يقتضي الحديث عن سؤال الإنصاف في علاقته باليانصيب تحديد المقصود بكل من المفهومين، أمكننا رصد العلاقة الممكنة بينهما على آثار بعض الأمثلة الواقعية. وما المقصود باليانصيب؟ وهل من الممكن أن يطلب الإنصاف اليانصيب في اتخاذ قرار منصف؟ لكن نجد أن تحديده لمبدأ الإنصاف قد ضمنَ في المقالة التي كتبها في سنة 1964 بعنوان: «Legal Obligation and the Duty of fair Play» التي يذهب فيها إلى أن fair play هو ذلك المبدأ الذي يبيح (مثلا) لكل المشاركين في عمل مشترك أو تعاونية اجتماعية الاستفادة من الفوائد الناتجة عن ذلك العمل بالتساوي شريطة أن يقوم كل فرد في هذه الجماعة بالدور المسند إليه، هكذا يصبح الإنصاف يتضمن التصرف بنزاهة بدون محاباة أو تحيز، حتى في الحالات أو الأمثلة الشاذة التي يمكن مواجهتها. عن الأنانية. هذا التشعب في معالجة الإنصاف عن طريق شحنه بمجموعة من المفاهيم في تشكيل أطرافه وإغناء معناه، ومن اختلاف إمكانيات تصوره من جهة ثانية. فلو افترضنا أن دولةً ما تجبر كل من يعمل بها على دفع ضرائب محددة، فهل من الإنصاف أن يدفع الجميع نفس التكلفة؟ أعتقد أنه في هذه الحالة، بل وهناك من لا دخل له، فيصبح هنا الإنصاف كامنا في مراعاة نسبية فرض الضرائب على أساس الإمكانات/القدرات أو الاستحقاق، حيث كلما ارتفع الدخل يرتفع حجم الضرائب، وكلما قل إلا وتقل معه تكلفة الضرائب وصولا بحذف تكلفة الضرائب لمن لا دخل لهم، وهو ما يمكن أن نسميه بالإنصاف التناسبي. اللهم إذا كانوا سيلجؤون للتسول أو السرقة وجل السلوكيات المنحرفة، وزيادة الحاجة في السجون إلى الطعام والملابس المقدمة للسجناء، وهو الأمر الذي لن يقوم إلا بزيادة مديونية الدولة الذي تحاول تجنبه من خلال تجميع الضرائب. دون أن يطاله العقاب، بل سيدفعون نفس التكلفة المعتادة. وربما قد يكون منصفا لأن صاحبه بذل مجهودا في البحث عن كيفية التنصل من الضرائب على عكس الذي لم يبذل أي مجهود في البحث عن طرق للتنصل من الضريبة. نرى أنه يصعب حساب وزن الفائدة أو الأضرار التي يمكن أن تطال باقي المواطنين بشكل دقيق، وتوقع نفس الفعل من طرف الجميع، حتى وإن وجدت هناك هفوات صغيرة تمكن المواطن الحذق [في شكله السلبي] من التنصل منه، ذلك أن التملص من الضرائب عبر شقوق القانون سرعان ما سيزرع الشك في القائمين بالفعل بإنصاف، ولهذا يسند رولز فعل الإنصاف إلى المؤسسات للدفاع عنه، حتى يصير القائم بالفعل المنصف واثقا من أن هناك قوة تجبر [إذا لم يكن عن طيب خاطر] الآخرين على القيام بنفس الفعل المنصف. ونفس السن، نفس الجنس، ووصلا على المستشفى في نفس الوقت، متواجدين في المستشفى بنفس القسم (مثلا قسم الأمراض الباطنية)، للدكتور عن المريضين صاحبيْ الملف الطبي الذي يحتوي تطابقا في الفحوصات. وهنا السؤال، حقن أي المريضين بهذا المضاد للفيروس يعدّ فعلا منصفا؟ إن مثل هذه الأمثلة الشائكة في الواقع، تضعنا في معضلة حقيقية أمام معضلة اختيار الفعل المنصف، على اعتبار أن المريضين (أ) و(ب) متساويان في الخصائص ويترقب لها نفس النتائج. ذلك أن المريضين (أ) و(ب) وصلا في نفس الوقت، أي كل تساوي كل ما يتطلبه احترام الواجب. وهو اليانصيب/الصدفة المرجحة. قد يظهر الاحتكام إلى اليانصيب في هذه الحالة على أنه دخول في درب من العشوائية في اتخاذ القرار، إذ لا قانون ناظم له، فقد يكون الحظ إلى جانب المريض (أ) في عملية اليانصيب الأولى، وإذا أعدنا القيام بنفس العميلة قد يكون الحظ إلى جانب المريض (ب)، لأن الحالة تعكس أن كلّا من المريضين يستحق أن يحقن بمضاد الفيروس للمحافظة على حياته. إلى هنا فالقابلية للحياة أو الممات بالنسبة إلى كل منها متساوية، ونسبة ظفر كل واحد منهما بمضاد الفيروس أيضا متساوية، عن طريق محاولة كسر المساواة السارية في عملية المقارنة بين المريضين (أ) و(ب)، بل يمكننا القول إن المعطيات أو المميزات التي يحتوي عليها المريضان لا تبيح لهم التراتبية أو تحديد من هو المريض الأفضل، 2) وعامل الحظ الذي لا يمكن أن يحابي أيا من المريضين بأي شكل من الأشكال، لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار المميزات المكرسة للاختلاف،