– لم يهتم فقهاء المسلمين القدامى بتعريف كلمة “الحق”، على الرغم من كثرة استخدامهم لها في كتاباتهم، فلم يذكروا تعريفًا اصطلاحيًا للحق، ولذلك كان تعريفهم يدور حول معنى الحق من الناحية اللغوية: – قال الإمام القرافي في الفرق الثاني والعشرين من فروقه، وهو الفرق بين “قاعدة حقوق الله وقاعدة حقوق الآدميين”: (حق الله تعالى أمره ونهيه، أي أن كل الأوامر التي أمرنا الله بها، وأن حقوق الناس هي الأمور التي تتحقق بها مصالحهم. ويلاحظ أن الحق عند الإمام القرافي يعني الأمر نفسه لا الفعل، وأوَّل رحمه الله حديث: “حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا” والذي يقتضي أن حق الله على العباد نفس الفعل لا الأمر، فقال: (الظاهر أن الحديث من باب إطلاق الأمر على متعلقه الذي هو الفعل)، إلا أن الإمام قاسم بن عبد الله الأنصاري عارض قول الإمام القرافي هذا فقال إن حق الله تعالى ليس أمره ونهيه، وبقوله تعالى: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون“، وعلق رحمه الله على قول القرافي بأن (حق العبد مصالحه) بأنه إذا كان المراد بحق العبد حقه على الجملة أي الأمر الذي يستقيم به في أولاه وأخراه فحقه مصالحه، أما إن أراد حقه على الله تعالى فإن ذلك ملزوم عبادته إياه، – وعرف الإمام زين العابدين بن نجيم الحق بقوله: (الحق ما يستحقه الرجل) ، لأنه لفظ “ما” عام يشمل المنافع والأعيان والحقوق، – وفرق الإمام الشوكاني بين “الحق” و”الملك” عند شرحه للبابين “باب النهي عن منع فضل الماء” و”باب الناس شركاء في ثلاث”، حيث قال: (والماء على أضرب: حق إجماعًا كالأنهار غير المستخرجة والسيول، وملك إجماعًا كماء يحرز في الجِرار ونحوها، ومختلف فيه كماء الآبار والعيون والقناة المحتفرة في الملك) ، ومن هذا يتضح أن الإمام الشوكاني يستخدم “الحق” في مقابل “الملك”، فالحق ما كان مشتركًا مباحًا لكل الناس، والملك ما كان خاصًا بأحد الناس أو فئة منهم. من هذه التعريفات يتضح أن (فقهاء الإسلام لم يعنوا بذكر حدٍّ أو رسمٍ للحق) (وكأنهم رأوه واضحا فاستغنوا عن تعريفه) كما يقول الشيخ علي الخفيف رحمه الله تعالى.