اتخذ محمد علي باشا معسكراً بالقرب من القاهرة لإعداد حملته، وعقد لواءها لابنه طوسون باشا يرافقه فيها كبار قادته، بدأ محمد علي باشا في حشد المقاتلين والعتاد بشكل كبير، وقطع في ذلك ستة أشهر ونصف الشهر إلى أن صارت على أهبة الرحيل. بلغ عدد رجال الحملة المسيرين في أولها ثمانية آلاف مقاتل نظامي فقط، كما ارتفع العدد في الحجاز إلى أن بلغ أربعة عشر ألف مقاتل؛ معارك ينبع والسويق وبدر بدأ محمد علي باشا في تسيير قواته ناحية الحجاز، أما الفرسان وعلى رأسهم طوسون باشا فيسيرون براً مع مواشيهم وجمالهم المحملة بالمؤن والسلاح عن طريق برزخ السويس فالعقبة حتى يبلغوا ينبع البحر فيلتقوا بالمشاة بها ومن هناك يزحف الجمع إلى المدينة المنورة. وصلت السفن العثمانية بعد شهر من تحركها بلدة ينبع البحر واستولت عليها، إذ انسحب أميرها الموالي للدولة السعودية الشريف جابر بن جبارة بعد أن خسر ثلاثمائة من أتباعه. أسرع الشريف ابن جبارة في إعلام أمير المدينة المنورة المعين من قِبَل الدولة السعودية مسعود بن مضيان الحربي، ونهبوا كل ما كان بينبع من الودائع والأموال والأقمشة والبن، وسبوا النساء والبنات الكائنات بالبندر، وطافت المبشرون على بيوت الأعيان ليأخذوا منهم البقاشيش، وأرسلوا بتلك البشارة شخصا معينا كبيرا إلى إسطنبول، وفي طريقه أغار عليه الشريف ابن جبارة مع مسعود بن مضيان الحربي ليمنعاه من بلوغها، فسارع مسعود بن مضيان الحربي في الانضمام لقوات الدرعية الرئيسية والتي بدأت في حفر خندق في أحد خيوف وادي الصفراء في الطريق الرابط ما بين المدينة وينبع للإيقاع بالقوات العثمانية. واصلت الحملة العثمانية سيرها نحو المدينة المنورة، بعد اشتباكات يسيرة مع الشريف ابن جبارة من الاستيلاء على السويق، وأنَّهم ملكوا قرية ابن جبارة من الوهابية، وحضرت عربان كثيرة وقابلوا ابن الباشا. بأن جماعة من كبار الوهابية حضروا بنحو سبعة آلاف خيال وفيهم عبدالله بن سعود، وقصدوا أن يدهموا العرضى على حين غفلة. ووقع بينهم القتال والوهابية يقولون: «هاه يا مشركون»، وانجلت الحرب عن هزيمة الوهابية. وكانت الحرب بينهم مقدار ساعتين». نهبوهم وأخذوا نساءهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم، معركة وادي الصفراء زحف طوسون باشا وقادته نحو المدينة المنورة، وكان قد أعد لهم عبدالله ابن الإمام سعود الكبير كميناً في أحد خيوف وادي الصفراء الضيقة في طريقهم للمدينة المنورة بعد أن اتفق الرأي مع من معه على حفر خندق وتعبئة قواتهم عنده، فصار عند الخندق أهل نجد بقيادة عبدالله بن سعود الكبير، وفي الجبال فوق الخندق أهل الحجاز وعسير وعليهم عامل الدولة السعودية على الحجاز عثمان بن عبدالرحمن العدواني؛ أنه عندما وصلت قوات طوسون باشا لاحقاً، فأخذوا يرمون من في الوادي وتقدموا؛ ومن بعده سقط الثاني ودخلوا لعمق الوادي. عندها تقدم عثمان بن عبدالرحمن العدواني ومسعود بن مضيان الحربي بأهل الحجاز ومن معهم من فوق الخندق ورموهم، عندها اندفعت قوات عبدالله بن سعود الكبير وراءهم بقلب الوادي وأوقعت فيهم خسائر فادحة في اليوم الثالث والأخير للمعركة. ومانع بن وحير العجمي، عبور طوسون باشا وادي الصفراء فر طوسون باشا بعد الهزيمة في الصفراء مع من بقي حياً من قواته قاصداً ينبع البحر، وصلت أنباء هذه الهزيمة لاحقاً إلى محمد علي باشا، ونسبها طوسون باشا إلى اختلاف قواده وتقصيرهم، فتأثر محمد علي باشا لهذه الهزيمة، اضطر محمد علي باشا للقيام بنفقات الحملة إلى فرض ضرائب جديدة وكبيرة أمكنته أن يمون منها قواته في فترة وجيزة، قدم من مصر عن طريق البحر أحمد بونابرت مع الأموال والعدد والعدة في خمسة عشر ألفاً من المقاتلين بالإضافة لثلاثة آلاف مقاتل من المغاربة جهزهم محمد علي باشا دعما للقوات المرابطة في ينبع البحر والتي عليها ابنه طوسون باشا. تحركت تلك الجموع النظامية بعد تأمين ينبع البحر إلى المدينة المنورة، وقد استولت في طريقها على وادي الصفراء وبلدات حرب حوله وغيرها دون قتال باستمالة أهلها وأحلافهم بالهدايا والمال مع الخُلَع لشيوخ العشائر. وصلت القوات العثمانية إلى المدينة المنورة في منتصف شوال سنة 1227هـ/1812م، ذلك أنه عندما استعصت المدينة بأسوارها وقوة تحصيناتها أمر طوسون باشا قواته بحفر سراديب تحت سور المدينة ناحية قلعة البلد وثوروا فيها البارود وأشعلوا فيها النار، وانقضت القوات العثمانية على من كان فيها. وقد كان بالمدينة المنورة من الحامية التابعة للدرعية عدد من أهل نواحيها جعلهم فيها إمامها سعود الكبير بن عبد العزيز أثناء قفوله من الحج سنة 1226هـ/1811م، حيث وضع فيها سبعة آلاف مقاتل إلى جانب القوات المرابطة فيها من أهلها تحسبا لهجوم محتمل. قام بعض من كان يسكن المدينة بفتح باب البلد، وانهارت صفوفها، وكثر الرمي والقتل فيهم عند فجوة السور المنهار ومن داخل البلد، فأخذت قوات طوسون باشا في ضرب القلعة بالمدافع حتى طلب من كان فيها المصالحة بعد أيام فأنزلوهم منها بالأمان على أن يغادروا المدينة فغادروها بعد شهر من بدأ المعركة التي امتدت من منتصف شهر شوال إلى منتصف شهر ذي القعدة تقريبا، كما خسرت الدرعية ثلثي عسكرها المكلف بحماية المدينة. ما قام به أحمد بونابرت بعد المعركة، جماجم كل الوهابيين الذين قتلوا في المدينة، وحين وصلت إلى المدينة. روى عبدالرحمن الجبرتي عن مصير عامل الدولة السعودية على المدينة المنورة، مسعود بن مضيان الحربي، وما جرى له عند وصوله إلى الأستانة أسيراً، فلما حصلت النصرة للعسكر واستولوا على المدينة، وأتوا بمفاتيح زعموا أنها مفاتيح المدينة كان هو المتعين بها للسفر للديار الرومية بالبشارة للدولة، وأرسلوا صحبته مضيان الذي كان متأمراً بالمدينة، ودخلوا إلى إسلامبول في موكب جليل وأبهة عظيمة إلى الغاية. وعلقوه على باب السراية، حج إمام الدولة السعودية سعود الكبير حجته التاسعة والأخيرة وقد بلغه سقوط المدينة المنورة قَبْل دخول مكة المكرمة، وأمره أن ينزل بمن معه وادي مرّ بالقرب من مكة شمالاً لحمايتها ولتكون مكة قاعدة يجتمعون فيها إن انهزموا؛ بعد انقضاء موسم الحج وعودة سعود الكبير إلى الدرعية، قام الشريف غالب بن مساعد بمراسلة قوات محمد علي باشا عارضا عليهم تسليم جدة ومكة دون قتال؛ عندها وقع بعبدالله بن سعود الكبير ما أوحشه من الشريف غالب بن مساعد وأحس بغدر الأخير، عندها قام إمام الدولة السعودية سعود الكبير بتجريد حملتين إحداهما بقيادة ابنه فيصل بن سعود الكبير لدعم المرابطين جهة مكة الذين جَدَّ الشريف غالب في طلبهم، والذين تنقلوا بين العبيلاء والطائف (دخلها أتباع الشريف في شهر صفر) ورَنْيَة واستقروا بتْرُبَة. والأُخْرى خرج هو على رأسها من عشرين ألفاً في آخر ربيع سنة 1228هـ/1813م قاصداً جهة المدينة المنورة لمعاقبة القبائل التي غدرت به ولمحاولة قطع الطريق بين المدينة المنورة والإمدادات القادمة من ناحية مصر، فنزل الحِنَاكِية شرق المدينة المنورة وهزم حامية طوسون باشا فيها واستردها، فأغارت عليه الخيالة العثمانية وحاولت استدراجه لأسوار المدينة المنورة وعليها أحمد بونابرت فلم تفلح، ثم سار في الحرة ونزل على أهل بلدة السوارقية فهزمهم وقطع نخيلهم. اكتمل جمع طوسون باشا ومصطفى بيك مع الشريف غالب في مكة بعد أن وصلت السفن العثمانية جدة الساحلية من ناحية مصر محملة بالمؤن الكبيرة. البلدة المحصنة التي استقر فيها المرابطة من أتباع الدرعية بعد خروجهم من مكة والتي قصدها فيصل بن سعود الكبير لدعم من استعصم بها. أرسل طوسون باشا إلى أبيه لاحقاً، وأنه خشي أن تنكث العربان عهودها، وألح على أبيه في سرعة إرسال نجدة إليه. قرر محمد علي باشا أن يتولى قيادة قواته بنفسه وسار إلى الحجاز سنة 1228هـ/1813م. بلغت خسائر الحملة العثمانية في دورها الأول على الحجاز نحو ثمانية آلاف مقاتل نظامي، وكلفت الحملة إلى ذلك الحين 35 مليون فرنك. في حين خسرت الدولة السعودية مناطق مهمة في الحجاز، مطلق بن محمد المطيري، كما توفي أبرز حلفائها الشيخ حميد بن ناصر الغافري العماني، خسرت الدولة السعودية أيضا عاملها على الحجاز، عثمان بن عبد الرحمن العدواني، حيث غُدِر به وأُسِر من قِبَل بعض العربان الذين نجح طوسون باشا في استمالتهم بالأموال قرب العبيلاء، فَسُلم للقوات العثمانية، وأُرْسل إلى القاهرة ومنها إلى الأستانة. ودخل به إلى المدينة وأمامه الجاويشية والقواسة الأتراك، وطلعوا به إلى القلعة، فلما دخل عليهم أجلسوه معهم فحدثوه ساعة، حتى قال الجماعة لبعضهم البعض: «يا أسفاً على مثل هذا، إذا ذهب إلى إسلامبول يقتلونه»، فأركبوه وتوجهوا به إلى بولاق،