الفصل الرابع ويمكن إيجاز أهم مبررات اختيار النظرية النقدية فيما يلي: ١ - تؤكد النظرية النقدية على أهمية التطوير النابع من قدرات الأفراد، فالفرد كما تري النظرية النقدية لديه القدرة على التفكير العقلي الرشيد ومن ثم فهو قادر على الإبداع والتجديد والتطوير. ٢- تنظر النظرية النقدية إلى الظواهر الاجتماعية من الداخل، وتهتم بالمضمون والجوهر وليس مجرد النظرة السطحية غير المتعمقة للأشياء. - تؤكد النظرية النقدية على عنصر الممارسة، وضرورة الاهتمام بتغيير الواقع والإسهام في هذا التغيير. وهي بذلك ترفض أن يتبع التعليم أية وسيلة تقهر الإنسان. وفيما يلي يحاول الفصل الراهن إلقاء الضوء على مفهوم النظرية النقدية، ونشأتها، وأهم اتجاهاتها الفكرية، ومدي تعمق تلك النظرية في التعليم من خلال آراء أهم روادها. أولاً : مفهوم النظرية النقدية ونشأتها. إن كلمة "النقد" Critical في اللغة العربية تعني "اختبار الجيد والرديء " ، وهذه الكلمة تحمل نفس الدلالات في اللغة الأجنبية، فكلمة Critical مشتقة من الكلمة اليونانية Krine التي تعني "يحكم"، وKrites التي تعني "القاضي أو المحلف" كما استخدمت كلمة Kritkos لتعني" حكم أو فطنة"، وهي تشير إلى عملية إصدار أحكام صحيحة مستندة إلى معلومات حقيقية تتعلق بدراسة النصوص القديمة سواء كانت كتابات كلاسيكية أو مقدسة (1) فقد حلت أفكار التأمل و الوضوح وبذلك أصبحت كلمة "النقد" تعني فرز وتحليل شتي المجالات العقلية الفلسفية الأدبية الفنية والاقتصادية، من خلال استخدام الجدل العقلي والفكري المعارض. ووفقاً لمدرسة فرانكفورت Frankfurt Scholt فإن مفهوم "النقد" يحمل معنيين يكمنان في الفلسفة المثالية الألمانية المعني الأول: ينظر إلى "النقد" على أنه طريقة من طرق الفكر وإعمال العقل النقدي، أي استخدام القدرات والإمكانات لدي الفرد في البحث عن المعرفة الممكنة والنقد وفقاً لهذا المعني يستمد جذوره من كانط " والمعني الثاني: ينظر إلي "النقد" على أنه تأمل الفرد للنسق وما يحتويه من تناقضات والضغوط التي يصنعها الإنسان بنفسه، وهي ضغوط يمكن أن يخضع لها أفراد المجتمع جميعاً، جذوره من أفكار وكتابات "هيجل" . بذلك لا تكتمل دراسة أعمال مدرسة فرانكفورت بدون تتبع جذورها الفلسفية عند "هيجل" و "كانط"، وكذلك "ماركس". فأفكار هؤلاء العلماء هي التي قد شكلت الإطار العام للنظرية النقدية" عند رواد هذه المدرسة أمثال "ماكس هوركهايمر" تيودور آدورنو"، هربرت ماركيوز"، "ويورجين هابرماس". وفي هذا السياق يعرف ماكس هوركهايمر" Max Horkheimer "النظرية النقدية" بأنها "النظرية الاجتماعية التي تتجه إلى نقد المجتمع ككل ومحاولة تغييره في إطاره التاريخي"، بمعنى أنها تفهم المجتمع بكل ما يتضمن من علوم اجتماعية رئيسية مثل علم الاقتصاد، علم السياسة والأنثروبولوجيا (علم الأجناس البشرية)، وعلم النفس (1) ويتفق تعريف ماكس هوركهايمر" مع رأي " ستيوارت سيم" حول كون "النظرية النقدية" "ممارسة متعددة بطبيعتها، فهي تقدم لنا مجموعة كبيرة من المناهج والمنظورات الممكنة التي لا تستخدم في تحليل المنتجات الثقافية فقط بل وكذلك سياقاتها الاجتماعية، والسياسية والتاريخية المرتبطة بها". وهناك من يقصد بالنظرية النقدية" أنها مجموعة القضايا التي تشكل إطاراً نظرياً لنقد النظام الاجتماعي القائم أو الكشف عن تناقضاته، بحثاً عن نظام اجتماعي تنتفي فيه هذه التناقضات"، وفي هذا الإطار توجد صلة عضوية بين النظرية النقدية، والنظرية السوسيولوجية العامة، فالأولي تعتبر نسقاً فرعياً من الأخيرة، وتؤدي وظيفة مخالفه وكلاهما يعكس الحالات التي ينبغي أن يكون عليها النسق الاجتماعي. إن تلك التوجهات التي تضمنها مفهوم "النقد" قد أعطي "النظرية النقدية" قوة دفع تجاه اختراق المجتمع ككل، فلا يقتصر نقدها للوقائع التي تطفو على سطح الظواهر والأحداث، وإنما يمتد نقدها لما هو كامن داخل كل تلك الظواهر والأحداث، وهذا ما عجزت عنه النظريات الأخرى التي تري كل ظواهر المجتمع على أنها أمور حتمية مسلم بها لا تقبل التغيير، أو التفكير في تغييرها، إلا أن الأمر يتطلب توافر معلومات حقيقية وليست كاذبة خداعة عن الظواهر حتى يمكن فهمها والحكم عليها بدلاً من التسليم بظواهر الأمور. في إطار هذا المعني،