شرع رائد الأعمال )سباستيان ترُون( في تعزيز قوّة مبيعاته؛ وذلك من خلال الذّكاء الاصطناعيّ. و)ترُون( هو مؤسس شركة (أوداسيتي (Udacity ورئيسها، تقدِّم دورات تدريبيّة على شبكة الإنترنت، وتوظّف أسطولًا من موظّفي المبيعات الّذين يجيبون عن أسئلة من الطّلّاب المحتمَلين؛ عبر المحادثات على شبكة الإنترنت. عمل (ترُون) مع أحد طلّابه على جمع نصوص تلك المحادثات، ومع ملاحظة تلك المحادثات الّتي نتج عنها تسجيل الطّلّاب في إحدى الدّورات التّدريبيّة. يستطيع استخلاص الإجابات الأكثر فعاليّة لمجموعة متنوّعة من الأسئلة الشّائعة بالبيانات الّتي حصلوا عليها، وضعا مساعد المبيعات الرقميّ ذلك جنبًا إلى جنب مع زملائه من البشر، وعندما كان يأتي استفسار عن أمر ما، كان البرنامج يقترح ردًّا مناسبًا، يستطيع موظّف المبيعات تهيئته حسب الطّلب، كان ذلك برنامجًا نصّيًّا للمبيعات، يتميّز كونه تفاعليًّا وآنيًّا؛ إذ تدعم مجموعات من البيانات كلَّ جزء من أجزاء الخطاب التّجاريّ. إذ تمكَّن الفريق من التّعامل مع ضعف عدد العملاء المحتملين بشكل فوريّ، وتحويل نسبة أعلى منهم إلى مبيعات. يقول (ترُون): "إنّ النّظام قام في الأساس بتجميع مهارات أفضل موظّفي المبيعات على مستوى الشّركة، ومثلما أسهَم المحرّك البخاريّ والسّيّارة في تعظيم قوّتنا العضليّة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعزيز قوّتنا العقليّة، وتحويلنا إلى بشر خارقين من النّاحية الذّهنيّة".لقد شهد العقد الماضي تطوّرات مذهلة والاتّصالات النّقّالة. وعلى مدار العقود القادمة، وإعادة تشكيل طبيعة العمل. وستُخلَق ملايين الوظائف الجديدة، الّتي سيكون هناك حاجة إليها، إلى جانب تغيير عدد أكبر بكثير من الوظائف الأخرى".إنّ إصدار تنبّؤات يقينيّة أمر صعب؛ فمن المرجّح أن تؤدّي التّطوّرات الجارية في التّقنيات الرّقميّة إلى تغيير شكل العمل بوسائل وأساليب معقّدة وغير واضحة؛ وهو الأمر الّذي من شأنه أن يخلق فرصًا ومخاطر للعمال في آن واحد.وفيما يلي أسئلة مُلِحَّة بشأن مستقبل العمل في عالم رقميّ، وكيف بدأ الباحثون حاليًّا في الإجابة عن تلك الأسئلة.هل سيحلّ تعلّم الآلة محلّ العمّال المهرة؟ والرّوتينية، وغير الرّوتينيّة. كان من المستحيل (أتمتة) مهمّة، أمّا في الوقت الحالي، فلم يعد ذلك صحيحًا؛ فالآلات -الآن- يمكنها التّعلّم بمفردها". وتشخِّص الأمراض؛ وهو الأمر الّذي يجعلها تنافس أداء البشر في بعض المجالات الجديدة والمثيرة للدّهشة. يقول (ترُون) : "في واقع الأمر، يمكن للآلة فحص عيّنات من البيانات، قاد (ترُون) فريقًا، أوضح أنّه يمكن استخدام حوالي 129 ألف صورة لإصابات جلديّة؛ لتدريب الآلة على تشخيص مرض سرطان الجلد بدرجة من الدّقة تُمَاثِل قدرة أطباء الأمراض الجلديّة المؤهَّلين. ففي عام 2013، وعلم الرّوبوتات المتنقّلة؛ لتقدير مدى قابليّة 702 وظيفة مختلفة للأتمتة، وكانت النّتيجة المذهلة الّتي توصَّل إليها الباحثون أنّ 47% من الوظائف في الولايات المتّحدة كانت معرَّضة بشدّة لخطر التّحوّل إلى الحوسبة، والدّعم الإداريّ، وكان ذلك يعني إثارة المتاعب لبعض العمّال؛ مثل: سائقي سيّارات الأجرة (التّاكسي)، وموظّفي السّجلّات.ومنذ ذلك الحين، رأى باحثون آخرون أنّ نسبة 47% مرتفعة بشكل مُبَالَغ فيه، إذا وضعنا في الاعتبار تنوّع المهامّ الّتي يقوم بأدائها العاملون في كثير من الوظائف. يقول (أولريتش زيران) –باحث بمركز البحوث الاقتصاديّة الأوروبيّة بألمانيا : "عندما تتعمّق في المسألة، وعندما تنظر في هيكل المهامّ الخاصّ بما يقوم به الأشخاص فعليًّا في عملهم، سوف تجد أنّ تلك التّقديرات تنخفض عن تلك النّسبة كثيرًا"؛ فعلى سبيل المثال: الموظّفون في مجالات المحاسبة، والمراجعة يواجهون خطر الأتمتة بنسبة 98%، أو تتضمّن اتّصالًا مباشرًا؛وفي الواقع، ربّما يجد كثير من النّاس أنفسهم يعملون جنبًا إلى جنب مع أنظمة الذّكاء الاصطناعيّ، مثلما حدث مع موظّفي المبيعات في شركة (أوداسيتي)، وذلك بدلًا من أن تحلّ تلك الأنظمة محلّهم. لذا، والبشر".هل يمكن سدّ فجوة المهارات الرّقميّة؟ظلّ الخبراء على مدار أعوام يدقُّون أجراس الخطر بشأن النّقص المرتقَب في المهارات الرّقميّة، واستجابة لذلك؛ انتشرت برامج إبداعيّة عديدة؛ لتعزيز المعرفة والمهارات الرّقميّة في شتّى أنحاء العالم. وما لا يستطيع تحقيق النّجاح؛ومع ذلك، فقد كان هناك بعض النّجاحات الموثَّقة الّتي تحقّقت. فمنذ ما يزيد على عقد من الزّمن، بدأت "وكالة مشروعات أبحاث الدّفاع المتقدّمة" DARPA بالولايات المتّحدة تطوير نظام شخصيّ وتفاعليّ قادر على التّكيّف باسم "المعلِّم الرّقميّ"؛ بهدف تدريب المجنّدين الجدد في البحريّة الأمريكيّة على وظائف فنيّين في مجال تقنية نظم المعلومات. ويتمُّون دروسًا في موضوعات مختلفة، ويقومون بحلّ المشكلات ذات الصّلة بتلك الموضوعات. وكان النّظام يمنح الأولويّة للتّعلّم النّظريّ والتّفكير، ويحثّ الطّلّاب بشكل دورّي على مراجعة ما تعلموه. وعندما كان نظام التّدريس يرى أنّ الطّالب قد أجاد المادّة العلميّة، فإنّه ينتقل مباشرة إلى الموضوع التّالي، وكانت نتائج أداء هؤلاء المجنّدين أفضل ممّن تدرّبوا بالطّرائق التّقليديّة، ويقول (دِكستر فلِتشر)، الّذي شارك في دراسة هذه التّجربة: "إذا كنّا نستطيع تحقيق ذلك، فلماذا لا نقوم بالمزيد؟ لماذا لا نبدأ في تطبيق ذلك بجديّة على تدريب القوى العاملة؟"غير أنّ جودة تلك البرامج يمكن أن تتباين بشدّة، ولم يخضع منها للتّقييم الدّقيق إلّا قلّة قليلة، ويمكن أن تكون معسكرات تدريب المستجدّين على البرمجة باهظة التّكلفة، وتتطلّب استثمارات كبيرة في الوقت، ولذا، تبقى هناك فجوات في الإنجازات.وحتّى أولئك الّذين يتمُّون دورات كاملة في المهارات الرّقميّة، يظلّون يواجهون مجموعة متنوّعة من المعوّقات الّتي تَحُول دون توظيفهم. فعندما أجرى الباحثون مقابلات شخصيّة مع الطّلّاب في برنامج (كيني) لتقنية المعلومات بجامعة ستراثمور في نيروبي في عام 2004، لا يقدِّر خبراتهم، ولا يتيح لهم وظائف يمكنهم فيها استخدام تلك المهارات والخبرات، وتقول (لينيت يارجر) -خبيرة المعلومات بجامعة ولاية بنسلفانيا في يونيفرسيتي بارك- والمشارِكة في البحث: "كان ذلك ينطبق بالأخصّ على النّساء". وتقول إحدى الطّالبات: "لأنّني امرأة، ولذا، أو العمل الّذي أرغب في أدائه".ومن بين الأمور الّتي يوضّحها البحث بالفعل أنّه حتّى البرامج التّدريبيّة المصمَّمة بشكل جيّد، ربّما لا تكون كافية لضمان النّجاح في عالَم العمل الرّقميّ. تقول (جاريدو) : "إنّ حقيقة أنّك تمتلك مهارات أفضل، وتعرف كيف تستخدم جهاز كمبيوتر لا تعني بالضّرورة أنّ بإمكانك الحصول على وظيفة جيّدة على نحو تلقائيّ؛