ولأن السائق لم يفهم على ما يبدو كرّر زايد الأمر. رأيت في مرآة الخلفيات الموكب يتوقف وراءنا فجأة.منذ قرابة أربعين دقيقة هبطنا في هرجيسا شمال-شرق البلاد حيث أقلّتنا طائرة خاصة وضعها الرئيس سياد بري من عدة هناك كان في انتظارنا موكب مؤلف سيارات جيب تقل عسكريين، وفقاً لما قاله الرئيس سوف نجد في سهل غوبان أجمل هناك رأيت عشرة مراهقين منقسمين فريقين تفصل بينهما شبكة ممدودة بين شجرتي سنط.- ماذا إذن؟ ماذا هناك من شيء خاص؟بدل أن يجيب فتح باب السيارة ومشى نحو الأولاد. وفي هذه اللحظة وثب العسكريون من سياراتهم وأسرعو في أثرنا.صاح ضابط: - يا صاحب السمو ! أين تذهب؟طمأنه زايد بحركة وتابع سيره. عندما أصبح أمام اللاعبين حياهم بابتسامة عريضة.همست له: - هل لي أن أعرف ما بك؟ هذه لعبة الكرة الطائرة.نظر إلى من أسفل إلى أعلى. بين سألت زايد - لماذا هذا التوقف؟ أنهم في البداية لاحظت مجموعة صغيرة من الأولاد جالسين العليق، يحملون بأيديهم ألواحاً صغيرة، ويبدو يستظهرون نصاً تحت إشراف عجوز يرتدي الباتي، على مقربة منهم فتاة صغيرة تحلب ضرع بقرة بيضاء، وفي وسط الحقل المغبر تقف امرأة تشد الحزام على رضيعها الملتصق بظهرها. وفي مكان أبعد قطيع من الماعز يرعى.فارس أتذكر ما قلته لك بشأن جملك يوم السباق؟ «لم يعد أمامه عُمر، وعُرقوباه بارزان للخارج ومرتدان للخلف!» أتساءل إن لم تصبح شبيهاً به مع التقدم في السن.تمتمت: لكني لا أعرف اللعبة. عُد إلى السيارة. لا تقلق. وسط لا مكان، وقادة العالم كله يتساءلون، فيما الشيخ زايد يلعب الكرة الطائرة مع أطفال.شعرت بالموت مائة مرة. عندما انتهت المباراة جلس عند جذع سنط وأشار إلى أحد حراسه أن يأتي لنا بمشروبات باردة. كان يطرح عليهم أسئلة شتى. وأين يسكنون.- نحن نتعلم القرآن مثلهم، قال أحدهم مشيراً إلى حلقة الأطفال.مدرسة صغيرة أيضاً.الخاص وللإتجار إذا ما زاد المحصول.عندما عدنا إلى السيارة بدا وجه زايد معتماً. اختفى الفرح الذي شعّ على مُحيّاه أثناء مباراة الكرة الطائرة: «أتعلم يا فارس، إن الظلم هو الذي يدفع الناس إلى الالتفاف على القانون، هو الذي يقود العالم إلى الفوضى».عشية سفرنا بالطائرة إلى سريلانكا طلب الشيخ زايد من هذا المبلغ سوف يُخصص لإقامة سَدّ، ومساعدة السكان المهددين بالمجاعة في اليوم التالي،تتعب من وأنت من البدو الرحل. الوجود لا يتألف، مهما قيل، بل الأصح أنه مؤلّف من مجموعة خطوط متعرجة ممتدة إلى ما لا نهاية ولا تنفك تتقارب وتتباعد يختصر الإنسان ما يعتقد أنه كائنه،يكونه، وما هو كائن هذا هو السبب الذي من أجله أسيء فهم القرار الذي اتخذته بالتخلّي عن الرئاسة، في حين أنه واضح تماماً لي.حطت الطائرة في مطار كولومبو في الرابع عشر من أغسطس 1976.من لا يزال يذكر الأيام المجيدة لحركة عدم الانحياز؟ أيام كان يقودها رجال دولة رائعون طيبون ومواطنون عالميون السيادة في الوقت عينه. ماذا تفعل بالباقي؟ أقول لك يا فارس، على المحتاجين.عندما أفكر مجدّداً بمباراة الكرة الطائرة تلك، أفكر أيضاً في الذعر الذي سيطر على حرّاسي. قُتِلَ العديد من المسؤولين في العقود الأخيرة. كينيدي، مارتن لوثر كينغ، ماذا أفادهم حراسهم؟ لا شيء.ولادته. على أي حال،التحالف بين البشر. وعندي ان على المرء أن ينقاد للفطرة.الوطنية والرفاهية العامة. ويُشكل المؤتمر الذي عُقد بعد ذلك في مدينة باندونغ الأندونيسية مرحلة مهمة. في تلك الأثناء ت أُمَم العالم الثالث المستقلة حديثاً بوضوح عن رفضها الانضمام إلى أي من المعسكرين الدوليين المتنافسين.عبرت بعد أحد عشر .عاماً أصبحت الحركة تضم خمساً وثمانين دولة برئاسة السيدة أنديرا غاندي رئيسة الوزراء الهندية. كان تأجج الاختلافات السياسية والإيديولوجية قد ولد ميلاً إلى الانكفاء على الذات، وبات من الصعب تحقيق التوافق نظراً لتعدد الأفرقاء. آسف لذلك.في غضون ذلك كانت سفارتنا في كولومبو تكاد تختنق لكثرة البرقيات التي كانت تتبعني إلى سريلانكا ولم يكن بوسعي أن أفعل شيئاً بالرغم من صدق تأثري. جهدت، والحق يقال، لأفهم هذا الهياج لاعتقادي بأن لا أحد لا يمكن الاستغناء عنه. عاجلاً أو آجلاً يأتي شخص مؤهل لاستكمال ما كنت قد بدأته أو لإنهائه عبقرية الإنسان لا حدود لها. وجدت صعوبة في أن أخلد إلى النوم عشية الانطلاق نحو وجهتي الجديدة: الهند. لم تكن هذه زيارتي الأولى للهند. رحمه الله وفي يناير 1975 لبيت دعوة أنديرا غاندي رئيسة الوزراء. في تلك المناسبة وقعنا عدداً . اتفاقات التعاون ووثقنا عُرى الصداقة التي لم هذه المرة لم أكن في زيارة رسمية. كان الدافع وراء فتنة في المجتمع الإسلامي ويهدّد التوافق. أعتقد أن الإيمان، أياً يكن ليس مسموحاً به إن لم يكن متسامحاً.انتهزت فرصة إقامتي في الهند للذهاب إلى أغرا. لطالما سمعت بهذه المدينة التي يوجد فيها أجمل روائع التراث الإنساني في العالم: تاج محل. هبطنا في المدينة ظهراً برفقة بعض المقربين ومنهم نشيبي الذي كان قد انضم إلينا. وكانت الصدمة.أمامنا تنتصب جوهرة على خلفية لازوردية، الجمال في صفائه. ومن حسن الحظ أننا كنا حفنة من الزوار. ماذا أقول حيال مجمع العجائب هذا؟ حقيقة أن هذا الضريح المبني بالرخام هذه الرحلة هو الرغبة في الابتعاد، وفي زيارة الهند لمدة أطول. رداً على اندهاش فارس قلت ببساطة: «لرؤية ضوء الفجر يجب المرور بالليل الصبر». في أثناء إقامتي بين سَفرَين رأيت السيدة غاندي مرّة أخرى وأمكنني تقدير الميزات العظيمة التي تتصف بها امراة عاملة في حقل السياسة. لا جدال في أنها علامة فارقة في تاريخ بلادها التي جعلت منها قوة إقليمية حقيقية. في 31 أكتوبر 1984 قتلت غيلة في حدائق مقر إقامتها على يد عسكريين مكلفين بحمايتها. فعلا ذلك من الجيش الهندي المسؤول عن مقتل حوالي مائة من إخوانهما السيخ قبل بضعة أشهر. كلّ قتل دناءة. لكن ما صدمني إلى حد مخيف في هذه الحالة بعينها هو الدوافع الكامنة وراء هذا العمل الوحشي: التعصب وعدم التسامح،يا شفا روحي من العله.تلك الليلة، كانت فكرتي الأخيرة لفاطمة. سبتمبر 1976 استمرت إقامة الشيخ زايد في لندن ثمانية عشر يوماً،عندما وضعت الطائرة عجلاتها على المدرج نظرتُ عبر الكوة. عندئذ قلتفي نفسي: : «يا فارس، أهو سعيد بالعودة إلىالبلاد، فرد قائلاً:وعلى الرغم من هدوته شعرت بأنه متأثر جداً. لم أنتبه إلا ونحن ننزل السلّم الطويل إلى الحشد الكبير من الوجهاء الذين كانوا ينتظروننا على عتبة قاعة الشرف: شيوخ، كانوا يحتضونه ويهنئونه، أخيراً، بعد جهد جهيد، هنا يرقد جثمان ممتاز محل زوجة الإمبراطورالمعبودة.وفقاً لما قاله الدليل، تطلب بناء هذا الصرح حوالي عشرين ألف عامل، وألف فيل لنقل المواد المجلوبة من آسيا كلها. أتي بحرفيين من أوروبا لتصميم المشابك والألواح الرخاميةالحسّاسة المصنوعة من آلاف الحجارة النفيسة. تنحني نحو الخارج حتى إذا ما حدثت هزة أرضية انهارت في الاتجاه المقابل للضريح.النهار والليل، بيضاء ناصعة نهاراً،يبدو لي، ولست متأكداً،عندما وضعت الطائرة عجلاتها على المدرج نظرتُ عبر الكوة. عندئذ قلتفي نفسي: : «يا فارس، أهو سعيد بالعودة إلىالبلاد، فرد قائلاً:وعلى الرغم من هدوته شعرت بأنه متأثر جداً. لم أنتبه إلا ونحن ننزل السلّم الطويل إلى الحشد الكبير من الوجهاء الذين كانوا ينتظروننا على عتبة قاعة الشرف: شيوخ، وكان بعضهم ينتحب. التخلصأخيراً، وانطلقنا نحو قصر البطين كانت الطريق محفوفة برجال ونساء وأطفال، يصفقون يهللون، يلوّحون بالأعلام واللافتات. لزمت الصمت.وفي تعلقه بزايد ورغبته الجامحة في بقائه رئيساً.أنزل زايد زجاج باب السيارة ومد يده نحو الجمهور. رُكبتاه المخدوشتان علاجهما أسهل من مداواة قلب كسير. فكر فيهم، وصاح- أجننتَ، بعد أسبوع على عودته أعطى الضوء الأخضر لبناء مصنع للسماد في العين العين التي تحتل دائماً مكاناً مميزاً بينمنعطفاً كبيراً.اجتمع المجلس الأعلى في قصر زعبيل في دبي وانتشرت شائعة مفادها أن هذا الاجتماع سيكون حاسماً.كلها تترقب. أنا فارس لم أكن من ضمن المشاركين في ذلك الاجتماع،دارت فيه. والمعلومات القليلة التي بحوزتي نُقلت إلي.في الثلاثين من سبتمبر أحيط علماً بأن آلاف الأشخاص يعتزمون تنظيم مسيرة دعماً له. لكن أرجوكم إلغاء المسيرة. لا تعرقلوا المفاوضات الجارية على مستوى المجلسالأعلى، صب صبراً. يجب ترك الوقت يفعل فعله. لا ينبغي ممارسة الضغط على الأنفس الحرّة. فأذعن منظمو المسيرة آسفين.في السابع والعشرين من أكتوبر سافر إلى الإسماعيلية، وسط تهليل جمهور غفير حتى أن وزير الإسكان المصري لم يجد من وسيلة أخرى سوى دعوته إلى ركوب مروحية لكي يستكشف من الجو هذه المدينة التي سميت باسمه: مدينة زايد.الفراعنة يحسبون أنفسهم خالدين،أمر زايد الحرّاس أن يفتحوا أبواب القصر ويوزعوا المرطبات. منادياً بعضهم بأسمائهم. فأنا أعلم أنه يتمتع بذاكرة بصريةمدهشة. بعد ساعة دخل إلى حجرته.في اليوم التالي، والبلاد كلُّها حابسة أنفاسها، حرّر رسالةً يشكر فيها بحرارة شعبه على ما أبداه من محبة له ومن عرفان. لكن حتى لو قرأنا ما بين السطور فلن نجد ما يوحي بتغير في الموقف. لقد نوقشت في غيابه لكن لم يتم التوصل إلى أي حلّ.من محيط الشك انبثق يقين واحد، في الرابع عشر من سبتمبر أعلن الشيخ راشد رسمياً أنه لا يعتبر نفسه في أي حال من الأحوال خليفة لزايد إذا ما قرر الانسحاب.في قلب الصحراء كان لقاؤنا.توجّهنا أنا والشيخ راشد نحو خيمة وجلسنا فيها. وحدنا.بلا شاهد. كلمته. وضعتُ حُلمي في راحة يده.أثناء صعودنا ممراً محفوفاً بالنخيل وزهور الخُبيزة أشار- انظر أين نحن اليوم بعد ثماني سنوات.بعد أسبوع على عودته أعطى الضوء الأخضر لبناء مصنع للسماد في العين العين التي تحتل دائماً مكاناً مميزاً بينمنعطفاً كبيراً.اجتمع المجلس الأعلى في قصر زعبيل في دبي وانتشرت شائعة مفادها أن هذا الاجتماع سيكون حاسماً.كلها تترقب.أنا فارس لم أكن من ضمن المشاركين في ذلك الاجتماع،دارت فيه.في غضون ثلاث ساعات ونصف الساعة من النقاش كشف الفريقان عن كلّ المسائل التي تفرقهما وذلك في حضور مستشاريهما.في الثلاثين من سبتمبر أحيط علماً بأن آلاف الأشخاص يعتزمون تنظيم مسيرة دعماً له. لكن أرجوكم إلغاء المسيرة. لا تعرقلوا المفاوضات الجارية على مستوى المجلسالأعلى، صب صبراً. يجب ترك الوقت يفعل فعله. لا ينبغي ممارسة الضغط على الأنفس الحرّة. فأذعن منظمو المسيرة آسفين.في السابع والعشرين من أكتوبر سافر إلى الإسماعيلية، وسط تهليل جمهور غفير حتى أن وزير الإسكان المصري لم يجد من وسيلة أخرى سوى دعوته إلى ركوب مروحية لكي يستكشف من الجو هذه المدينة التي سميت باسمه: مدينة زايد. سأكمل قريباً الثامنة والخمسينمن العمر.- ما زلت شاباً، عمري أربعة وستون عاماً.الهواء نحمد الله على أننا نعيش علىفي قلب الصحراء كان لقاؤنا.توجّهنا أنا والشيخ راشد نحو خيمة وجلسنا فيها. وحدنا.بلا شاهد. كلمته. وضعتُ حُلمي في راحة يده.الشيخ راشد إلى واجهة قصره. مد