شغل هذا الموضوع وهذه المفاضلة بين الشعراء الثلاثة حيزا كبيرا لدى القدامى والمتأخرين و سنحاول أن نثبت من خلال الموضوعات التي تناولها هؤلاء الشعراء اتسام شعر أبي تمام والمتنبي بالحكمة والعقل أما شعر البحتري فهو متميز بالعاطفة والخيال والإبداع وذلك من خلال التعرض لأشهر قصائد هؤلاء الشعراء . برز أبو تمام في ظرف مميز وهو حركة الترجمة الواسعة لعلوم الأوائل من اليونان والفرس والهند فتشبع بكل هذه العلوم وهذه الثقافات حتى قوي عقله واتسع خياله ورسم لنفسه مذهبا خاصا به وهو تجويد المعاني وتسهيل العبارة ، استكثر الحكم في شعره واستدل على الأمور بالأدلة العقلية والمنطقية ولو أدى به ذلك إلى التعقيد أحيانا وهذا ما يمكنك أن تقف عليه من خلال بائيته المشهورة التي مطلعها : السَّـيْـفُ أَصْــدَقُ أَنْـبَــاءً مِـــنَ الـكُـتُـبِ *** فِـي حَــدهِ الـحَـدُّ بَـيْـنَ الـجِـد واللَّـعِـبِ -2- المتنبي : والجمال والقبح، والمال. ولعل الحكمة عند المتنبي اتجهت إلي ثلاث مناح رئيسية: فهو طموح النفس، يدعو إلي الإقدام والإقلاع عما يسبب التخلف حتى ولو كان السبب في ذلك هو الشعر حرفته معا :إلي كم ذا التخلف والتواني *** وكم هذا التمادي في التمادي. يشير إلى ما استشري فيه من فساد ناقدا أهله وتصرفاتهم، جاعلا من نفسه لهم وفيهم حكما وحكيمًا، كاشفا ومحللا لنفوسهم. إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا نبكي علي الدنيا وما من معشر *** جمعتهم الـــــــــــدنيا فلم يتفرقوا 3- البحتري : نشأ البحتري في البادية فابتعد في شعره عن مذاهب الحضريين وتعمقهم وفلسفتهم ، فكان شعره كله بديع المعنى حسن الديباجة ، صقيل اللفظ ، سلس الأسلوب كأنه سيل ينحدر إلى الأسماع ،