ب - الأثر العقدي الأشعري فيما ألفه الإمام السهيلي : إن البحث عن أشعرية الإمام السهيلي ضمن النصوص المكتوبة التي تضمنتها مصنفاته من شأنه أن يؤكد - بما لا يبقي مجالا للشك - أن هذا الإمام ينتمي فعلا إلى هذه المدرسة ويستمد من مقولاتها الفكرية والعقدية، وهذه هي الزاوية الثانية التي يمكن من خلالها تأكيد صحة اختيار الإمام لأن مجرد لقائه وملازمته لشيوخ وأئمة هذه المدرسة لا يعتبر في حد ذاته كافيا للجزم باختياره العقدي والفكري بل هو دليل جزئي يبقى في حاجة إلى تأكيد وإثبات فإذا وجدت النصوص التي يخبر فيها عن مذهبه العقدي جزمنا حينئذ به وأثبتنا له ما يثبته لنفسه. إن الإمام السهيلي لم يترك لنا مصنفات خاصة في علم التوحيد أو العقيدة ضمن ما وصل إلينا من مصنفاته - يسهل لنا الوقوف على ما اختاره الرجل كمذهب عقائدي يلتزم بقواعده ومقولاته وإنما نجد ذلك متفرقا في كتبه ضمن المباحث التي يتناولها فتكون مرتبطة ببعض المسائل العقائدية فيقتضي البحث حينئذ أن يقول فيها رأيه ويكشف عن معتقده ومرجعه المذهبي فيه . فيما يتعلق بمسألة كلام الله وهي الفكرة التي نالت حظا وافرا من البحث الكلامي يومئذ وتمايزت فيها المذاهب واختلفت وعلى أساس اختلافهم هذا تعددت وتنوعت ، في هذه المسألة نجد الإمام السهيلي يقرر بأن الله سبحانه "هو المسني نفسه بكلامه القديم الذي هو صفة ذاته لأن كلامه قديم لا محالة. " ثم يضيف موضحا ذلك أكثر : "وهو المسمي نفسه في الأزل بكلامه الذي لم يزل صفة له . " ويقول في موضع آخر من أماليه : من أصل أهل السنة أن كلام الله قديم غير مخلوق وهذا هو الحق . " والقول بقدم كلام الله من المقولات العقدية المميزة للفكر العقدي في المذهب الأشعري منذ تأسيسه إلى أن استوفى البناء النظري للمذهب نضجه واستقرت أصوله وما ترتب عليها من فروع. فأبو الحسن الأشعري وهو شيخ المذهب وإمامه الأكبر يعتقد بأن " كلام الله غير مخلوق . " والى مثل ذلك يذهب الإمام الباقلاني فيرى بأن الله سبحانه "متكلم بكلام لم یزل به متكلما " وكذلك الإمام الجويني - وهو من الشيوخ المؤسسين في المذهب العقدي الأشعري - نجده يتحدث في مصنفاته بخصوص هذه المسألة عن قدم كلام الله وأزليته "وأنه لا يفارق الذات ولا يزايلها . " هذا جزء من كل لا أريد به الاستقصاء وإنما تبيين الاتفاق الحاصل بين شيوخ وأئمة المذهب الأشعري وبين الإمام السهيلي في مسألة عقائدية تعتبر محور علم الكلام في كل المذاهب العقائدية عند المسلمين . وفي قضية عقائدية أخرى مرتبطة بنفس المسألة السالفة وهي قضية الصفات الإلهية أجد الإمام السهيلي لا يخالف ما تقرر عند أئمة المذهب الأشعري وشيوخه فهویری آن الله سبحانه " لم يزل بجميع صفاته وأسمائه تعالى أن يكون أسماؤه مخلوقة أو صفات محدثة. " وهو مذهب أبي الحسن الأشعري في المسالة حيث يقرر أن الله - سبحانه وتعالى- " حياة لم يزل بها حيا وعلما لم يزل به عالما وقدرة لم يزل بها قادرا وكلاما لم يزل به متكلما وإرادة لم يزل بها مريدا وسمعا وبصرا لم يزل به سميعا بصيرا والإمام الباقلاني يسجل في كتاب التمهيد بابا بعنوان : "باب في أنه لم يزل حيا عالما قادرا سميعا بصيرا متكلما مريدا .