والتوفيق بين مطالب أرباب العمل والعمال من جهة، ولعل أول وأهم مساهمة كانت تلك التي قدمتها المدرسة الكلاسيكية التي وضعت الأسس العلمية الأولى لتطوير المؤسسات، العلاقات الانسانية التي تتعارض تماما مع مبادئ المدرسة الكلاسيكية وتعطي البعد البشري مكانة أساسية في فعالية المؤسسات. حيث كانت هذه المدارس توفق بين طرح المدرسة الكلاسيكية ومدرسة العلاقات الانسانية فأنحاز بعضها إلى المدرسة الكلاسيكية وأنحاز بعضها الآخر إلى مدرسة العلاقات الانسانية، وحاول البعض الآخر التوفيق بين الأطروحتين ليتشكل تراث فكري ثري حول فعالية وتطوير التنظيمات يمثل اليوم تخصصا علميا قائما بذاته يعرف بنظرية التنظيم، لهذا سيجد القارئ في هذا الكتاب عرضا تاريخيا يظهر مبادئ ومساهمة مختلف هذه المدارس والنظريات وتطور الفكر النظري التنظيمي باستفادة كل مدرسة من أفكار ومبادئ المدرسة أو المدارس التي سبقتها. سيتم هذا العرض وفقا للتطور التاريخي الذي مر به الفكر النظري التنظيمي وهذا ما دفعنا لتنظيم محتويات هذا الكتاب في أربع فترات كانت أولها الفترة من عام 1900 إلى 1930 التي عرفت ظهور نظريات المدرسة الكلاسيكية وتركيزها على الجانب التقني للعمل ثم تلتها الفترة من 1930 إلى 1960 التي شهدت ظهور نظريات مدرسة العلاقات الانسانية ومساهمة علماء النفس في مجال العمل وبالتالي التركيز على البعد البشري كركيزة أساسية لفعالية المؤسسات. وتميزت الفترة الممتدة بين عام 1960 و 1980 بظهور عدد كبير من المدارس بإشكاليات مختلفة ومتباينة لكنها تصب كلها في التسيير الاستراتيجي سواء للموارد البشرية أو المادية أو التسيير الهيكلي لتحقيق كذلك تم استخدام أساليب إدارية حديثة كالمشاركة في اتخاذ القرارات بشكل انعكس بصورة ايجابية على المنظمات وعلى الافراد العاملين فيها ومن هنا تطورت نظريات تركز على ارتباط الأفراد بمنظماتهم وعلى أهمية الثقافة التنظيمية. واجهت المؤسسات العالمية منذ عام 1990 تحديات جديدة تمثلت في تسارع التطور التكنولوجي وزيادة المنافسة المحلية والعالمية، وعليه فقد تركزت الجهود خلال هذه الفترة التي تمتد إلى يومنا هذا على تحقيق التنمية الادارية الناجحة من خلال البناء أفرز هذا التطور الهائل للتراث الفكري التنظيمي تخصصا قائما بذاته يجمع بين معارف في علوم مختلفة كعلم الاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع والتسيير وظهرت فيه كتابات منذ عام 1980 جمعته تحت عنوان "نظرية التنظيم" غير أن جل هذه الكتابات - إن لم نقل كلها - كانت باللغات الأجنبية، وبقي القارئ العربي بعيدا عن هذا التراث الفكري الهام وهذا ما دفعنا إلى إعداد هذا الكتاب حتى نوفر للقارئ العربي معارف حول نظرية التنظيم وتقديم مدارسها ونظرياتها في تسلسل زمني يوافق