وبارتباط شبكات الاتصالات مع شبكات المعلومات بزغ عهد جديد للمعلومات والاتصالات سمى بعهد حوسبة الاتصالات " Computer Communication"(1). أدى إلى التغيير في أنماط المعاملات ومختلف سلوكات التواصل بين الأفراد عبر الانترنت باعتبارها أهم وسيلة لإبرام العقود والوفاء بالالتزامات، فأصبح من غير الممكن إتمام المعاملات أو معظم المعاملات دون استخدامه، فالمجرمون هم الذين يرتكبون الجرائم المعلوماتية توصلاً لأغراضهم غير الشرعية فمن البديهي أن تظهر أنماط جديدة من الجرائم لم تعد معهودة من قبل وهذا ليس مقصوراً على أسباب التقدم التقني فقط بل يحدث دوماً وبصفة مستمرة فالمجرم والجريمة في تقدم وتجدد مستمر. التي تتم عبر وسائل الاتصال الحديثة بمختلف أشكالها. فالتجارة الالكترونية تؤدي حتماً إلى توفير الوقت والجهد، وتؤدي إلى تشجيع الاستثمار ودفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام مواكبة لما يحدث في مختلف دول العالم، فبعد هبوب رياح التغيير التي شنتها النهضة الرقمية، في مختلف مجالات الحياة بما فيها الجانب القانوني، ولكن بظهور المعاملات الالكترونية التي تتميز بطبيعة خاصة مغايرة للمعاملات التقليدية المعبر عنه بالمستند التقليدي، وذلك انسجاماً مع التطور العلمي والتكنولوجي في ارتكاب جرائم جديدة كتلك المتعلقة بالحاسب الآلي فيما لو اعتمدنا فقط على الوسائل التقليدية التي هي عادة اقل فاعلية مقارنة بوسائل الإثبات في تلك الجرائم. لغاية تحديد النظام القانوني الذي يكفل الحماية القانونية للمتعاملين بهذه الوسائط الالكترونية، خاصة فيما يتعلق بقواعد الإثبات، ومن ثم استلزم وضع قواعد الإثبات المتعلقة بها لسد الفراغ القانوني وتحريرها من عجز قواعد الإثبات التقليدية المتصلة بالسند الورقي عن مواكبة التطور، ولاسيما إذا تعلق الأمر بالجريمة المعلوماتية التي بلغت حداً من التطور فاق كل التصورات لذا يجب مقابلتها بالمثل، بتحديث التشريعات المتعلقة بالإثبات والبحث عن مدى حجية هذه المستندات خاصة بالنسبة للدول الراغبة في الانضمام لمنظمة التجارة الدولية(2). ونتيجة لذلك قامت بعض الدول بإصدار تشريعات لتقنين القوة الثبوتية لتلك السندات أو المحررات الالكترونية، حيث اجتمعت لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة في عام 1997، وفي عام 1996 صدر قانون اليونسترال النموذجي بشأن التوقيع الالكتروني كما أصدر البرلمان الأوروبي توجيهه حول التواقيع الالكترونية عام 1999 وآخر عام 2000 حول التجارة الالكترونية(3). وقد بادر المشرع الأردني عام 2001 واصدر قانون المعاملات الالكترونية رقم (58) لسنة 2001، وقانون تنظيم التوقيع الالكتروني المصري رقم (15) لسنة 2004 وصولا بإصدار القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، باعتباره المفتاح الحقيقي لحل المشكلات المطروحة وإبرام الصفقات الإلكترونية. فالمشاكل القانونية بوجه عام وتلك التي تدخل تحت طائلة قانون العقوبات بشكل خاص، غير أنه لا يوجد تشريع يضع الحلول لتلك المشاكل فضلا عن أنها لم تطرح على القضاء ليقول فيها كلمته، ومما يزيد الأمر تعقيداً أن الفقه لم يتناولها بالشرح والتحليل بشكل مسبق حيث جرت العادة على أن الفقه يجرى جاهداً وراء الاكتشافات العلمية الحديثة محاولا وضع الحلول القانونية اللازمة لما ينشأ عنها من ظواهر إجرامية بعد أن تنشأ وتستقر وينكشف عن استخدامها الكثير من الظواهر الإجرامية الأمر الذي يضفي أهمية بالغة على هذا الموضوع، وهو بطبيعته ولكونه ناجماً عن معاملات مستحدثة لابد أن تكون طبيعته أيضاً مستحدثة ومختلفة عن المنازعات التقليدية(1). ولذلك تقتضي الضرورة تسليط الضوء على أغلبية التشريعات العربية والأجنبية، والوقوف على القواعد القانونية التي تنظم مفرداته وتبحث في مدى إمكانية تطويع المبادئ العامة لتستطيع استيعاب هذه المفردات، حيث أن السؤال المثار هنا كيف يمكن إثبات مثل هذه المعاملات الالكترونية الحديثة، وهل يكتفي بالوسائل التقليدية في إثباتها؟ أم لابد من تطوير أنفسنا حتى نحقق العدالة وذلك في حدود ضوابط معينة. أولا: مشكلة الدراسة: تتمثل مشكلة الدراسة الرئيسية في مدى إمكانية الاعتراف بمشروعية الوسائل العلمية الحديثة خصوصاً في الحالات التي قد تؤدي استخدامها من قبل السلطات المختصة إلى اختراق بعض حقوق وحريات وخصوصيات الأفراد المصانة عادة بالتشريعات على المستويات المختلفة، ويمكن تلخيص مشكلات الدراسة في البحث على النحو التالي: 1. أن عدم الاعتراف بالوسائل الحديثة يؤدي إلى إهدار الحقوق إذا ما أخذنا بصدق القائمين على هذا التعامل وبخاصة التعامل التجاري ما بين الطرفين في ظل وجود تجارة عالمية من جانب وإهدار الوقت والثقة من جانب آخر، 2. يؤدي اعتراف المحكمة بالأوراق الالكترونية العرفية إلى مشاكل متعددة في الاعتراف بحقوق أحد الأطراف بسبب تقدم التقنية الالكترونية الحديثة. 3. تسمح التقنيات الحديثة لأحد الأطراف بارتكاب الواقعة دون وجود أدلة إثبات تتيح للقاضي الاعتماد عليها في إدانته بعد اتخاذ اسم غير اسمه الحقيقي ومحو جميع العمليات والتعاملات المدنية. إذ أن ما تحتويه من بيانات قد يكون الدليل على حصول تحريف أو دخول غير صرح به أو تلاعب أو تزوير. فكيف يقبلها القضاء وهى ليست دليلاً مادياً يضاف إلى الملف كالمبرر الخطي أو (محضر) أقوال الشاهد أو تقرير الخبرة، 5. لقد اتجه الاتحاد الأوروبي منذ منتصف الثمانينات إلى توجيه مشرعي دول أوروبا لإقرار حجية الوثائق الالكترونية ومساواتها بالوثائق الكتابية من حيث الحكم، وحجية الملفات ذات المدلول التقني البحت، تتطرق الدراسة لواحدة من أهم المشكلات في الآونة الأخيرة لكونها ترتبط ارتباطاً مباشراً بصورة المجتمع حيث ينتج عن الجرائم الالكترونية والمعلوماتية العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتمثل خطورة تنعكس أثرها في النهاية في صورة قضائية مما يجعل من وسائل الاتصال الحديثة أحد الأسباب الرئيسية لتغذية الجريمة. والذي يحتاج إلى أسلوب جديد لتطبيق وتفعيل منظومة اليكترونية حديثة تقوم على حجية إقامة الدليل فضلا عن تشريع وعقوبات جديدة تحدد العلاقة ما بين أطراف العلاقة التعاقدية من خلال وسائل الاتصالات الحديثة، تهف الدراسة إلى هدف رئيسي يتفرع منه عدة أهداف فرعية، فيجب إعادة توصيفها قانوناً بل وتنظيمها بشكل لا يضع الشاهد موضع المساءلة، وقد يتفرع من الهدف الرئيسي عدة أهداف فرعية تكمن في الآتي: إلا إذا اعترف الطرفان بصحة المحرر العرفي وهذا لا يحدث مطلقاً لأن كل من الطرفين يحاول جاهداً أن يثبت أحقيته في الدعوى. 2. التعرف على وسائل الاتصالات الحديثة التي يتم استخدامها في إقامة الدليل فيما يدعيه المجني عليه من اثباتات ضد اتهام الجاني في ارتكاب الواقعة والتي تتم من قبل الخبراء المتخصصون في هذا المجال التقني للوقوف على حقيقة الدليل المقدم. ومحاولة التعرف على الجوانب القانونية في القانون المصري والمقارن الذي بدوره يوصل البحث إلى طريقة لمعالجة موضوع الدراسة، وما هي النقاط التي أغفلها هذا القانون وذكرها القانون الآخر. 5. شروحات قانونية وفنية مفصلة أحاول أن أصل إليها عبر فقهاء وشراح قوانين التجارة الدولية والإلكترونية، ومحاولة الربط بينها وبين الموضوع، ذلك أن القليل منهم أعطى شروحات وافية لأدوات وآليات التجارة عبر سائل الاتصالات الحديثة. 6. عقد مقارنة تتلوها مفاضلة وبيان لأهم الإشكاليات القانونية والثغرات التي قد تظهر هنا وهناك بعد الدراسة، والتفحص العميق في التشريع المصري والمقارن، تم تركيز الدراسة على كيفية إقامة الحجية في الإثبات أمام القضاء من خلال وسائل الاتصالات الحديثة مما يؤدي إلى رجوعها بالسلب على التعاملات المجتمعية والتي ينتج عنها وقائع اقتصادية واجتماعية. خامساً: تساؤلات الدراسة: 1. هل يمكن استخلاص الدليل من أجهزة الاتصالات الحديثة في الوقائع المدنية والعقود المبرمة بين الطرفين حتى يصل القاضي إلى حقيقة الواقعة مما يؤدي إلى عدم ضياع الحقوق والواجبات الملزمة لأحد الأطراف ؟ 4. يقوم القانون الحالي على الاعتراف بالمحررات الرسمية ولا يعترف بمثيلاتها العرفية فهل على المشرع أن ينتبه إلى مثل هذه التقنيات الحديثة التي من شأنها وجود ظواهر إجرامية متعددة تؤثر بشكل سلبي على المعاملات الالكترونية في المجتمع أم لا ؟ سادساً: أدوات الدراسة: يقوم الباحث بإعداد هذه الدراسة بمجموعة من الأدوات الرئيسية والثانوية على النحو التالي: سابعاً: منهج الدراسة: يقوم الباحث بانتهاج المنهج الاستقرائي الذي يهدف إلى بناء إطار لأبعاد مشكلة الدراسة وأهدافها حيث يتناول التأصيل العلمي لأبعاد مشكلة الدراسة وأهدافها، وذلك بالاعتماد على الكتب العلمية والمقالات والأبحاث المنشورة والدوريات المختلفة المرتبطة بموضوع البحث، وذلك لمعرفة الدور المتوقع القيام به من قبل للحد من وقوع الجرائم والذي يتحكم فيها الإنسان وبخاصة حجية الإثبات في المعاملات الالكترونية. ثامناً: محددات الدراسة: لقد تم في هذه الدراسة التعرض لأهم أنواع وسائل الاتصالات الحديثة وكيفية توثيق التعاملات الالكترونية، وبيان دور ومهام الجهات المنوطة بتوثيق هذه التعاملات، وذلك بالمقارنة مع الوسائل الالكترونية الحديثة بداية من السند الالكتروني ثم التوقيع الالكتروني كونه يشكل حجر الأساس في السند الالكتروني، كما تم التعرض لأهم الجرائم التي تتعرض لها وسائل الاتصالات الالكترونية الحديثة والتعرض على آلية مواجهتها من خلال الآلية الفنية والآلية التشريعية.