الموقف الأول: "العلاقة ضرورية"العلاقة بين الدال و المدلول علاقة ضرورية ،فيكفي أن نسمع الكلمة حتى نعرف معناها ويمثل هذا الإتجاه المدرسة اللسانية القديمة بداية مع الفيلسوف اليوناني أفلاطون و عالم اللسانيات الفرنسي إيميل بنفيست.يؤكد أفلاطون خصوصا في "محاورة كراطيل" أن العلاقة بين الدال و المدلول هي علاقة ضرورية أي أن اللفظ يطابق ما يدل عليه في العالم الخارجي و أساس هذا الرأي نظرية محاكاة الإنسان لأصوات الطبيعة،وبهذا فإن العلاقة بين اللفظ ومعناه ضرورية تحاكي فيها الكلمات أصوات الطبيعة،فبمجرد سماع الكلمة نعرف معناها ودلالتها،فكلمة زقزقة مثلا تشير بالضرورة إلى صوت العصفور،وكلمة مواء تشير بالضرورة إلى صوت القطط،الخ.وهذا ما يذهب إليه عالم اللسانيات الفرنسي إيميل نفيست حيث يرى في كتابه ( مشاكل اللسانيات العامة)ان علاقة الدال بالمدلول ضروريـــــــة و ذاتيـــــــــــة الى درجة انه يستحيل الفصل بينهما يقول :" الدال و المدلول ، الصورة الصوتية و التمثل الذهني هما في الواقع وجهان لأمر واحد و يتشكلان معا كالمحتوي و المحتوى"ان العلامة اللسانية بنية موحدة يتحد فيها الدال بالمدلول ، بدون هذا الاتحاد تفقد العلامة اللسانية هذه الخاصية ، كل كلمة تدل على معنى ، وتستحضر صورتها في الذهن ، و كلما كررنا نفس الكلمة ظهرت نفس الصورة مثل لفظ ( ثور) الذي يستحضر في الذهن صورة هذا الحيوان العشبي ،و لا يستحضر صورة حيوان آخر، إذ أصبح اللفظ يطابق ذات الشيئ في العالم الخارجيعندما نقول مسطرة فلأنها تسطر ، سيالة لانها تترك سائلا ، و كذلك بالنسبة للفظ مثلث فلأنه يتكون من ثلاثة أضلاع ، و مربع لأنه يتكون من أربعة أضلاع و دائرة لأنها دائرية . فكل لفظ يعكس طبيعة الشيئ و يعبر عن هويته و لم يوضع بطريقة عشوائية ،و لهذا يقول:" إن العلاقة بين الدال و المدلول ليست إعتباطية بل هي على العكس من ذلك علاقة ضرورية"و يؤكد بنفيست على العلاقة الضرورية بين الدال و المدلول وذلك لأنه عندما يستقبل الذهن كلمة مجهولة يرفضها باعتبارها غريبة لا تحدث أي تصور و لا توحي باي معنى يقول: " ان الذهن لا يحتوي على أشكال خاوية"و لو كانت العلاقة بينهما اعتباطية لاستحدث كل فرد لغة خاصة يتحدث بها لكن الأمر لا يجري على هذا النحو ، الكل يضطر الى التحدث بلغة القوم ، و استعمال نفس الإشارات الصوتية حتى يتم التواصل بينهم.إضافة إلى هذا يؤكد بعض علماء اللغة أن بعض الحروف لها معان خاصة حيث يوحي إيقاع الصوت وجرس الكلمة بمعنى خاص،حنين ، غاص.إسبانية،" . و كيف نفسر تعدد المعاني لنفس اللفظ مثل لفظ مغرب ، فقد يعني وقت الصلاة من جهة ، و بلد عربي من جهة ثانية ، لفظ عادل فهو صفة الإنصاف من جهة و اسم علم من جهة ثانية.الموقف الثاني:"العلاقة إعتباطية" و الفيلسوف أرنست كاسير، و الفيلسوف جون بياجي.حيث يرى عالم اللسانيات السويسري فردنان دوسوسير بأن العلاقة بين الدال بالمدلول علاقة اعتباطية و تحكمية ، بمعنى ان الإنسان هو الذي يسمي الأشياء كما يشاء دون أن تكون لهذه الأسماء علاقة ضرورية و ذاتية بتلك الاشياء ، فما سمي قمرا على سبيل المثال كان من الممكن أن يسمى شمسا فنحن نسميه كذلك بحكم العادة لا غير و الحجة هي ان الإشارات الصوتية التي يتكون منها لفظ قمر (ق- م- ر) يمكن ان نجدها في ألفاظ أخرى مثل رمق ( ر- م-ق) و بالتالي لا تعبر هذه الإشارات عن هوية الأشياء فلا شيئ يجمع القمر بالرمقإضافة إلى هذا فالمعنى الواحد يمكن أن نعبر عنه بألفاظ مختلفة مثل البحر هو اليم ، والقط هو الهر، و الأسد هو الغضنفر و الضرغام و الليث ،الخ أو كأن نقول: الفعل ضرب: ضرب الأستاذ مثالا: "أي أنه أعطى مثالا"،"أي أنه تجول في البلاد"، وضرب الأخ أخته "أي أنه عاقبها بالضرب"، و ضرب البدوي الخيمة، وعليه نجد اللفظ الواحد لخ عدة معان مختلفةو فلو كانت الأشياء هي التي تفرض الاسم بحكم طبيعتها لكانت لغة البشر واحدة وهذا ما يؤكده أرنست كاسير هذا بقوله:" إن الأسماء الواردة في الكلام الإنساني لم توضع لتشير إلى أشياء بذاتها" ،هذا القول يدل على أن الألفاظ وضعت لتدل على معان مجردة وأفكار لا يمكن قراءتها في الواقع المادي، بل إن الكلمة، أو الإشارة لا تحمل في ذاتها أي معنى أو مضمون إلا إذا اتفق عليه أفراد المجتمع،وهذا ما يذهب إليه الفيلسوف بياجي ذلك أن العلاقة بين الدال و المدلول علاقة إعتباطية عفوية و اللفظ لا معنى له إلا إذا تم الإتفاق حول يقول:" إن تعدد اللغات نفسه يؤكد بديهيا الميزة الإصطلاحية للإشارة اللفظية". نقيق الضفدع ، هدير البحر ، سيكولوجيا أو ديمقراطية ، ديكتاتورية ، ليبراليةالتركيب:"توفيقي"وكتوفيق بين الأطروحتين ،مادام الإنسان يحيا في وسط مادي ومعنوي،معنى هذا أن الألفاظ منها ما هو محاكاة للطبيعة ،ومنها ما كان توافقا واصطلاحا بين بني البشر ،فلا يمكن إنكار الموقفين لأننا في الكثير من الأحيان نعي الكلمات بمجرد سماعها وعليه فهي مستوحاة من الطبيعة ، إلا أن هذا لا يرفض التواضع الذي إتفق حوله البشر منذ الأزل و إعطائهم لمعاني لكل لفظ حتى تسهل عملية التواصل بينهم.وحسب رأيي الشخصي فإن العلاقة بين الدال و المدلول تبقى ضرورية و عفوية في الوقت نفسه،فيكمل مباشرة زقزقة العصافير،وعفوية ذلك أن المصطلح الواحد نعبر عنه بعدة لغات بل وبعدة لهجات،فلو طلب منا مثلا حساب عدد اللغات و اللهجات التي توجد في العالم لوجدنا أنها كثيرة و لا تحصى و عليه فاللألفاظ منها ماهو مستوحى من الطبيعة و منها ما هو متواضع عليه من طرف البشر.الخاتمة: