وإذا كان للوفاء بالعهد أثره في الالتزام بالمعاهدات الدولية واستقرارها فإنه كذلك يجعل المعاهدين عوناً للمسلمين ويزرع في نفوسهم الثقة بهم. فقد اخرج القاضي ابو يوسف أن أبا عبيدة بن الجراح لما صالح أهل الشام واشترط لهم وشروطاً كان الصلح عليها, قالوا له: اجعل لنا يوماً في السنة نخرج فيه صلباننا بلا رايات, ففعل ذلك وأجابهم إليه, فلم يجدوا بُداً أن يفوا لهم بما شرطوا, فلما رأى أهل الذمة وفاء المسلمين وحسن السيرة فيهم صاروا أشداء على عدو المسلمين وعوناً للمسلمين على أعدائهم, فبعث أهل كل مدينة ممن جرى الصلح بينهم وبين المسلمين رجالاً من قبلهم يتحسسون الأخبار عن الروم قد جمعوا جمعاً لم ير مثله, فأتى رؤساء أهل كل مدينة إلى الذي خلفه أبو عبيدة فأخبروه بذلك. وبالمقارنة نجد البون شاسعاً بين تأكيد الإسلام على الوفاء بالعهد وشروطه ومنع الغدر, حتى غدا ذلك أصلاً عظيماً في العلاقات الدولية والاجتماعية, حتى اعترف بذلك كُتابهم ومنهم ((فوشيه)) الذي قرر أن النبي صل الله عليه وسلم قد أوصى أتباعه بمراعاة المعاهدات وتنفيذ نصوصها, قبل أن تظهر في الغرب قاعدة احترام المعاهدات. بل في وقت كان الغرب يغط فيه دياجير الجهالة والظلمة, ولم يكن فيه أي احترام لذمة أو عهد أو ميثاق, وإنما كانت القاعدة هي الكذب والخديعة والغدر, حتى إن الكنيسة الكاثوليكية في القرن السابع عشر قد قامت بإعفاء الأمراء الكاثوليك من الالتزام بالمعاهدات التي ابرموها مع الكفار وغير الؤمنين بالكاثوليكية, ومنها المعاهدات المبرمة مع البروتستانت.