غالباً ما يقال – ونقوله هنا – إنّ وسائل الإعلام تصنع "شتاءً وصيفاً" ومع ذلك فهي ليست من القوى الطبيعية العمياء التي لا تخضع للإرادة البشريّة، تأتي التطوّرات التكنولوجية فتسرّع من قدرة وسائل الإعلام على التأثير: "إنّ ظهور مجتمع الإعلام ثورة ثقافية حقيقية" (راعوية الثقافة، المجلس الحبري للثقافة) وما اكتشافات القرن العشرين المدهشة سوى تمهيد لما سيحمله معه هذا القرن من دون ريب. من كتب ومجلات وأجهزة تلفزيون وراديو وفيديو وأفلام وتسجيلات صوتيّة واتصالات الكترونية عبر الموجات والكوابل والساتلات أو الإنترنت. حتى لا يعود بوسع أولئك الذين ينأون عن وسائل الإعلام أن يتجنّبوا الاحتكاك بأشخاص آخرين متأثّرين بها تأثيراً شديداً. ونُقِمْ لنا ٱسْمًا كَي لا نَتَفَرَّقَ على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها»فنَزَلَ الرَّبُّ لِيَرى المَدينةَ والبُرجَ اللَّذَينِ بَناهُما بَنو آدم. إلى العنصرة وموهبة اللغات(أعمال الرسل 2/5-11)، 7فدَهِشوا وتَعجَّبوا وقالوا: «أَلَيسَ هٰؤُلاءِ المُتَكَلِّمونَ جليليِّينَ بِأَجمَعِهم؟ 8فكَيفَ يَسمَعُهم كُلٌّ مِنَّا بِلُغَةِ بَلَدِه 9بينَ فَرثِيِّين وميدِيِّين وعَيْلامِيِّين وسُكَّانِ الجَزيرَةِ بَينَ النَّهرَين واليَهودِيَّةِ وقَبَّدوقِية وبُنطُس وآسِيَة 10وفَريجِيَة وبَمفيلِيَة ومِصرَ ونَواحي ليبِيَةَ المُتاخِمَةِ لِقِيرِين، أي الاتّصال الذي أُصلح بالروح القدس الذي أرسله الإبن، وكانت رسالة الكنيسة إعلان البشارة الجديدة إلى العالم حتى انقضاء الأزمنة (أنظر متى 28/19-20؛ وتدرك الكنيسة أنّها شركة واتحاد أشخاص وجماعات إفخارستيّة "تجد مرتكزها في شركة الثالوث الحميمة وهي تعكس صورتها" (عهد جديد، بعدما كلّم الآباء والأنبياء مرّات كثيرة بوجوه كثيرة، كلّمنا في آخر الأيام هذه بإبن جعله وارثاً لكلّ شيء" (الرسالة إلى العبرانيين 1/1-2). إنّ الاتّصال في الكنيسة وبواسطتها ينطلق من شركة الحب القائمة بين الأقانيم الإلهيّة وفي اتصالهم بنا. 4. إنّ مقاربة الكنيسة لوسائل الإعلام الاجتماعية هي في الأساس إيجابية ومشجّعة. ولا تنظر إلى هذه الوسائل على أنّها نتاج العبقرية الإنسانية وحسب، بل هي هبات من الله وعلامات حقيقية من علامات الزمن (أنظر، ترغب الكنيسة في دعم الذين يعملون في هذا الحقل بإرساء مبادىء إيجابية تشجيعاً لهم في عملهم، عبر تعزيز الحوار بحيث تستطيع المشاركة فيه كلّ الفئات المعنيّة، علينا أن نواجه بنزاهة هذا السؤال الجوهريّ الذي يطرحه التقدّم التكنولوجي، وبخاصّة على من هم هم أكثر حرماناً واستضعافاً؟ هل سيكون أكثر استعداداً للعطاء وتقديم العون إلى الآخرين؟ (يوحنا بولس الثاني، يريد القرّاء والمستمعون والمشاهدون الإفادة من أوقات فراغهم إفادة مثمرة، فيما تشغل بالهم الضغوط الاقتصادية والإيديولوجية المتفاقمة التي ينحطّ معها المستوى الأخلاقي المناقبي في قطاعات وسائل الإعلام العديدة. إنّ مضمون الخيارات العديدة التي يتّخذها كلّ هؤلاء المعنيّين بوسائل الإعلام يختلف من مجموعة إلى أخرى ومن فرد إلى آخر، ولكن لهذه الخيارات وزناً أخلاقيّاً، "معرفة مبادىء النظام الأخلاقي وتطبيقها بأمانة" (القرار المجمعي بشأن وسائل الإعلام، تقدّم تقليداً عريقاً من الحكمة الأخلاقية والأدبية المتأصّلة في الوحي الإلهي والتفكير البشري (راجع يوحنا بولس الثاني، قسم من ذلك هو مجموعة ذات شأن ومتنامية من التعاليم الاجتماعية التي يُعتبر منحاها اللاهوتي تصحيحاً هامّاً ل "الحلّ الإلحادي" الذي يجرّد الإنسان من العنصر الروحي، كما يصحّ ايضاً في مواجهة المواقف المبنيّة على التّغاضي وروح الاستهلاك والساعية، ومن ذلك على سبيل المثال "إنّ ثقافة الحكمة التي تتّسم بها الكنيسة بإمكانها أن تُجنّب ثقافة وسائل الإعلام من أن تُصبح تراكماً من الوقائع لا معنى له" (رسالة البابا يوحنا بولس الثاني في مناسبة اليوم العالمي الثالث والثلاثين لوسائل الإعلام، كما يبرز بملء كماله في سرّ الكلمة المتجسًد" (السّنة المئة، وفي كلمات المجمع الفاتيكاني الثاني: " المسيح آدم الجديد في كشفه عن سرّ الآب ومحبّته، يبيّن للإنسان حقيقة الإنسان في وضوح كامل، وسائل الإعلام في خدمة الشخص البشري 6. وفقاً للدستور الراعوي الصادر عن المجمع بشان الكنيسة في العالم المعاصر، فرح ورجاء (راجع الفقرتين 3-31) إنّ الإرشاد الراعوي بشأن وسائل الإعلام "اتّحاد وتقدّم" شرح بوضوح أنّ وسائل الإعلام مدعوّة إلى خدمة الكرامة الإنسانيّة، وذلك عبر مساعدة الأشخاص على العيش الكريم والعمل كأشخاص يعيشون ضمن جماعة. إنّ لوسائل الإعلام تأثيراً بالغاً على تعزيز السعادة الإنسانيّة وعلى تحقيقها. وإذ لا ندّعي أن نقدّم إلاّ نظرة عامّة، من الفقرة 4 إلى 8) إلى بعض الحسنات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية والدينية. وتشجّع تحسين نوعيّة السّلع والخدمات القائمة وتنمية منتوجات وخدمات جديدة، وتُتيح للأشخاص اتّخاذ خيارات معلّلة لما تحيطهم به من معلومات يشأن توفّر المنتوجات ومواصفاتها. مجمل القول أنّ النّظام الاقتصادي الوطني والدّولي المتشابك والقائم اليوم لا يستطيع أن يعمل من دون وسائل الإعلام. 8. السياسة: تخدم وسائل الإعلام المجتمع بما تقدّم من تسهيلات للمواطنين في مشاركتهم المتنوّرة بالمعلومات في العملية السياسية. وتمثّل أدوات هامّة في اكتساب المصداقية بما تفضحه من سلوكيّة عدم الكفاءة والفساد وسوء ائتمان لدى السلطة، لا نتكلّم فقط على عرض الأعمال الكلاسيكية ونتاج المعارف، تتيح وسائل الإعلام أن تُحافظ الجماعات الإتنيّة على تقاليدها الثقافية والعمل على إحيائها ومشاركة الآخرين فيها ونقلها إلى الاجيال الجديدة وهي تصل الصّغار والشّبيبة، الإعلاميون وأهل الفن يخدمون المصلحة العامّة عبر حفاظهم عللى المَوروث الثقافي الخاصّ بالأمم والشعوب وإثرائهم له. عندما تُقدّم فُرَصاً للتعلّم إلى سكّان القرى النّائية، لا بل يُشاركون إلى حدٍّ ما في الأحداث الهامّة من حياة الكنيسة عندما يُعاد بثّها بانتظام من روما عبر الأقمار الإصطناعية. تقوم وسائل الإعلام بنقل الكلمات والصور التي تواكب زيارات الأب الأقدس الراعوية إلى الملايين من الاشخاص. إن الاتّصال في خدمة الجماعة الحقيقية هو "أكثر من تعبير عن أفكار ومشاعر، بل هو بذل الذّات في المحبّة" (إتّحاد وتقدّم، مثل هذا الاتّصال يرمي إلى العافية الذاتيّة وتحقيق العضويّة في الجماعة باحترام خير الجميع. لذلك من الجوهري أن يخوض الإعلاميون مثل هذا الحوار وأن يتقبّلوا الحقيقة يشأن هذا الخير. وبشأن المعنى الحقيقي لحريتنا وعلاقتنا المتبادلة ( رسالة البايا يوحنا بولس الثاني في مناسبة اليوم العالمي الثالث والثلاثين للإعلام،