وما زالت دولتهم تتأخر وأمرهم يتقهقر، وحينئذ تصدعت أركان هذه الدولة املجيدة، هذا ولا عبرة بالظل الذي ظهر لها فيما بعدُبديار مصر، فإن تلك الخلافة العباسية الثانية كان القائم بها إنما يؤدي وظيفة دينية، على أن هذا الظل لم يبقَله أدنى أثر في الوجود عندما ظهر آل عثمان على مصر، فكل ظل مُعرَّض للزوال. فقد تجلَّت على أوروبا بمظهر رائع، وأخذ عنها الفرنج مبادئ العلوم وأساليب ولا تزال آثارها بديار الأندلس ناطقةًبما بلغته من علو الكعب في كل مضمار، غري أنها قد انتهى أمرها مثل غريها من الدول الفخيمة، بينما كان أهل إسبانيا وملوك الفرنجة يتحيَّنون لها الفرص للإيقاع بها والقضاء عليها، فانفرط عقد الخلافة واستقل الولاة والعمال بهذه الأجزاء املتفرقة، بل تنافسوا في التشبه بالخلفاء في أبهة امللك وفخامة الألقاب، فما عتموا أن تطرقت إليهم أسباب الضعف والسقوط بعد هذا التفرق، ويتناصرون على أنفسهم بعدوهم، ويتقربون إليه بالقلاع والحصون وتمادوا في ذلك الضلال إلى أن آل الأمر بهم إلى خروج الأمر فانزوت بقية الأمة الأندلسية املجيدة في فكانوا لعدوهم خري معاون على انتزاع مُلك الصمامة الباقية لهم، قد دافعوا بما بقي فيهم من بأس قديم، وما تولاهم من يأس مقيم إلى أن أبى القدر املحتوم، بعد أن أخذت عليه العهود التي رأتها ضامنة لبقائها، فصبر الباقون على الخسف والهوان تعلقًا بأذيال الوطن العزيز، السيف والنار أفنيا معظمهم، وطرد الإسبانيون القليل الباقي منهم إلى الخارج، بعضهم إلى جنوب فرنسا وإلى سويسرا، ودخل في غمار أهلها على طول الزمان، وتناسى أصله العربي ودينه الإسلامي، ولكنه حفظ رغم أنفه عادات وبقيت فيه بقية من امللامح العربية التي تتجلى فيه للناظرين، محمود، وأرصدوا عليهم بعض الأوقاف، ذلك الزمان، ومنهم من يفتخر بانتسابه إلى العنصر العربي الكريم، ولم يبقَفي الأندلس من هذه الخلافة التي كانت الإفرنجية، والله وارث الأرض ومن عليها. عظيمة من القوة والبأس، فتسمى أصحابها في أول الأمر بأمراء املسلمني احترامًا ملقام 3 ثم انتزعوا لأنفسهم لقب الخلافة، من الوهن والضعف،