يرى الغزالي أن الغرض من التربية التقرب إلى الله دون الرياسة والمباهاة والا يقصد المتعلم بالتعلم الرياسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ومباهاة الأقران. وهو لا يخرج عن التربية الخلقية التي هي روح التربية الأسلامية والغزالي ذاته يقول «ولا يمكنه التمييز بين الأخلاق المذمومة والمحمودة ألا بالعلم، ولا سبيل إلى تحصيله إلا بالمنطق.1) قال الرسول : لا يزال الرجل عالما ما طلب العلم فأذا ظن أنه قد علم فقد جهل». وقال ايضاً : يستغفر للعالم ما في السموات والأرض». وقال الغزالي تعليقاً على هذا الحديث وأي منصب يزيد على منصب من تشتغل ملائكة السموات والأرض بلاستغفار له؟ فالعالم مشغول بنفسه والملائكة مشغولون بالاستغفار له . (۲)ولقد اعتاد الطلبة والمدرسون الذهاب الى دار الأمام الغزالي لستنفيدوا من علمه وخلقه ودراسة بعض الكتب معه. ومنهم الغزالي،أما الهدف التربوي الذي نص عليه الغزالي، فيتبين لنا من خلال كتاباته بما معناه : كما أن البدن لا يخلق كاملاً، وأنما يكمل ويقوى بالنشوء والتربية بالغذاء، فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وأنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم. والبرودة بالحرارة، فكذلك الرذيلة التي هي مرض القلب علاجها بضدها. ومرض البخل بالتسخي، ومرض الكبر بالتواضع، وكذلك سائر الرذائل.وكما أن الأجسام تختلف أمزجتها، فأنها مختلفة الطباع، أي تهلك التي لا يوافقها هذا النمط. ومعرفة ميولها وأمكاناتها، وعليها يقوم أساس التربية الحديثة.وقبل أن أذكر بعض الآراء التربوية للغزالي أود أن أذكر بصورة أجمالية موجزة وهي أن الغزالي بسط بعض المبادىء العامة في أيجاز دون أن يخوض في تفصيل شؤون التربية والتعليم. (٤) اختيار الصبيان.وأن رأي الغزالي في التعليم جزء من مذهبه في التصوف، وهو مخالف بعض الشيء المذهب أهل السنة. ولكن الطريقة مختلفة، فهو ينصح بطريق الصوفية وهو مجاهدة النفس ورياضتها للوصول الى قرب من الله. وقد جرح الغزالي القفهاء والمتكلمين كما جرح الفلاسفة، فقال:فكن حريصاً على معرفة ذلك السر الخارج عن بضاعة الفقهاء والمتكلمين» . (1)فائدة العلم في نظر الغزالي»: أفاض الحكماء والفلاسفة في التحدث عن فائدة العلم والتعليم، (1)وقال الغزالي رحمه الله (۲) العلم يقتنى كما يقتنى المال. فإنه. كالمسك الذي يطيب غيره وهو طيب والذي يعلم ولا يعمل به كالدفتر الذي يفيد غيره وهو خال عن العلم وكالمسن الذي يشحذ غيره ولا يقطع والأبرة التي تكسو غيرها وهي عارية وذبالة المصباح تضيء لغيرها وهي تحترق كما قيل.تضيء للناس وهي تحترقما هو الا ذبالة وقدتولقد أمر الأسلام بالتعليم في أول آية نزلت على الرسول الكريم لأنه أول الواجبات وأكبر وسيلة للرقي واصلاح العالم والشعوب اذا صحب العلم العمل به. قال الغزالي، ولو قرأت العلم مائة الف سنة، وجمعت ألف كتاب لا تكون مستعداً لرحمة الله الا بالعمل، ويبدو من قوله «الناس كلهم هلكي الا العالمين والعالمون كلهم هلكى الا العاملين والعاملون كلهم هلكي الا المخلصين»، ويخلص في عمله. مثل الظل من العود، ومتى استوى الظل والعود أعوج ؟ ولذلك قيل في هذا المعنى:لا تنه عن خلق وتاتي مثله ویرى الغزالي أن قيمة المعلم كبيرة في انتشار المذاهب المختلفة ونشوء الناس عليها.عار عليك اذا فعلت عظيم.والمذهب : هو نمط الآباء والأجداد، ومذهب المعلم، ومذهب أهل البلد فيه النشء، (1) وليس غريباً أن ينبه الغزالي على قيمة التعليم والمعلمين، ثم اعتزل التعليم وصناعته ليكون معلماً للناس كافة عن طريق كتبه التي ألفها، وأكبرها أحياء علوم الدين».وبعد أن طاف الغزالي بجميع المذاهب في الكلام والفلسفة انصرف عنها، وأثر طريق التصوف. ولكنه اعتنق هذا المذهب عن روية وتفكير، لا عن اتباع وتقليد .وجانب العمل متفق عليه من الصوفية، فهو محو الصفات الردية، ولكن جانب العلم مختلف فيه، فأن الصوفية لم يحرصوا على تحصيل العلوم ودراستها، وتحصيل ما صنفه المصنفون في البحث عن حقائق الأمور بل قالوا الطريق المجاهدة بمحو الصفات المذمومة، وقطع العلائق كلها، ولكن استوعروا هذا الطريق . أولى فإنه يسوق الى المقصود سياقة موثوقاً بها . (۲)وأفضل المعلومات وأشرفها وأعلاها هو الله الصانع المبدع الحق الواحد، بل لا يحصل الا بمقدمات كثيرة، وتلك المقدمات لا تنتظم الا من علوم شتى (1)وهذه المقدمات التي تجري منه مجرى الآلات كعلم اللغة والنحو، (۲) فأنه وصف كمال الله سبحانه . وتعرف فضيلة العلم بثمرته، وهي القرب من الله تعالى. أما في الدنيا فالعز والوقار، ونفوذ الحكم على الملوك، ولزوم الاحترام في الطباع .والعلم الذي هو فرض على كل مسلم اعتقاد وفعل وترك. وترك لما نهى عنه.والعلم الذي هو فرض كفاية : فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب أذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، والحساب فأنه ضروري للمعاملات وقسمة الوصايا والمواريث . (1)وهنا نرى أن الغزالي يقترب من رأي «القابسي» وهو رأي أهل السنة، الذين يجعلون تعلم القرآن والصلاة وبعض النحو والخط من العلوم الضرورية، أما الحساب فليس بلازم على المعلم الا أن يشترط عليه.الطريق الى تحصيل العلوم» مهما يكن من أمر فأن العلم الأنساني يحصل من طريقتين : (1) التعلم الأنساني . أحدهما من خارج، وهو التحصيل بالتعلم، والآخر من داخل وهو الاشتغال بالتفكر. والنفس الكلي أشد تأثيراً وأقوى تعليماً من جميع العقلاء والعلماء. والعلم الذي هو بالقوة كالبذر والذي بالفعل كالنبات . (9) ومما لا يخرج عن ذلك، فيرى الظواهر بالعين الظاهرة ويرى الحقائق بعين العقل . بل يتعلم شيئاً، ويستخرج بالتفكر من العلوم شيئاً، علمت كيفية طريق التفكر، (1)أما التعليم الرباني فعلى وجهين القاء الوحي بأن يقبل الله تعالى على تلك النفس اقبالاً كلياً، وينظر اليها نظراً الاهياً، ويصير العقل الكلي كالمعلم، والنفس القدسية كالمتعلم، فيحصل جميع العلوم لتلك النفس من غير تعلم وتفكر.والألهام تنبيه النفس الكلية للنفس الجزئية الأنسانية على قدر صفائها وقبولها وقوة استعدادها، والعلم الذي يحصل عن الألهام يسمى علماً لدنياً، (1)ويحصل العلم اللدني باتباع الطرق الآتية :١- تحصيل جميع العلوم وأخذ الخط الأوفر منها.الرياضه الصادقة والمراقبة الصحيحة.التفكر، فأن النفس اذا تعلمت وارتاضت بالعلم، ينفتح عليها باب الغيب . فلا بأس بعده أن يؤثر الاعتزال عن هذا الخلق، والأعراض عن الدنيا والتجرد الله » .وهذا الرأي هو صورة من حياة الغزالي لأنه لم يتصوف ألا في آخر حياته،بعد أن رأينا نظرة تاريخية عن حياة الغزالي، وفائدة العلم في نظره والطريق إلى التحصيل للعلوم ، أرى لزاماً الآن أن أذكر لمحات عن آراء الغزالي التهذيبية.تعليم الصبيان في نظر الغزالي يقول الغزالي أن الصبي أمانة عند والديه، وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به اليه. فإن عُوِّد الخير وعلمه ونشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وأن عُود الشر، وأهمل أهمال البهائم، شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له . (۱) لهذا يجعل الغزالي للتربية قيمة أساسية، ويرى للمعاشرة تأثيراً بالغاً. ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من قرناء السؤ؛ ولا يحبب اليه الزينة وأسباب الرفاهية فيضيع عمره في طلبها، تأكل الحلال، فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه . وأول ذلك ظهور أوائل الحياة؛ فليس ذلك الا الأشراق نور العقل عليه حتى يرى بعض الأشياء قبيحاً ومخالفاً للبعض . ثم يشغل في المكتب فيتعلم القرآن وأحاديث الأخيار وحكايات الأبرار وأحوالهم لينغرس في نفسه حب الصالحين.ويحفظ من الأشعار التي فيها ذكر العشق وأهله، ويحفظ من مخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك من الظرف ورقة الطبع، وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه، فلا يوبخه إلا احياناً، والأم تخوفه بالأب وتزجره عن القبائح. وينبغي أن يمنع عن النوم نهاراً فأنه يورث الكسل، ولا يمنع منه ليلاً. ولكن يمنع الفرش الوطينة حتى تتصلب أعضاؤه، فلا يصبر عن التنعم، ويعود في بعض النهار المشي والحركة والرياضة، حتى لا يغلب عليه الكسل .ولقد نقل الغزالي في هذا الفصل الخاص برياضة الصبيان في أول نشوئهم ووجه تأديبهم ما ذكره ابن مسكويه في كتاب تهذيب الأخلاق نقلا عن «بروسن» وذلك بنفس الترتيب في الآراء، وبألفاظه في أكثر المواضع، وكل ما في الأمر أن الغزالي حذف منه الأغراض الفلسفية، ووضع أغراضاً جديدة تتلاءم مع مذهبه في التصوف. قال الغزالي في بيان الغرض من تأديب الصييان: وأنما المقصود منها أن يقوى بها على طاعة الله . وأن الكيس العاقل من تزود من الدنيا للآخره حتى تعظم درجته عند الله تعالى . من هذه الآراء التربوية التي ذكرناها ، نرى الغزالي يؤمن بقبول الأخلاق للتغير وقد حارب رأي من يزعم أن الأخلاق لا تتغير وأنها من مقتضى المزاج والطبع، وقال: «ولو كانت الأخلاق لا تقبل التغير، لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال الرسول: حسنوا أخلاقكم» . ويرى الغزالي بثاقب عقله أن استئصال الخصال المذمومة من النفس أمر غير ممكن، ومحوها، فإن الشهوة خلقت لفائدة، والمطلوب ردها الى الاعتدال الذي هو وسط بين الأفراط والتفريط» .و حسن الخلق يرجع الى اعتدال قوة المعقل، وكمال الحكمة، والى اعتدال قوة الغضب والشهوة، وكونها للعقل مطيعة والشرع أيضاً.وهذا الاعتدال يحصل على وجهين: أحدهما بجود الهي وكمال فطري. والثاني اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة،نلاحظ من هذه النصوص المختارة للغزالي، نلاحظ ما يلي:- (1) الاستعانة على تأديب الصبي بحيائه.۲) ويبين لنا آداب الطعام، اذ يقول الامام الغزالي في كتاب أحياء علوم الدين الجزء الثالث، وأول ما يغلب عليه من الصفات شره الطعام فينبغي أن يؤدب فيه مثل أن لا يأخذ الطعام الا بيمينه، وأن يقول باسم الله عند أخذه، وأن يأكل مما يليه، وأن لا يبادر الى الطعام قبل غيره، وأن لا يسرع في المأكل، وأن يعود الخبز القفار في بعض الأوقات حتى لا يصير بحيث يرى الادم حتماً، ويقبح عنده كثرة الأكل وأنه يشبه كل من يكثر الأكل بالبهائم، ويذم بين يديه الصبي الذي يكثر الأكل، ويمدح الصبي المتأدب القليل الأكل وان يحبب اليه الأيثار بالطعام وقلة المبالاة به والقناعة بالطعام الخشن أي طعام كان». (۳)۳) ويبين لنا لباس الأطفال إذ يقول الغزالي في كتاب أحياء علوم الدين الجزء الثالث : وينبغي أن يحبب الى الصبيان من الثياب البيض دون الملون والابريسم، وأن الرجال يستنكفون منه، ومهما رأى على صبي ثوباً من ابريسم أو ملون فينبغي أن يستنكره ويذمه ويحفظ الصبي عن الصبيان الذين عودوا التنعم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة، وعن مخالطة كل من يسمعه ما يرغبه، فإن الصبي اذا أهمل في ابتداء نشوئه خرج في الاغلب رديء الاخلاق كذاباً حسوداً سروقاً تماماً لحوحاً ذا فضول وضحك وكياد (1)٤) ونلاحظ ايضاً مواد الدراسة التي نص عليها الغزالي.ه ويبين لنا الخشونة في المفرش والملبس والمطعم. أما آداب المعاشرة عند الطفل، فلقد وردت على لسان الغزالي في كتاب أحياء علوم الدين كما يلي: ويمنع الصبي من أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والده أو بشيء من مطاعمه وملابسه أو لوحه ودواته، بل يتعود التواضع والاكرام لكل من عاشره،ويمنع من أن يأخذ من الصبيان شيئاً بدأ له حشمة وان كان من أولاد المحتشمين، بل يعلم أن الرفعة في الأعطاء لا في الأخذ، وأن الأخذ لوم وخسة ودناءة. وأن كان من أولاد الفقراء فيعلم أن الطمع والأخذ مهانة وذلة وأن ذلك من داب الكلب فأنه يبصبص في انتظار لقمة والطمع فيها.وبالجملة يقبح الى الصبيان حب الذهب والفضة والطمع فيهما، فأن أفة حب الذهب والفضة والطمع فيهما أخر من آفة السموم على الصبيان بل على الأكابر أيضاً.وينبغي أن يعود أن لا يبصق في مجلسه ولا يتمخط ولا يتثاءب بحضرة غيره، ولا يستدبر غيره ولا يضع رجلاً على رجل ولا يضع كفه تحت ذقنه، ولا يعمد رأسه بساعده، ويعلم كيفية الجلوس، ويمنع كثرة الكلام ويبين له أن ذلك يدل على الوقاحة وأنه فعل أبناء اللئام» . (1) يقول الغزالي في كتاب احياء علوم الدين الجزء الثالث: ويمنع الصبي حلف اليمين رأساً صادقاً كان أو كاذباً، حتى لا يعتاد ذلك في الصغر، ويمنع أن يبتدىء بالكلام، ويعود أن لا يتكلم إلا جواباً وبقدر السؤال، وأن يحسن الاستماع مهما تكلم غيره ممن هم أكبر منه سناً، وأن يقوم لمن فوقه، ويوسع له المكان ويجلس بين يديه، ويمنع من لغو الكلام وفحشه ومن اللعن والسب ومن مخالطة قرناء السوء.وينبغي اذا ضربه المعلم أن لا يكثر الصراخ والشغب، ولا يستشفع بأحد، بل يصبر ويذكر له أن ذلك دأب الشجعان والرجال، وان كثرة الصراخ دأب المماليك والنسوان . (1)۹) ولقد حض الغزالي على ضرورة اللعب للصبيان.١٠) أما الحض على الطاعة، فلقد أوضحها الغزالي قائلاً في أحياء علوم الدين «الجزء الثالث : ما يلي: وينبغي أن يعلم طاعة والديه ومعلمه ومؤدبه، وكل من هو أكبر منه سناً من قريب وأجنبي،- ومهما بلغ من التمييز فينبغي أن لا يسامح في ترك الطهارة والصلاة ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان ويجنب لبس الديباج والحرير والذهب، وان الدنيا كلها لا اصل لها، اذ لا بقاء لها وان الموت يقطع نعيمها، وانها دار ممر لا دار مقر، وان الموت منتظر في كل ساعة وان الكيس العاقل من تزود من الدنيا للاخرة حتى تعظم درجته عند الله تعالى، ويتسع نعيمه في الجنان. فاذا كان النشؤ صالحاً كان هذا الكلام عند البلوغ واقعاً مؤثراً ناجعاً يثبت في قلبه كما يثبت النقش في الحجر، وان وقع النشؤ بخلاف ذلك حتى الف الصبي اللعب والفحش والوقاحة وشره الطعام واللباس والتزين والتفاخر، بنا قلبه عن قبول الحق نبوة الحائط عن التراب اليابس.فأوائل الامور هي التي ينبغي ان تراعى فإن الصبي بجوهره قابل للخير والشر جميعاً وانما ابواه يميلان به الى احد الجانبين قال ل كل مولود يولد على الفطرة وانما ابواه يهودانه او ينصرانه أو يمسجانه» . (۲)نرى مما تقدم ان الامام الغزالي نزع في رياضة الصبيان نزعة صوفية ولا عجب فهو من أكبر المتصوفين المسلمين.يرى الغزالي أنه يجب على المربي أن يعرف نوع المرض وسن المريض في حالة تأديب الاطفال وتهذيبهم، لأن المعلم في نظره كالطبيب لو عالج جميع المرضى بعلاج واحد قتل أكثرهم وامات قلوبهم. ومعنى هذا أن يعامل كل طفل المعاملة التي تلائمه ويبحث عن الباعث الذي ادى الى الخطأ وعن سن المخطىء، ويفرق بين الصغير والكبير في التأديب والتهذيب ويكون كالطبيب الماهر الذي يفحص علة المريض ويشخص مرضه ويصف له العلاج الذي يناسبه. ومدحه وتشجيعه اذا قام باعمال حميدة تستحق المكافأة والمدح والتشجيع. ولم يقل باللوم والزجر والتوبيخ لأن التشجيع يدخل السرور على النفس فتتشجع وتتقدم في حين ان التوبيخ يؤدي الى الحزن والخوف وقلة الثقة بالنفس . (۲)ويقول الغزالي بهذا الصدد في كتاب احياء علوم الدين الجزء الثالث «ثم مهما ظهر من الصبي من خلق جميل وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه ويجازي عليه بما يفرح به ويمدح بين اظهر الناس، فإن خالف ذلك في بعض الاحوال مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك سره ولا يكاشفه ولا يظهر له انه يتصور أن يتجاسر احد على مثله. ولا سيما اذا ستره الصبي واجتهد في اخفائه، فإن اظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة فعند ذلك ان عاد ثانياً فينبغي أن يعاتب سراً، ويعظم الأمر فيه، ويقال له اياك ان تعود بعد ذلك لمثل هذا، وان يطلع عليك في مثل هذا، ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح، (۲)لقد احس علماء التربية الاسلامية ومنهم الغزالي بأن الطفل في حاجة إلى اللعب والترويح عن النفس بعد الانتهاء من دروسه. فحجرة الدراسة كان يسودها الهدوء والاصغاء للدرس والسكون ومحاولة التعلم فكان الطفل يشعر بالملل والتعب والحاجة الى الراحة والحركة والترويح عن النفس. لهذا كانوا يسمحون للطفل خارج حجرة الدراسة بالكلام والحركة والنشاط والمرح واللعب ليروح عن نفسه ويزيل ما يحش به من السامة والملل أو التعب. ويعد اللعب للترويح عن النفس في التربية الاسلامية هاماً ومفيداً للطفل من النواحي العقلية والجسمية والخلقية. ولا عجب فقد نصح الغزالي ان يسمح للطفل باللعب اليسير لا باللعب الشاق بعد الانتهاء من دروسه لتجديد نشاطه بشرط الا يتعب نفسه.