وساعد أيضاً في تغيير عقلية وأخلاقيات الموظفين العموميين , وهنا يكمن تأثير أزمة الهوية فالمعرفة التراكمية الخاصة بإدارة الحكومة قد تبعثرت في العديد من التخصصات الفرعية والمدارس والمناهج المتنوعة مما حدا من تشكيل تصور كامل ووافي لكل المشكلات المعقدة والمتشابكة التي تواجه المنظمات العامة. المسئولية والقيم الاخلاقية وهذا ما أنتج أزمة هوية فكرية لحقل الإدارة العامة من أجل تلبية كل هذه لمتطلبات . وقد واجهت الإدارة العامة نوعا من تجدداً في أزمة الهوية في السنوات الخمس الماضية , فقد كان للأزمة المالية العالمية تأثير عميق على إعادة التفكير المسؤولين و الأكاديميين على حد سواء فيما يمكن وما ينبغي أن تكون عليه دراسة وممارسة الإدارة العامة . البيانات والخبرات في مختلف البلدان الأوروبية لا تساعد على الإجابة على مثل هذا التساؤلات بينما دول مثل المملكة المتحدة قد نفذت إصلاحات كبيرة وهامة في قطاعها العام بعد الأزمة المالية، والقطاع العام لا يزال يلعب دورا هاما في البلدان دون استثناء . وقد نتج عن التعامل مع هذه القضايا مزيداً من التفكير و التأمل في حقل الإدارة العامة ، 2014) إن الجدلية الفكرية المزمنة المحيطة بهوية الإدارة العامة والتي وصفت في مراحل سابقة بأزمة هوية أو الأزمة الفكرية قد جعلت الإدارة العامة تشهد بشقيها المتكاملين الأكاديمي والمهني تحولات فكرية وهيكلية وسلوكية في العقود الأخيرة خاصة منذ بداية الألفية الجديدة حيث فتحت هذه التحولات مجدداً باب الجدلية الفكرية على مصرعيه بهدف أعادة صياغة وتشكيل الهوية الجديدة الناشئة لحقل الإدارة العامة أن كان ذلك ممكناً في ظل العالم الرقمي وظواهر العولمة والتخصصية وجملة المتغيرات السياسية والإدارية والاقتصادية والتكنولوجية والبيئية المتسارعة , 2013) و تصورنا لنظرية موحدة لحقل الإدارة العامة يجب أن يبنى على أساس أدراك أنه لا يمكن لحقل الإدارة العامة ان يكون فرعا معرفيا متكاملاً. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو وهل دراسة الإدارة العامة الآن أبعد ما تكون من أن تقترب الى الوصول الى نظرية ختامية لأزمة الهوية في الحقل أم من الممكن الوصول الى مثل هذه النظرية في القريب العاجل؟ واذا كان ممكناً التوصل الى تلك النظرية فكيف سيكون شكلها ومضامينها ؟ وإذا لم يكن ذلك ممكناً كيف يمكن أن يتطور حقل الإدارة العامة وهو يعاني من أزمة هوية ؟ هل يمكن الوصول الى نظرية ختامية للإدارة العامة تنهي أزمة الهوية في الحقل : مهنة ) في دراسة الإدارة العامة في يومنا هذا وكيف يؤثر على طبيعة نظرية الإدارة العامة, أن ( علم ومهنة ) يمكن أن نجدهما في العديد من التخصصات بينما دراسة الإدارة العامة عبارة عن تركيبة من العديد من النظريات والمفاهيم عن الحكومة وتستخدم بنجاح من قبل علماء الإدارة العامة, وللإجابة على تساؤل ما إذا كان تحديد نظرية للإدارة العامة قد يساعد في تحديد نظرية عن الحكومة الجواب أنه لا توجد إلى الآن نظرية عن الحكومة ومثل هذه النظرية أن وجدت فما زالت بعيدة عن التطبيق بسبب قناعة قوية عن أن الإدارة العامة هي ( علم , أن نظرية الإدارة العامة تختلف مع وجهة نظر (الإدارة هي علم وفن ومهنة ) لأن اختلاف أصل كل من ( علم , مهنة ) في دراسة الإدارة العامة في عصرنا هذا يطرح سؤال عن ماهية وطبيعة ونظرية الإدارة العامة , ايضا فأن تحديد نظرية للإدارة العامة يتفاوت فيما يجب أن تركز فيه هذه النظرية هل هي نظرية عن الحكومة في المجتمع ؟ أم نظرية عن المواطنين والحكومة ؟ أم نظرية عن التنظيم الداخلي والوظيفي أم هي نظرية عن الهيكلة والعمليات الإدارية ؟ Raadachelders, وقد طرحت في الآونة الأخيرة وفي ظل مستجدات العولمة والعالم الرقمي والإلكتروني تساؤلات عديدة أهمها : هل هناك جدوى من دراسة الإدارة العامة كحقل علمي؟ وهل يجب إلغاء تخصص الإدارة العامة من البرامج الأكاديمية للجامعات أم يجب تعديل خطط وبرامج الإدارة العامة لتلائم المستجدات؟ وهل يجب اقتصار البرامج الأكاديمية للإدارة العامة على مستوى الدراسات العليا فقط؟ وما هي الخصائص المميزة التي تميز الإدارة العامة في الحاضر والمستقبل؟ وماهو دور أجهزة الإدارة العامة في العالم الرقمي المتغير ؟ وماهي حقيقة العلاقة بين حقلي الإدارة العامة وإدارة الأعمال وهل يمكن أن تحل أحدهما محل الأخرى؟ ( العوالمة, ويواجه الحقل العديد من المتطلبات والمشاكل المعقدة التي لا يمكن حلها بمنهج أحادي ويتميز حقل الإدارة العامة الآن بالشمولية والواقعية وتعددية التخصصات وهذا يفسر من خلال النظريات والمناهج وأسئلة البحوث ومن المهم التأكيد على أن تعددية التخصصات تعود الى العمليات والإجراءات مثلها مثل المواضيع والمشاكل مركز الاهتمام (Zalmanovitch , أن رؤية تعددية التخصصات تسعى لتقديم رؤية ثاقبة الى التعقيد في حقل الإدارة العامة المترافق مع مختلف مستويات التحليل الى تكاملها ككل وهذا ما أتق عليه في أرض الواقع , أضافت تعددية التخصصات العديد الى حقل دراسة الإدارة العامة فتفسير أي ظاهرة مثلا يعطي فهم أشمل وأوضح لها من أن يتم من خلال علم محدد والبعض ذهب الى أن هذه التعددية أثبتت أنها جديرة عندما تأتي بحلول للمشاكل في العالم الواقعي وتؤدي الى إجراءات فعالة أو تؤدي الى تنبأ أفضل للمشاكل الاجتماعية. لوضع منظور دقيق يمكن من خلاله فهم نظرية الادارة العامة نحتاج الى دراسة ظاهرة الانقسامات التى تحدث على المستوى الوطنى وعلى مستوى المكونات السكانية متعددة الاعراق لمعرفة التفسير المنطقى العلمى لها حتى نتمكن من معالجتها. للتأكد من علاقة الإدارة العامة بالممارسة، كما يتوقع أن تقوم الإدارة العامة القائمة في دراستها على تعددية التخصصات على تنمية وتقوية مهارات الإداريين ، التى تمكنهم من تقديم خدمات ذات جودة عالية ينتج عنها أفضل السلع العامة والتى يمكن تسليمها إلى جميع قطاعات المجتمع في وقت وجيز بأقل الاسعار . والكيانات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية. الإدارة العامة المعاصرة تعتبر من العلوم الاجتماعية، أن تحديد هوية لحقل الادارة العامة من خلال دراسة الطرق والمناهج المتعددة والمتنوعة ذات الطبيعة السياسية والاجتماعية والإدارية والاتفاق حول الهوية الذاتية للحقل هو مطلب اساسى قبل العلماء والممارسين, 2005) بأن إذا كان من الممكن الوصول الى هوية جديدة موحدة لحقل الإدارة العامة يجب أن تتضمن تغييرات ملموسة في جانبيها المتكاملين وهما الحقل الإكاديمي والأجهزة الحكومية التي ثمثل الوجه التطبيقي للإدارة العامة , أي أن هذه المستجدات تتطلب مراجعة تحليلية شاملة لكافة جوانب حقل الإدارة العامة وإعادة هيكلة للقطاع العام ورسم حدوده الوظيفية وتحديد علاقاته مع مؤسسات المجتمع المدني في مختلف المجالات. لذا فالبعض يعتقد أنه يجب التركيز في حقل الإدارة العامة على المرجعية الأخلاقية في خدمة المواطنين وتصريف الشؤون العامة بدل من التركيز على ضعف المرجعية العلمية الموحدة لدراستها. العديد من المشكلات الاجتماعية ما زالت في انتظار اهتمام الدولة ونظامها الإداري والسؤال عن استقلالية الإدارة العامة كعلم يبدو أقل أهمية مما مضى وبدلا من ذلك هناك العديد من الدعوات من أجل الاستفادة من الاتجاه نحو تعددية التخصصات في العلوم الاجتماعية وإيجاد أفضل طريقة لدمجهم في روح الإدارة العامة. هنا يكمن التحدي الرئيسي للإدارة العامة في السنوات القادمة: اختراع جيل إداري حيوى متعدد التخصصات محكوم بنظم وقوانين مستمدة من روح العدالة والقانون والأخلاق وخدمة العامة والديمقراطية الحديثة. تحتاج الإدارة العامة إلى جهود أكاديمية جادة تنطلق من تفكير وتحليل وتخطيط إستراتيجي شامل يمكن من الانتقال بها إلى آفاق مستقبلية تعزز قدرتها على الاستمرارية والبقاء وتعطيها دورها الوظيفي المتميز والمتكامل مع الحقول والقطاعات الأخرى وتوجه الإدارة العامة نشاطاتها المتكاملة في البحث والتدريس واستخدام الإمكانيات المسانده لها لتحقيق أهدافها المعرفية والأكاديمية والتطبيقية (العوالمة ,