المقدمـــة:تعد المقاربة الموضوعاتية من أهم المقاربات النقدية في التعامل مع النص الأدبي شعرا ونثرا، فقد ظهرت في أوربا إبان ستينيات القرن العشرين مع موجة النقد الجديد ، كما ظهرت في العالم العربي متأخرة عن نظيرتها الأوربية بعقد من السنوات مع تصاعد النقد المضموني وانتشار القراءات التأويلية و الإيديولوجية وولادة التحليل الوصفي البنيوي واللساني. ويهدف النقد الموضوعاتي إلى استقراء التيمات الأساسية الواعية واللاواعية للنصوص الإبداعية المتميزة ، وتحديد محاورها الدلالية المتكررة والمتواترة ،إذا، ما هي المقاربة الموضوعاتية لغة واصطلاحا؟ ومامكوناتها النظرية وخطواتها المنهجية؟ وماهو مسارها التاريخي والمكاني؟ وما أسسها الفلسفية والمعرفية؟ وماهي مفاهيمها الاصطلاحية والإجرائية على المستويين: النظري والتطبيقي؟ وماهي أنواع المقاربات الموضوعاتية؟ ومن هم روادها في العالمين: الغربي والعربي؟ وما هي إيجابيات هذا المنهج وسلبياته؟ وإلى أي مدى يمكن لهذا المنهج أن يشفي غليل القارئ أثناء تعامله مع النص الأدبي؟تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول رصدها في موضوعنا المتواضع هذا،1- مفهوم المقاربة الموضوعاتية: والحافز، والبؤرة، والمركز، والنواة الدلالية.ويقابل كلمة (thème) عند اللسانيين الوظيفيين الجدد مصطلح التعليق (Rhème)؛ولقد استعمل المصطلح " الموضوعاتي" أو "التيمي" بشكل انطباعي وعفوي من قبل جان بول ويبر Jean Paul Weber)) ، إذ أطلقه على الصورة المتفردة والملحة في تكرارها واطرادها والمتواجدة بشكل مهيمن في عمل أدبي عند كاتب معين .ومن الصعوبة بمكان، ومن ثم، هذا، وحميد لحمداني، وعبد الكريم حسن، وجوزيف شريم، وكيتي سالم، كما نجد كلمتي "التيم" "thème" و "التيماتية" عند سعيد يقطين عندما يقول: " إن "التيمة" (thème) كما يرى برنار دوبربي (B.Dupriez) هي الفكرة المتواترة في العمل الأدبي، وتستعمل أحيانا بمعنى الحافر الكثير التواتر. غير أن "التيمة" أكثر عمومية وتجريدا .ويتابع سعيد يقطين واصفا الخطاب الروائي المغربي الجديد على ضوء رؤية تيماتية قائلا : " وفي العالم الروائي الذي بين أيدينا نجد "تيمات" أساسية كثيرة لها دلالاتها البعيدة لمن يريد قراءة الرواية قراءة "تيمية" (thématique)"[3] .ويترجم إبراهيم الخطيب كلمة (thème) بغرض أثناء ترجمته لنظرية الأغراض لدى توماشفسكي (Tomachevsky) الذي يتحدث عن اختيار الغرض أو "التيمة" الموضوعاتية التي يتمحور حولها العمل الفني بصفة خاصة ، إذ يبين هذا الشكلاني الروس بأن "خلال السيرورة الفنية، تتمازج الجمل المفردة فيما بينها، حسب معانيها، محققة بذلك بناء محددا، تتواجد فيه متحدة بواسطة فكرة أو غرض مشترك. إن دلالات العناصر المفردة للعمل – يقول الباحث الروسي – تشكل وحدة هي الغرض (الذي نتحدث عنه). وإنه من الممكن أن نتحدث سواء عن الغرض العام للعمل أم عن أغراض أجزائه. ما من عمل قد كتب في لغة لها معنى إلا ويتوفر على غرض. نظرا لأنه ليس سوى تدريب تجريبي أو تدريب مختبري بالنسبة لبعض المدارس الشعرية"[4].ويتميز العمل الأدبي حسب توماشفسكي " بوحدة، ينكشف خلال العمل كله. نتيجة لذلك،يبدو أن الغرض أو "التيمة" من خلال هذا النص هو ذلك البناء الموحد لجمل النص المتشابكة تركيبيا ودلاليا بواسطة فكرة مهيمنة معنويا. وبالتالي، تتمثل الوظيفة البنائية للتيمة في توحيد جمل النص المفردة وتغريض الإبداع. تنطبق عليه عمليا صفة المقبولية ومشروعية قراءته ونقده، ويعتبر اختيار الموضوع أو "التيمة" أول عمل إجرائي يقوم به المبدع حسب منطوق القولة الاستشهادية، بعد هذه المرحلة، الصياغة وبناء دلالات النص وعنونته. لأن الجذر الدلالي بمثابة خلية النص الرحمية، ويتشكل شكلا ومضمونا، وإن كان يتأطر فكريا، ويجمع شتاته المبعثر على رقعة النص في شكل بؤرة عنوانية في أعلى الصفحة الإبداعية. والجذر ما هو في الحقيقة إلا عنونة دالة، تتم به التسمية، وبه يفرض النص على المتلقي فكريا وإيديولوجيا، فتتولد الرؤى والأفكار، ثم تتشابك التعابير والأساليب الجمالية الرفيعة ، "إن الجذر يتفرع ويتوالد ضمن أشكال وتعابير متعددة. هذا التوالد يشبه "التجويق الموسيقي والأوركسترالي " حيث الميلوديا الرئيسية، هي حصيلة نقرات منفردة ومتعددة تتآلف وتتواكب لتعطي إيقاعا أوركستراليا واحدا. والنص في لعبته اللغوية والأسلوبية والفكرية حصيلة توالدات على مستوى مقومات الكتابة الأولية"[8]. وثمة مجموعة من الفوارق اللغوية بين الجذر والفكرة الرئيسية؛ لأن هذه الأخيرة ترتبط بالأثر الأدبي، وهي عنصر لغوي تفرض نفسها بإلحاح وتكرار فيه، وهي متصلة بمعجم اللغة ومفرداتها اصطلاحا واشتقاقا ولغة.أما الجذر "فإنه يختلف عن الفكرة الرئيسية ومجموعة التماعاتها ورموزها وجزئياتها"[9]. ولا ينبغي للناقد الموضوعاتي أو الجذري أن ينسى الدوال اللغوية أو الإيقاعية وحمولاتها الدلالية في تشكيل "الموضوعة" أو " تيمة" الأثر الأدبي. فعليه، استقراء أبعاد "اللعبة اللغوية بتنويعاتها وإيقاعاتها؛ لأنها محملة بمدلولات باطنية، وهي تفضح أحيانا، هوة ما، تصرخ في أعماق الكاتب"[10].وهكذا نسجل مدى الاختلاف الكبير بين الدارسين والمترجمين العرب في توظيف المصطلحات والمفاهيم اللغوية لتعريب الكلمة الأجنبية "thématique"، بالإضافة إلى اضطراب مفهوم الموضوعاتية وتعدد مفاهيمها وتعاريفها حسب النقاد ومطبقي هذا المنهج.ب- الدلالــــة الاصطلاحيـــة:تنبني المقاربة الموضوعاتية على استخلاص الفكرة العامة أو الرسالة المهيمنة أو الرهان المقصدي أو الدلالة المهيمنة أو البنية الدالة التي تتمظهر في النص أو العمل الأدبي عبر النسق البنيوي وشبكاته التعبيرية تمطيطا وتوسيعا أو اختصارا وتكثيفا، والبحث أيضا عما يجسد وحدة النص العضوية والموضوعية اتساقا وانسجاما وتنظيما.ولايمكن للمقاربة الموضوعاتية أن تبرز الفكرة المهيمنة والتيمة المحورية إلا بعد الانطلاق من القراءة الصغرى نحو القراءة الكبرى، وتعرف الجنس الأدبي وحيثياته المناصية والمرجعية، وتفكيك النص إلى حقول معجمية وجداول دلالية إحصائية لمعرفة الكلمات والعبارات والصور المتكررة في النص أو العمل الإبداعي اطرادا وتواترا.وترصد المقاربة الموضوعاتية كل الكلمات- المفاتيح والصور الملحة والعلامات اللغوية البارزة والرموز الموحية و قراءتها إحصائيا وتأويليا. ولن تكون القراءة الموضوعاتية ناجعة وسليمة إلا بقراءة السياق النصي والذهني للكلمات والمفردات المعجمية المتكررة.ويقوم هذا النقد الموضوعاتي على تحويل ماهو روحاني وزئبقي وجواني وشاعري إلى وحدة دلالية حسية مبنينة موضوعيا وعضويا .ويستلزم النقد الموضوعاتي قراءة نص واحد أو مجموعة من النصوص والأعمال الإبداعية التي كتبها الأديب المبدع، والبحث عن بنياتها الداخلية ومرتكزها البنيوي المهيمن، واستقراء اللاشعور النصي عند المبدع، وربط صورة اللاوعي بصورة المبدع على المستوى البيوغرافي والشخصي.11]وعليه، فالمقاربة الموضوعاتية هي التي تبحث في أغوار النص لاستكناه بؤرة الرسالة مع التنقيب عن الجذور الدلالية المولدة لأفكار النص قصد الوصول إلى الفكرة المهيمنة في النص، وتحديد نسبة التوارد لتحديد العنصر المكرر فكريا سواء في الشعر أم في النثر. وتهدف هذه المقاربة أيضا إلى استخلاص البؤرة المعنوية والخلية العنوانية والجذر الجوهري والفعل المولد والنواة الأساسية التي يتمحور حولها النص إسنادا وتكملة عبر عمليات نحوية إبداعية كالحذف والزيادة والتحويل والاستبدال.ومن الصعوبة بمكان، تحديد مفهوم النقد الموضوعاتي بكل دقة ونجاعة نظرا لتعدد مدلولاته الاشتقاقية والاصطلاحية، وتذبذب مفاهيمه من دارس إلى آخر، وكثرة آلياته الاصطلاحية وأدواته الإجرائية بسبب تعدد المناهج التي تحويها المقاربة الموضوعاتية.ويعني هذا أن المقاربة الموضوعاتية تطرح عدة أسئلة وصعوبات وإشكاليات وعوائق مفاهيمية ومنهجية وتطبيقية ، وتختلط بالنقد المضموني كما تلتبس بالمناهج النقدية والفلسفية الأخرى.2- التصور النظري والمنهجي:تعتمد المقاربة الموضوعاتية - باعتبارها منهجية نقدية جديدة ظهرت مع تباشير النقد الجديد - على مجموعة من الركائز المنهجية والمكونات الأساسية النظرية التي تتحكم في العمل الأدبي، ويمكن حصر هذه المكونات في المبادئ التنظيمية التالية:* قراءة النص قراءة شاعرية عميقة ومنفتحة؛*الانتقال من القراءة الصغرى إلى القراءة الكبرى؛* تحديد مكونات النص المناصية والمرجعية؛* التأرجح بين القراءة الذاتية والقراءة الموضوعية؛* البحث عن التيمات الأساسية والبنيات الدلالية المحورية والموضوعات المتكررة والصور المفصلة في النص الإبداعي؛* تشغيل المستوى الدلالي عن طريق رصد الحقول الدلالية وإحصاء الكلمات المعجمية والمفردات المتواترة؛* توسيع الشبكة الدلالية لهذه التيمات المرصودة دلاليا فهما وتفسيرا؛*رصد الأفعال المحركة والمولدة للمعاني في سياقاتها الصوتية والإيقاعية والصرفية والتركيبية والتداولية مع دراسة دلالاتها الحرفية والمجازية واستنطاقها فهما وتأويلا؛* حصر العناصر التي تتكرر بكثرة وبشكل لافت في نسيج العمل الأدبي؛* تحليل العناصر التي تم حصرها ورصدها اطرادا وتواترا (الاهتمام بالمعنى السياقي).* المقارنة بين الظواهر الدلالية والمعجمية والبلاغية تآلفا واختلافا؛* تجنب التزيد في التحليل الموضوعاتي واللجوء إلى الإسقاط القسري المتعسف، وعدم تقويل النص ما لم يقله؛* جمع النتائج التي تم تحليلها لقراءتها تفسيرا وتأويلا واستنتاجا؛* بناء قالب نموذجي مجرد يستطيع أن يستوعب داخله تفاصيل العمل الأدبي المدروس.* ربط الدلالات الواعية وغير الواعية بصورة المبدع الذاتية والموضوعية.وتنطلق الموضوعاتية ، في تعاملها المنهجي، من التطابق والتماثل بين المعنى الواضح والمعنى العميق الضمني غير المباشر فهما وتفسيرا من خلال ربط الداخل بالخارج، والوعي باللاوعي في علاقتهما بما قبل الوعي. " فأما المعنى الواضح فهو ما يقدمه النص بشكل مباشر. وتأويله خارجيا اعتمادا على مستويات معرفية مرجعية مساعدة من خلال إضاءة الفكرة المحورية وتفسيرها.3- أنواع المقاربة الموضوعاتية:يمكن الحديث عن أنواع عدة من المقاربة الموضوعاتية ، فهناك الموضوعاتية الدلالية، والموضوعاتية العنوانية، والموضوعاتية الشاعرية، والموضوعاتية الصوفية الحدسية، والموضوعاتية الفلسفية، والموضاعاتية البنيوية، والموضوعاتية الذاتية.وعلى العموم، نحن نتحدث اليوم إجرائيا عن موضوعتين أساسيتين: موضوعاتية مضمونية، وموضوعاتية بنيوية (Thématique Structurale) شكلية.بيد أن ثمة عدة صعوبات واجهت الموضوعية أثناء احتكاكها مع المنهجية البنيوية ذات الطرح اللساني الوصفي ، ويمكن حصر هذه المشاكل في النقط التالية :3- ترفض البنيوية بواعث العمل الأدبي ومصادره، أي إن العمل الأدبي بنية مستقلة غير مرتبطة بالمبدع ولا بظروفه السوسيو اقتصادية أو الثقافية أو التاريخية.4- إنها تبتعد عن التفسير والتأويل، وتستند إلى التحليل الداخلي المحايث والسانكروني للعمل الأدبي وصفا وتصنيفا.ومن خلال هذه السمات المخصصة للبنيوية، يمكن تفريع الموضوعاتية إلى موضوعاتية ذاتية وموضوعاتية موضوعية، فالثانية هي الأكثر انسجاما مع البنيوية، بينما الأولى تنظر إليه على أنه ذات (Sujet). ويمثل الاتجاه الأول جورج بوليه، ويرى أن هدف النقد هو "الوصول إلى معرفة صميمية بالعمل المنقود، وأنه لا يمكن بلوغ هذه الصميمية إلا داخل الفكر الناقد محل الفكر المنقود"[13] .ويسمى هذا النوع من النقد لدى بوليه بالنقد "التطابقي" الذي يتطابق فيه وعي الناقد مع وعي المنقود. ولكن هذا الموقف يتعارض مع الموقف البنيوي؛ لأن البنى تحدد إجرائيا داخل العمل الأدبي، وإنما تقع البنى تحت ترسبات الظاهر، وتتحلل في أغواره العميقة. لابد من استنباط المرتكز البنيوي العميق والمستوى المحدد الثابت، لأنه هو الذي يتحكم في الظاهر المتغير عبر الإبدال والحذف والتحويل والزيادة والنقصان. فالموضوعاتية الموضوعية سمة خاصة بنقد ستاروبنسكي في دراسته البنيوية المعنونة بــ:" وليمة تورينو"،" يورد لنا جان بول سارتر في قسم ظاهري من مقالته المسماة" بشأن جون دوس باسوس" مثالا ممتعا، فهو يناقش الدلالة المعنوية او التيماتية للزمن عند دوس باسوس، ثم يدور حول بعض الملامح المورفولوجية أو الصرفية التي يراها معبرة عن هذا المعنى. ويتفق تناول سارتر التضايف الصرفي السيمانطيقي الخاص بالدلالات هنا مع المباشرة الظاهرية ، وهكذا، توفر لنا فرصة رائعة لمقارنتها – أي دراسة سارتر- بالتناول البنيوي الأوربي ممثلا في رومان جاكبسون وكلود ليفي شتروس".14]15] زد على ذلك، إذا كانت البنيوية ترفض كل نقد تفسيري أو نفسي فإن مأزق الموضوعاتية واستعانتها بالتحليل النفسي أثناء دراستها لموضوع الرغبة ولمفاهيمها السيكولوجية كالكبت واللاوعي والهوام.الخ يتعارض كل التعارض مع المنهج البنيوي الذي يرفض كل تفسير خارجي للعمل الأدبي. وبالتالي، فالموضوعاتية نقد نفسي فردي يهتم بنفسية المبدع/الفرد دون الاهتمام بالوسط الجماهيري ولا بالمتلقي أو العصر.وهكذا، فإن ما يضع النقد الموضوعي أمام المآزق المنهجية الكبرى فهي "صعوبة التمييز بين نصيب المبدع من إبداعه ونصيب العصر الذي يحتويه. فلقد جرت العادة مثلا أن يدرس الناقد الموضوعي موضوعا معينا أو جملة من الموضوعات عند شاعر أو روائي. ولكن هذا النقد لا يمكن أن يكتمل إلا إذا عرفنا منزلة هذه الموضوعات من الأدب الذي تنتمي إليه والعصر الذي يحتويها. فمن الذي يستطيع أن يقدم الدليل مثلا على أن الموضوعات التي يدرسها الناقد عند شاعر معين ليست هي الموضوعات ذاتها عند شاعر آخر؟ ومن الذي يضمن لنا أن هذه الموضوعات الملهمة في الشعر مثلا ليست هي الموضوعات السائدة في تفكير المجتمع الذي ينتمي إليه الشاعر أو في ذائقة هذا المجتمع خلال مرحلة معينة؟ إذا، فأين تكمن الخصوصية في دراسة هذه الموضوعات عند شاعر ما إذا لم توضع ضمن خريطة الموضوعات في الأدب الذي تنتمي إليه والعصر الذي يحتويها؟"[16].ويمكن الفصل في إطار الموضوعية البنيوية بين الموضوعية المعجمية التي تنطلق في تعريفها للموضوع من قاعدته اللغوية كما هي لدى العراقي عبد الكريم حسن[17]،هذا، وتعتمد الموضوعاتية البنيوية على مبادئ البنيوية المعروفة كالمحايثة الداخلية والوصف السانركوني والاعتماد على التفكيك والتركيب بمثابة مبادئ منهجية عامة ، والاستعانة بالإحصاء والعد والتوارد اللفظي والمعجمي والتكرار اللغوي والتركيز على مفهوم الموضوع باعتبارها مبادئ منهجية خاصة.وإذا كان جان بيير ريشار (Richard) يرى أن الموضوع " مبدأ تنظيمي محسوس"[18]، يقول "إن العائلة اللغوية هي حد الموضوع"[19].ولا ننسى أيضا أن هذه الموضوعاتية تنطلق من مداخل حرة وتصل إلى مخارج حرة كذلك. ويعني هذا أن الناقد الموضوعي يقتحم العمل الأدبي وفضاءه التخييلي من أية نافذة شاء ولو كانت ضيقة. وتعتبر هذه الحرية سحرا مثيرا وميزة إيجابية لهذا النقد الزئبقي الذي يستهين بالضوابط الأكاديمية الدوغماطية المقننة . على عكس الموضوعاتية البنيوية التي تلتزم بالضوابط المعيارية والتقنين المنهجي وثبات العلاقات في نسق بنيوي سانكروني.وإذا كانت الموضوعاتية تعتمد على تصنيف الربط بين عناصر العمل الأدبي، والقاعدة اللغوية، فالفرق بين موضوعاتية ريشار (Richard) وموضوعية عبد الكريم حسن، أن موضوعاتية الأول مضمونية، أي حديث عن الأفكار والموضوعات في الأدب، بينما موضوعاتية الثاني هي الانتقال من المضامين المختلفة إلى الأشكال الثابتة ، بين التزامن والتزمن، والوصف والتطور.4- مصادر المقاربة الموضوعاتية: ومجهود الفلاسفة الظاهريين الوجوديين أمثال: هيدجر، وجان بول سارتر(Sartre)، و باستون باشلار (Bachlard) . جاءت كرد فعل على النزعتين: المثالية والتجريبية معا (فلسفة الذات والموضوع) ، " والفكرة الأساسية التي يمكن استخلاصها من البعد الفلسفي للنقد الظاهري الموضوعاتي، سواء كان محايثا أم ميتافيزيقيا، هي اعتبار الإبداع عملا يمثل وعي المبدع، وهذا لا يعني نفي الظاهرية للعمليات اللاواعية التي تجري أثناء تنظيم المدركات في الوعي، وهذه مفارقة ينبغي التنبيه إليها؛ لأنها هي التي تفسر كيف أن النقاد الظاهرين/الموضوعاتيين لجأوا أحيانا إلى التحليل النفسي، أو إلى أحلام اليقظة البدائية العميقة المترسبة في الذات المبدعة وهذا ما فعله " باشلار" (Bachelard). (.. وإذا نحن تأملنا تطبيقات المنهج الموضوعاتي/الظاهري فنجد طغيان الاهتمام بالأفكار باعتبارها مظاهر للوعي عند الكتاب المدروسين، وقد يستفيد النقاد من علم النفس الظاهري، كما فعل جان بيير ريشار "Richard" بشكل خاص"[20]. نجد أن للمقاربة الموضوعاتية أسسا فلسفية تتمثل في الفلسفة الظاهراتية والفلسفة الوجودية والفلسفة التأويلية الهرمونيتيكية،5- الموضوعاتية والمناهج النقدية الأخرى:اقترنت المقاربة الموضوعاتية في تطورها التاريخي ومن خلال تصوراتها النظرية وتطبيقاتها الإجرائية بمجموعة من المناهج المضمونية والشكلية سواء أكانت وصفية أم معيارية، داخلية أم خارجية.ومن هنا، فقد ارتبطت الموضوعاتية في مسارها المنهجي والتاريخي كما يرى فايول (R. Fayolle) بالتحليل النفسي والفلسفة الوجودية وعلم النفس وعلم الأفكار الذي يمد الموضوعاتيين " بالتيمات" لتتبعها في نتاجات المبدعين. وفي هذا الصدد يقول روجي فايول (R.