المسلمون والمسيحيون ومسؤوليات العيش المشترك جزء من مقابلة للدكتور محمد السمّاك، الأمين العام للجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي. سؤال: كيف تأَسست قواعد العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين تاريخيا؟ وما الذي يتسبب في خَلْخَلة العيش المشترك؟ وكيف السبيل للخروج من دائرة الغلو والتوتر الديني؟ ما موقع أهل الكتاب ومكانتهم في الإسلام؟ محمد السماك: يعني من أجل تحديد هذا الموقع هناك المصدر القرآني وهناك المصدر النبوي وهناك المصدر الراشدي وهي مصادر أساسية في التشريع الإسلامي، بالنسبة للمصدر الأول الأساسي المصدر القرآني هناك عدد كبير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن أهل الكتاب وتتحدث عن أهل الكتاب بتقدير وتبجيل وثناء وحتى على القساوسة والرهبان، يعني على سبيل المثال الآية {. مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}[آل عمران:113، 114] هذا الوصف لأهل الكتاب في القرآن الكريم وهو وصف عام، هناك وصف تخصيصي للنصارى {. وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً. القرآن الكريم عندما يتحدث عن الإنجيل يقول {. فِيهِ هُدًى وَنُورٌ. [المائدة:47] وهذا الإسلام كما نعرفه إسلاما ليس ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الإسلام {. إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ. [الحج:78] كل هذه المسيرة الإيمانية بالله الواحد وبالاستسلام لله الواحد هي إسلام، ولذلك فإن العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب وبين المسلمين والمسيحيين تحديدا كما حدده القرآن الكريم ليست علاقة تسامحية ولكنها علاقة إيمانية مبنية على الإيمان في أساسه، أما العلاقة التسامحية ففيها فوقية المتسامح تجاه المتسامح معه، وهذه لا تكون هناك في العلاقات بين الأديان علاقات تسامحية بمعنى أنا كمسلم لا يمكن أن أتسامح في نص ديني من أجل استرضاء الآخر أيا كان دينه. سؤال: انطلاقا من هنا دكتور يعني ما أهمية الحفاظ على وجود أهل الكتاب من خلال الرؤية الإسلامية؟ محمد السماك: هو وجود يعني أساسي ومهم جدا، من ناحية أولى وجود أهل الكتاب يمكنك كمسلم من أن تمارس شكلا من أشكال العبادة مع أهل الكتاب لأن القرآن الكريم يتحدث عنهم بهذا الشكل فوجودهم يوفر لك المجال لممارسة هذا الإيمان، يعني عندما كان اللقاء مع نصارى نجران كان أول حوار إسلامي مسيحي في تاريخ الإسلام وعقد هذا اللقاء في بيت النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة الذي أصبح الآن جزءا من المسجد النبوي الشريف، استقبلهم النبي بتكريم وتحاور معهم طويلا وأكرمهم وثم ودعهم بتكريم أيضا وهم بقوا على دينهم ولم يغيروا عقيدتهم، مع ذلك وضع النبي صلى الله عليه وسلم العهد للمسيحيين ولمسيحيي نجران تحديدا وفي هذا العهد التزام بالدفاع عن دينهم، ليس الدفاع عنهم كمواطنين وإنما الدفاع عن دينهم وعن عقيدتهم وتحريم استخدام حجر واحد من مبنى كنيسة في بناء بيت أو مسجد للمسلمين، فهذا النوع من الأسس التي عندما ذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى القدس مارس ما ورد في العهد النبوي الشريف لنصارى نجران، عندما التزم بالعهدة العمرية وسمح لأن البيزنطيين كانوا يمنعون اليهود من دخول القدس فأول من سمح لهم بالعودة إلى القدس كان عمر بين الخطاب وأعطى المسيحيين حقوقهم الدينية الكاملة في إطار الدولة الإسلامية ولذلك فإن العيش مع أهل الكتاب العيش مع المسيحيين تحديدا هو تعبير عن الإيمان المشترك، الإيمان بالله، لأن المسيحية خلافا لما يعتقد بعض الناس المسيحية تقول بإله واحد وهذا الإيمان بالإله الواحد وتؤمن باليوم الآخر وفي الحساب وتدعو كما ورد في الآية القرآنية الكريمة {. وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ. [آل عمران:114] هذه ثوابت تؤسس لموضوع. سؤال: عندما نتحث اليوم عن العيش المشترك هذا العيش الذي ربما تشوه وأسيء إليه مسؤولية من هذه القضية قضية العيش المشترك؟ محمد السماك: في صور نمطية، الاحتكام إلى الصورة النمطية السلبية عن الإسلام وعن المسيحية هو الذي يؤدي إلى هذه النتائج إلى الإساءة إلى العيش المشترك، الآن نحن في وضع جديد في وضع الدولة الوطنية، الدولة الوطنية التي صنعها مسلمون ومسيحيون معا، فالآن القواعد للعيش المشترك تقوم على حق المواطنة وهي حقوق ينص عليها الدستور ويجب الالتزام بها، سؤال: ربما هنا يعني نسأل عن موضوع مسؤولية الدولة عن مسؤولية النظام السياسي في بلد ما، نسأل عن دور المرجعيات الدينية أيضا في إرساء هذا العيش المشترك. محمد السماك: أعتقد الجميع مسؤول، مؤسسات المجتمع الأهلي مسؤولة، التطرف يزيد الوضع سوءا ويعمق هوة اللاثقة وأكثر من ذلك هو يصنع اللا ثقة، عندما يكون المواطن المسلم في مجتمع لأنه عندما نتحدث عن العيش المشترك الحقيقة نتحدث عن صيغتين صيغة أكثرية غير إسلامية في الغرب في أوروبا مع أقلية إسلامية وأكثرية إسلامية مع أقلية مسيحية مثل دول إندونيسيا وباكستان وغيرها من الدول، فالصيغ صيغ العيش المشترك تختلف من مجتمع إلى مجتمع وهناك تقاليد وعادات تؤثر في عملية العيش المشترك ولكن نحن هنا نلاحظ أن ثلث المسلمين في العالم تقريبا يعيشون في مجتمعات غير إسلامية أميركا أوروبا كندا البرازيل أستراليا ثلث المسلمين، والمسلمون اليوم أكثر من مليار ونصف مليار، ولكن بالنسبة للمسيحيين في القرن التاسع عشر كان المسيحيون 80% من المسيحيين يعيشون في الأميركيتين وأوروبا، الآن ثلثا المسيحيين يعيشون في دول العالم الثالث أي حيث يوجد الإسلام، فمن خلال وجود المسلمين في مجتمعات غربية ووجود وانتشار المسيحية في مجتمعات شرقية إسلامية أصبح التداخل عميقا ويوميا بين المسلمين والمسيحيين، العيش المشترك أصبح يواجه أحد أمرين، إما أن نجد له قواعد ثابتة مبنية على الثقة والاحترام والمساواة في حقوق المواطنة أو أن يؤدي إلى الصدام. سؤال: عندما نتحدث عن العيش المشترك ما الشكل الذي يأخذه هذا العيش المشترك في أي أمر يكون؟ فالاختلاف سنة من سنن الكون والاختلاف تعبير عن العظمة الإلهية في الخلق من نفس واحدة إلى شعوب وقبائل ودعانا بالنتيجة إلى التعارف، فالتنوع هو شكل طبيعي ولكن كيف نعيش في إطار هذا التنوع؟ التنوع ليس غنى في حد ذاته ولكن ثقافة احترام التنوع هي الغنى، بمعنى أن ثقافة احترام الاختلاف وقبول الاختلاف واعتبار الاختلاف سنة طبيعية وبالتالي أن يكون العيش المشترك ليس لإلغاء الاختلافات إنما لإيجاد ثقافة تتقبلها كما هي يعني أن تقبلني كما أرى نفسي وكما أنا أختار نفسي لأن الله سبحانه وتعالى كرم بني آدم ولم يكرم مؤمنين أو غير مؤمنين الكرامة للذات الإنسانية، واستخلف الإنسان لم يستخلف مؤمنين أو غير مؤمنين استخلف الإنسان، الصحيح هو أن الاختلاف يمكن أن ينجح بثقافة احترام الاختلاف وتقبله واعتباره شأنا إلهيا، هو الله الذي أراد أن نكون مختلفين وهناك كما نعرف هناك آيات قرآنية كريمة تتحدث عن الاختلاف بمعنى أنه إرادة إلهية، حتى أن الله سبحانه وتعالى عندما دعانا إلى أن نعتصم بحبله قال {. وَلاَ تَفَرَّقُواْ. [آل عمران:103] ولم يقل ولا تختلفوا. سؤال: الاختلاف غير التفرق. محمد السماك: الاختلاف موضوع آخر تماما، التفرق يعني يحول الاختلاف إلى خلاف وهنا فرق كبير بين الأمرين. سؤال: ربما ذكرتم أن هناك ضرورات للتعاون، للتعايش بين المسلمين والمسيحيين بين أصحاب الديانات، نتحدث عن الأشكال التي يجب أن يكون فيها هذا التعاون، هل هو في المسائل العقدية في المسائل الأخلاقية في المسائل السلوكية، إلى أي مدى يعني نستطيع أن نذهب في هذا التعايش؟ محمد السماك: أولا موضوع الضرورات هي النقطة الضعيفة في العيش المشترك، العيش المشترك حتى ينجح يجب أن يكون قائما على خيار وليس على الضرورة، لسنا مضطرين أن نعيش معا ولكننا نختار أن نعيش معا، عندما نعيش إيماننا فنحن نكون قد اخترنا العيش معا لأن إيماننا يدعونا إلى احترام إيمان الآخر والله يحكم بيننا يوم القيامة فيما كنا فيه مختلفين، لا نعطي أنفسنا حق الحكم على الآخر إنما نبحث عن القواعد المشتركة للعيش معه على قاعدة أن الله هو المصدر وهو الذي أوحى والأديان الكتابية عندما نتحدث عن أهل الكتاب نؤمن بأن الله أنزل هذه الكتب السماوية ودعانا أن نعيش معا، هناك قواعد عملية يعني عندما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من نصرانية فهذا زواج إسلامي مسيحي، وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ. [المائدة:5] يعني قل لي ماذا تأكل أقل لك من أنت، هذه المشاركة العائلية والمشاركة في الطعام والشراب هذا نوع من العائلة الواحدة أصبحت ولذلك العيش المشترك هنا ليس ضرورة ليس بالضرورة ليس مفروضا علينا لأنه إذا لم نتعايش فتذهب ريحنا عبثا، ولكنه خيار لنا، سؤال: البعض ربما يفهم العيش المشترك ربما يفهم هذا التعايش أن يكون هناك توافق وانسجام تام سواء في العقائد أو في الأفكار يعني هذا التعايش هل يتعدى هذه المسائل إلى موضوع القيم والأخلاق والسلوكيات وما إلى ذلك؟ محمد السماك: يعني نحن في الدولة الوطنية وهناك أسس للعيش المشترك في إطار الدولة الوطنية،