لطالما ظل التحكيم يحتل مكانة مهمة كوسيلة لفض النزاعات يلجأ إليها الأطراف لحل نزاعاتهم عوض اللجوء الى القضاء لما يتميز به هذا النظام من فعالية و ناجعة في حل النزاعات دون تعقيد في المساطر، و مع ظهور التكنولوجيا و تطور مجال التجارة و تزايد نطاق المعاملات الدولية . و كما سبق الذكر في العروض السابقة فان نظام التحكيم يستند في الأساس على سلطان الإرادة و المتمثل في الحرية المخولة للأطراف من اجل اللجوء إلى التحكيم و اختيار الهيئة التحكيمية ، و تحديد لغة ومكان و اجل التحكيم ، و بالتالي فان مراحل عملية التحكيم تتم وفقا لإرادة الأطراف مع مراعاة مقتضيات النظام العام و مبادئ العدالة ، ليتأتى لنا في الأخير الوصول إلى الهدف المتوخى من التحكيم و المتمثل في الحصول على حكم تحكيمي حاسم للنزاع نهائي . فكما سبق الذكر فان الحكم التحكيمي من جهة فهو يقوم على مبدأ سلطان الإرادة كما انه يحل محل الحكم القضائي، الأمر الذي ينتج عنه تضارب في ماهية طبيعة الحكم التحكيمي ، فسلك الفقه 3 اتجاهات حول طبيعة القرار التحكيمي ، و يستندون في ذلك كون اللجوء الى التحكيم مصدره أساسا العقد و بالتالي فالمقرر التحكيمي يستمد حجيته من اتفاق التحكيم . فالمحكم يحسم النزاع ويطبق القانون و مقرراته تحوز حجية الأمر المقضي به و إلزامية تنفيذه بعد تذييله بالصيغة التنفيذية . أما بخصوص الاتجاه الأخير فهو ذو طبيعة مختلطة و هو رأي وسطي أو توافقي حيث يعتبرون التحكيم هو عبارة عن عملية تتم بموجب الاتفاق و تليه إجراءات و بعد ذلك يتكلل بإصدار حكم تحكيمي الذي عند تنفيذه من طرف القضاء يصبح ذات طابع قضائي . و من خلال هذا التقديم يتضح لنا الإشكال التالي : وكيف يتم الطعن في هذه المقررات ؟ سوف نعتمد على التصميم التالي: المبحث الأول : الشروط المتعلقة بإصدار قرار التحكيم ونظام تنفيذه. المبحث الأول : الشروط المتعلقة بإصدار قرار التحكيم ونظام تنفيذه يتعين أن يشمل الحكم البيانات المتعلقة بالخصوم والمحكمين، كالأسماء والصفات والعناوين والجنسيات، وحسب الفصل 24-327 من قانون المسطرة المدنية " يجب أن يتضمن الحكم ألتحكيمي بيان ما يلي: الأسماء العائلية والشخصية للأطراف أو عنوانهم التجاري وكذا موطنهم أو مقرهم الاجتماعي. وإن اقتضى الحال، أسماء المحامين أو أي شخص مثل الأطراف أو أي شخص مثل الأطراف أو مآزرهم. ب): تاريخ ومكان إصدار الحكم لابد أن يشمل حكم التحكيم بيان تاريخ ومكان إصدار الحكم، وتحديد مكان إصدار الحكم يفيد في معرفة المعاملة التي سيعامل بها الحكم بعد صدوره حيث أن قواعد تنفيذ الحكم تتوقف على الدولة التي صدر فيها الحكم. ج): صورة من اتفاق الحكم حيث أن ولاية هيئة التحكيم تتحدد وفقا لهذا الاتفاق ولا يجوز أن تتجاوزه وشمول الحكم لإنفاق التحكيم يسهل الأمر أمام القاضي المختص بالتنفيذ وكذلك القاضي المختص بنظر دعوى بطلان الحكم. ونصت المادة 4 من معاهدة نيويورك، 47 من قانون المسطرة المدنية المغربي، وكذلك المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في المادة 48. يجب على طالب الاعتراف والتنفيذ، ويجب أن يشهد على الترجمة مترجم رسمي أو محلف. كما أن المشرع المغربي، أوجب هذه الترجمة، إذا كانت الوثيقتان المذكورتان أي "أصل الحكم واتفاق التحكيم"، غير محررتين باللغة العربية، اوجب القانون من خلال الفصل 327. أن يشمل الحكم على ملخص لطلبات الخصوم وأقوالهم وما قدموه من مستندات ولا يكفي أن يحيل الحكم إلى الأقوال والطلبات التي ذكرها الخصوم في اتفاق التحكيم. ه): ذكر أسباب الحكم: يجب أن يشمل الحكم على الأسباب التي ينهض عليها الحكم، والقاعدة هي وجوب أن يكون الحكم مسببا، إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك، أو إذا كان القانون الذي يسري على إجراءات التحكيم لا يوجب السبب. المطلب الثاني : القواعد المتعلقة بتنفيذ قرار التحكيم إن المقرر التحكيمي لا يكتسب قوته إلا إذا تم الاعتراف به وتنفيذه من طرف محاكم الموضوع، وذلك وفق قواعد محددة سواء بموجب الاتفاقيات والمعاهدات (أولا)، أو بموجب القانون الداخلي المنظم له وهو قانون المسطرة المدنية المغربي (ثانيا). أولا: تنفيذ القرار بموجب الاتفاقيات والمعاهدات إن الاعتراف بالمقررات التحكيمية الأجنبية كانت وما زالت محط أنظار العديد الدول خاصة تلك التي تعرف انتعاشا من ناحية الاستثمار وتشجيعه، ونظرا لإختلاف النظم القانونية الداخلية خاصة في مجال التحكيم عمدت مختلف هذه الدول إلى وضع قوانين دولية موحدة وهي الاتفاقيات الجماعية (الفقرة الأولى)، وكذا اتفاقيات ثنائية بين دولتين مختلفتين قصد تشجيع الاستثمار (الفقرة الثانية). الفقرة الأولى : تنفيذ القرارات التحكيمية بموجب الاتفاقيات الدولية الجماعيــــة جرت محاولات عديدة وحثيثة بهدف توحيد القواعد الخاصة بالاعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية حيث تم عقد العديد من الاتفاقيات الدولية أهمها اتفاقية نيويورك لسنه 1958، واتفاقية واشنطن لعام 1965، فجميع هذه الاتفاقيات تركت إجراء تنفيذ القرار التحكيمي إلى القواعد القانونية للبلد المراد تنفيذ الحكم فيه، بالإضافة إلى حصر رقابة المحكمة أو الجهة المختصة بإضفاء الصفة التنفيذية للقرار على مراجعة القرارات لمعرفة استيفائها للشروط الشكلية وإتباع القواعد الإجرائية بشكل صحيح. اتفاقية نيويورك لسنة 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وأهم ملامح هذه الاتفاقية أنها تأخذ بمعيار مكان إصدار الحكم لمعرفة الحكم الأجنبي بالنسبة للدولة المراد الاعتراف وتنفيذ الحكم فيها، عملا بالفقرة الأولى من المادة الأولى من الاتفاقية، وتسري الاتفاقية أيضا على أحكام التحكيم التي يكون فيها أطراف النزاع كلا أو بعضا من أشخاص القانون العام كالمؤسسات أو أشخاص القطاع الاشتراكي عند ممارستها للنشاط التجاري أو عند تعاقدها بموجب عقود تتعلق بمعاملات تجارية. تعد اتفاقية نيويورك[3] من أهم الاتفاقيات الدولية التي عنيت بتنفيذ أحكام التحكيم الدولية سواء من ناحية عدد الدول المنضمة إليها، أو من ناحية نطاق تطبيق قواعدها الذي يستهدف تحقيق الطابع العالمي لها وإرساء مجموعة من الحلول التي تتفق والغاية من التحكيم وحاجة العالم المعاصر، ولا تزال لها فوائدها على الرغم من وجود اتفاقيات دولية أخرى إقليمية تعني بنفس الموضوع، و- أن الحكم لم يصبح ملزما للخصوم أو ألغته أو أوقفته السلطة المختصة في البلد التي فيها أو بموجب قانونها صدر الحكم ". ويكون اللجوء إلى حسم النزاع وفقا للاتفاقية بطلب كتابي لم تحدد الاتفاقية صياغة محددة له ثم يمكن للدول أآن تضع في قوانينها الخاصة بالاستثمارات نصا يقضي بفض المنازعات الناشئة عن هذه الاستثمارات بنظام التحكيم، ووفقا لأحكام اتفاقية واشنطن كذلك للدول أن تضع نصا لهذا المعنى في الاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بالاستثمار وفي حالة اختلاف الأطراف تتةلى المحكمة تطبيق قانون الدولة المتعاقدة التي هي طرف في النزاع بما في ذلك القواعد الخاصة بتنازع القوانين كما تطبق المحكمة أيضا مبادئ القانون الدولي التي تتعلق بموضوع النزاع. وقد أقرت الاتفاقية في أحكامها أن حكم التحكيم يكون ملزما للأطراف وغير قابل للطعن إلا في الحالات المنصوص عليها في اتفاقية. الفقرة الثانية : تنفيذ القرارات التحكيمية بموجب الاتفاقيات الثنائية بالإضافة إلا أن بعض الاتفاقيات ذكرت الوثائق والمستندات التي يجب أن ترفق مع الطلب المقدم من الطرف الذي يطلب تنفيذ القرار من الجهة المختصة في الدولة المراد التنفيذ فيها. والمغرب قد أبرم العديد من الاتفاقيات في هذا المجال سواء مع دول عربية ( كتونس، والجزائر، أو دول غربية (كفرنسا – المادة 8 - ، وإيطاليا – المادة 9 - ، وإسبانيا – المادة 11 و 12 - ، و. ثانيا: تنفيذ القرار بموجب قانون المسطرة المدنية المغربي إن السؤال الذي يثور هنا : من هي السلطة القضائية المخول لها منح الصيغة التنفيذية لقرار التحكيم الدولي ؟ يشترط في كثير من القوانين المقارنة إعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي لسلطة عامة، وغالبا ما تكون هذه السلطة هي السلطة القضائية. والمشرع المغربي أعتبر السلطة القضائية المخول لها ذلك ممثلة في رئيس المحكمة التجارية التي صدرت في دائرتها، أو رئيس المحكمة التجارية التابع لها مكان التنفيذ إذا كان مقر التحكيم بالخارج. ( الفقرة 2 من المادة 327-46 من قانون المسطرة المدنية) المبحث الثاني : الرقابة القضائية على قرار التحكيم المطلب الأول : تعدد النظم المتعلقة بتنفيذ قرار التحكيم لكن تنفيذ الحكم التحكيمي لا يتم إلا بعد تخويله الصيغة التنفيذية من قبل الجهات القضائية المختصة(الفقرة الثانية) أولا: الاثار المترتبة على قرار التحكيم( تنفيذ القرارات التحكمية) يصدر المحكم أو المحكمين، الحكم في الموضوع، ومنطوق الحكم ومحل إصداره، هكذا إذا رضي الأطراف بالحكم الصادر عن المحكم أو المحكمين، فإنهما ينفذانه تلقائيا وطواعية، أما إذا لم يقبل أحدهما بهذا الحكم، فإنه لا يمكن اللجوء إلى طرق التنفيذ الجبري إلا بعد منح الأحكام التحكمية الصيغة التنفيذية من لدن الجهة القضائية المختصة، وهنا ينبغي التمييز بين القرارات التحكمية الوطنية والقرارات التحكمية الأجنبية. ثانيا:الجهات القضائية المختصة بالرقابة غلى قرار التحكيم ويقوم بمنح الصيغة التنفيذية لحكم المحكمين في المادة التجارية، والتي جاء فيها: "يمارس رئيس المحكمة التجارية الاختصاصات المسندة إلى رئيس المحكمة الابتدائية بموجب قانون المسطرة المدنية وكذا الاختصاصات المخولة له في المادة التجارية" ويشترط أن يتم تقديم هذا الطلب بواسطة محامي ويتعين إرفاق هذا الطلب بأصل الحكم التحكيمي – الموقع عليه من طرف المحكم أو المحكمين –ولا يصدر الرئيس أمره بالتنفيذ إلا بعد الإطلاع على وثيقة التحكيم "للتأكد من أن الحكم التحكيمي غير معيب ببطلان يتعلق بالنظام العام وخاصة بخرق مقتضيات الفصل 306"ّ. وبالرغم من تطبيق القواعد المتعلقة بالنفاذ المعجل على أحكام المحكمين، فلم يعد من الجائز تنفيذ أحكام المحكمة الأجنبية، بالإضافة إلى اتفاقيـة واشنطـن (B. وأصبح دولة متعاقدة فيها بتاريخ 10/06/1967 (المرسوم عدد 564 – 65). وهناك الاتفاقيات الثنائية المبرمة مع بعض الدول، والتي انضم إليها المغرب في 07/09/1981، والتي صادق عليها المغرب في 16/12/1983، وكذلك اتفاقية عمان للتحكيم التجاري الموقعة في الأردن بتاريـخ 04/04/1987. يتم بناء على الفصل 19 من ظهير 12/08/1913 المتعلق بالوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب، فهل يعني هذا السكوت أن القضاء المغربي لا يأذن بتنفيذ القرار التحكيمي الصادر في الخارج إلا إذا كان قانون تلك الدولة يقبل بدوره تنفيذ القرارالتحكيمي الصادر في المغرب بنفس الشروط وفي نفس الحدود؟ أم أنه رغم سكوت المشرع فإن القضاء يأخذ بشرط المعاملة بالمثل؟. ومن ورائه القضاء، ويلاحظ من استقراء الاتفاقيات المذكورة أعلاه، أنها تستلزم نفس الشروط التي تشترطها لتنفيذ الأحكام القضائية، ورفعها لعبء إثبات شديد عن كاهل طالب التنفيذ، كان كثيرا ما يقف عقبة أمامه،