طبيعة المنهج التحليلي والتحليل كمنهج عام - يصلح لمختلف الموضوعات العلمية . يراد به تقسيم الكل إلى أجزاء ورد الأشياء والقضايا إلى عناصرها مادية كانت أم معنوية. مما يجعله - كما يقول د. فمثلا إذا وجدنا شيئًا نجهل وحينئذ نرى أن المرء لا يعمد إلى تحليل الأشياء المادية، أو الحوادث أو المعاني الكلية إلا لأنه يجهل حقيقتها جهلا تاما ، وفي هذا الإطار المنهجي يتعالق التحليل مع عدة معانٍ وعمليات ذهنية أخرى مثل القسمة، فتقسيم الشيء، يعنى الإهتداء إلى العناصر أو الأجزاء التي يتكون منها، أما التحليل فهو في مرتبة أعلى لأن الذهن وهو بصدد عملية التقسيم يدرك العلاقات التي ترتبط بها الأجزاء وتنتظم على نحو معين، أما الأجزاء في القسمة فمقدارها من التركيب يساوي تماما مقدار الأصل المحلل، حيث يفترض كل منهما الآخر، فتحليل المركب أو الكل إلى أجزاء يعنى افتراض الكل مسبقا، وجزء آخر إعادة بناء وتأليف المكون جديد أبسط وأوضح من الأصل. وهو ما ذهب إليه «كوندياك» الذى يرى أن المنهج التحليلي يقوم على النظر في نظام تعاقبي إلى صفات شيء ثم إعادة ترتيبها لتعطي في العقل النظام المماثل الذى توجد عليه . وعلى وجه العموم من المعلولات إلى عللها، إلى أن ينتهي البرهان إلى أعم العلل. ففى مرحلة التحليل نفرز في الموضوع الصفات التي تجعل منه جزءا من الكل. وبفضل ذلك يتم التحليل في مجرى المعرفة من خلال التركيب، ويتم التركيب من خلال التحليل)، وإن كان ثمة من يتصور أنه لا يمكن التمييز بين العمليتين على نحو حاسم لأن ما هو (تركيب) أو بناء من وجهة نظر معينة هو تحليل من وجهة نظر أخرى، ليترتب على ذلك أن كل فعل فلسفي هو فعل تحليلي تركيبي بصيغة من الصيغ. حلل تعنى ترجم الجملة أو العبارة أو القضية إلى مجموعة قضايا مكافئة لها وهنا يكمن التحليل في وضع سلسلة قضايا (مقترحات) بدءًا من القضية التي يراد البرهان عليها وصولا إلى قضية معلومة . لقد اختلفت وظيفة المنهج التحليلى مع تقادم العصور، فبعد أن كان التحليل لتوضيح الأفكار كما كان الحال بالنسبة لسقراط» عن طريق السير من الأمثلة الجزئية إلى ما وراءها من مبادئ عامة، أصبح التحليل في الفلسفة الحديثة على يد «ديكارت» و«ليبنتز» تحليلا للوجود. فكان الذي يجمعهم هو تحليل المركب إلى عناصره الأولية البسيطة على الرغم من اختلاف موضوع التحليل . لقد استخدم التحليل عند اليونان وفي العصور الوسطي وأوائل العصر الحديث بالمعني الذي كان له عند الرياضيين، وهذا المعني نجده عند جاليليو لا من حيث هي ألفاظ وإلا كان ذلك الميدان خاصا بعلماء اللغة، ولكن دون التدخل بوظيفة العلماء، والتوضيح لا يضيف إلى معرفتنا معرفة جديدة بقدر ما يبرز ما نعرفه من قبل بشكل غامض. لذا فإن الغاية من التحليل هي الوصول إلى الدقة والوضوح بتحليل المعاني والرموز وحتى الوقائع العلمية اقتداء بالعلم ومناهضة للاتجاه الشمولي الهادف إلى بناء أنساق ميتافيزيقية ، وخير من مثل هذا الاتجاه هم فلاسفة كيمبردج (مور، فتجنشتين وأصحاب الوضعية المنطقية ممن حاولوا الاستعانة بالمنطق أداة لعملية التحليل. ونشر رسل بحثه في طبيعة الصدق ثم مشكلات الفلسفة وتبعه بكتاب معرفتنا بالعالم الخارجي، إنها بداية الحقبة جديدة في الفلسفة بشكل عام، حيث يقال بأن الفلسفة قد خضعت الثورتين عظيمتين في تاريخها، فقد طبق المنهج التحليلي على المشكلات الفلسفية في أضواء جديدة، أو أضواء الفروض الأساسية التي نعتقد بها في حياتنا اليومية وحياتنا العملية، أو أضواء منطق اللغة وهو دلالة التركيب الصورى لأنماط العبارات اللغوية على الواقع الذي تعبر عنه . هكذا ارتبطت الفلسفة التحليلية بالفلسفة العلمية تحديداً وعد التحليل المنطقى للغة بمثابة المنهج العلمي الجديد. وهو منهج فرض كفايته في القدرة على التمييز بين مفاهيم وقضايا الميتافيزيقا من جانب وفي إيجاد ضوابط علمية صارمة في الفلسفة من جانب آخر. أو العلوم الصورية - وهذا هو المفهوم من الفلسفة العلمية المعاصرة - يكون في إمكاننا أن نلاحظ بسهولة التقارب بين الاتجاه العلمى والفلسفة التحليلية. فمعظم الذين مارسوا هذا النوع من التفلسف العلمى بنجاح من أمثال رسل،