بالنسبة للحجة الأولى القائلة بفكرة الاختصاص الحصري أو الاستشاري لمجلس شورى الدولة بالمنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية ولا سيما عقود الالتزام فإن مجال التمسك بهذا الاختصاص الاستئثاري محصور في علاقة مجلس شورى الدولة بالقضاء العدلي، ولا علاقة للتحكيم بذلك. خلافاً حاداً في الفقه اللبناني حول نطاق تطبيقها، فعلى الرغم من ورودها في الباب الخاص بالتحكيم ، أن مجال إعمالها هو التحكيم الدولي ، بينما دافع البعض الآخر إلى أن هذه المادة تنطبق على التحكيم الدولي و أي ًضا التحكيم الداخلي وهو الرأي الأجدر بالتأييد. وفقاً للرأي الذي نعتقد في صوابه, إذ أن تلك المقولة مجال إعمالها هو في العلاقة بين مجلس شورى الدولة والقضاء العادي في لبنان. أما بصدد التحكيم، هذا من جهة، ٣٦ تاريخ ١٦ آب ۲٠٠١ السابق الإشارة إليها. ٦١ من نظام قانون مجلس شورى الدولة في لبنان لا تصلح كسند لعدم جواز التحكيم في العقود الإدارية نظراً لأنها تتعلق بمسألة توزيع الاختصاص بين القضاء الإداري والقضاء العادي، صراحة في أحوال أخرى كالتحكيم الدولي اللجوء إليه بشأن المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية فإن الاستناد إلى المادة ۷۷ من أ. م.م. للتدليل على كون الاختصاص المنعقد للقضاء الإداري بخصوص عقود الامتياز اختصاصاً قاصراً يحول دون اللجوء إلى التحكيم، ليس بأفضل في التدليل على ذلك من المادتين 60و 61 من قانون مجلس شورى الدولة. فالمادة ۷۷ التي يستند إليها الاتجاه المناهض للتحكيم في عقود دولة ينصرف أثرها على بطلان الاتفاقات المانحة للاختصاص التي تعهد بالاختصاص لقضاء أجنبي بنظر المنازعات الخاصة بعقود الالتزام، والتي بطبيعتها تكون الدولة اللبنانية طرفاً فيها . إذ لا يعقل والحال كذلك أن تخضع الدولة اللبنانية القضاء دولة أجنبية أخرى. التحكيم بشأن المنازعات بين الدولة اللبنانية والطرف الأجنبي بخصوص عقد امتياز فإنه لا شأن لهذه المادة المذكورة بالتحكيم، والقول بغير ذلك، أي بحظر التحكيم في مجال العقود الإدارية سيما عقود الامتياز، يجعل المشترع اللبناني متناقضاً ومتعارضاً مع نفسه وهو أمر ينبغي تنزيه المشرع اللبناني عنه. أما الحجة الأخيرة التي يستند إليها الفقه المناهض لجواز التحكيم في العقود الإدارية والمستندة إلى أن هناك مبدأ راسخاً في الفقه والاجتهاد الإداريين سواء في فرنسا أو في لبنان استقرا على عدم جواز التحكيم في العقود الإدارية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك وهو مبدأ يرتبط بالانتظام العام، فإنه بالنسبة للبنان وهو ما يعنينا في المقام الأول، فإن جواز التحكيم في العقود الإدارية مقرر بناء على نص المادة ۷٩٥ فقرة ۲ أ. م.م. وهو ما يدحض وجود مبدأ راسخ مستقر على عدم جواز التحكيم في العقود الإدارية. ولقد أدى اقتناع المشترع اللبناني بسلامة الحجج المؤيدة لجواز التحكيم في العقود الإدارية إلى استجابته للدعوة التي وجهها إليه الفقه بضرورة تعديل قانون التحكيم اللبناني على نحو يسمح بجواز التحكيم في هذه العقود بنص تشريع قاطع و صريح منعا للجدل الدائر. حيث أصدر المشترع اللبناني بتاريخ ١/٨/۲٠٠۲ القانون رقم ٤٤٠ بتعديل بعض أحكام قانون أصول المحاكمات المدنية المتعلقة بالتحكيم. ونصت المادة الأولى من القانون المذكور على أنه تلغى نصوص المواد الآتية من قانون أصول المحاكمات المدنية وتستبدل بالمواد الجديدة الآتية: -المادة ۷۷ الجديدة : الدعوى المتعلقة بصحة أو بمخالفة امتياز ممنوح أو معترف به من قبل الدولة اللبنانية تقام لدى المحاكم اللبنانية، وذلك مع مراعاة أحكام المادتين ۷٦۲ الجديدة فقرتها الثالثة و ٨٠٩ فقرتها الثانية. وتنص المادة ۷٦۲ في صياغتها الجديدة على أنه : يجوز للمتعاقدين أن يدرجوا في العقد التجاري أو المدني المبرم بينهم بنداً ينص على أن تحل بطريق التحكيم جميع المنازعات القابلة للصلح التي تنشأ عن صحة هذا العقد أو تفسيره أو تنفيذه.