إننا إذ نمر بلحظات انفعالٍ، من فرح أو حزن ندندن أصوانًا فارغة من أي معنى، نلحتها بما يشبه المشاعر التي نعيشها ، ثم تتكامل هذه الدندنات لاحقا مع الكلمات لتشكل «أغنية» تعبّر عن أحاسيسنا وذواتنا. هذا ما ستضيء عليه هذه المقابلة مع بدايةً، أهلا بك ضيفًا يكتب لنا اللحن ويلحن الكلمة، سننطلق مع أسئلتنا : 1. أيُّهما يؤثر في نجاح الأغنية أكثر اللحن أم الكلمات؟ نصادف أحيانًا أغنية تعجبنا كلماتُها، أو العكس من ذلك، اللحن جميل ولكن لا تحركنا الكلمات للانسجام معه. كي يكون الشيء ناجحًا يحتاج إلى التوازن والانسجام، فيمكن لاختلال جزءٍ مُعيّن أن يُفسد الكل. فالشعر كما الموسيقى هو فن سمعي، وكلاهما يعتمدان على الأداء الصوتي، فلغة الموسيقى هي اللحن، ولذلك كانا أو يكمل أحدهما الآخر، فالشاعر ينظم والموسيقار يلحن لتكون الأغنية. يتحدان إن الأصل في نشأة الأغاني هو أن تكون باللغة المحكية التي يتكلمها الناس، وهي الأقرب إلى تفاصيل حياتهم، والأقدر على عكس مشاعرهم، ما يطلق عليه «الغناء الشعبي». والمحتفلين في الأعراس، والصيادين فوقَ مراكب الصيد، والحداة في الصحاري ؛ الذين كانوا يُطلقون العنان لأنغام نابعةٍ مِن وجدانِهِم ثمَّ يُضيفون على النغم الكلمات الصادرة عن تجاربهم. 2. هل يمكن تقديم اللحن ذاته على أكثر من قصيدة؟ بكل تأكيد، يمكن تقديم اللحن ذاته على أكثر من قصيدة، وتنوّع المقامات الشرقية وأساليب التوزيع النغمي الذي يتماشى مع المواضيع كلها. ولكن لا بد من الالتفات إلى نوعين من التشابه في اللحن ؛ تشابه عام في الأسلوب وهذا يعود إلى الذوق الفني السائد في الفترة التي تلحنُ فيها القصيدة ، وتشابه في الجمل اللحنية الذي إذا أصبح متواترا تعرّض الملحن للملاحقة القانونية لما يعد «سرقة ألحان». هو تكامل اللحن والنص الشعري، غير أنا بداية يجذبنا جميعًا اللحن والإيقاع، ولا تلقي بالا للكلمات، فلا نفقه من كلماتها شيئا ولكننا ندندن لحنها، كذلك يمكنك أن تكون متقنا للإنجليزية والفرنسية مثلا، ولكن ماذا عن أغانٍ تسمعها باليابانية والصينية والكورية؟ لكننا متوافقون جميعًا على أنه عندما نعيش لحظات عاطفية فإن اهتمامنا بالكلمات يزداد، وللحظة تصبح الأغنية معبّرة عنا، وكأنّنا نحن من كتب تلك الكلمات ونصرخ «هناك أخيرًا من يفهم مشاعرنا !». لقد ذكرني هذا بأمر ما، وأحب الأغنية جدًّا، وللأسف، لكنّي قررتُ عن وغي لاواع مني أن أتجاهل بعض الترجمات حتى احتفظ بحبي الطفولي لهذه الأغاني التي ترتبط بذكرياتي ارتباط الطفل بلعبه. 4. ما العلاقة بين الإيقاع الهادئ والإيقاع الصاخب من جهة، فالأغنية الحماسية مثلا تتطلب إيقاعًا عالي الوتيرة صاخبًا إلى حد ما ليتماشى مع النص، على عكس الأغاني ذات الطابع الرومانسي الهادئ. إن استخدام الآلات الموسيقية الملائمة قد يُساعد في إيصال رؤية النص الشعري، فعلى سبيل المثال، آلات النفخ النحاسية هي عامل أساسي في بن روح الحماسة وشدّ الهمم في الأغاني ذات الطابع الثّوري ، مع وجود إيقاع صاخب لبناء عملٍ متكامل. 5. هل يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يولّد أغنية كاملةً : قصيدةً ولحنا؟ وما مدى نجاح هذه الفكرة؟ لطالما ارتبط عالم الأغنية لحنا وشعرًا بالموهبة الفنّيّة، ولكن أن يقتحم الذكاء الاصطناعي عالم الأغنية، وأن يُصار إلى تأليف ألحان من خلال برامج محوسبة، فذلك أمر مستغرب غير أنه واقع. فقد قدم الذكاء الاصطناعي السمفونية العاشرة لبيتهوفن، وهناك خطرٌ آخر ينبع من قُدرةِ الذكاء الاصطناعي على الاستيلاء على البصمة الصوتية لأي مطرب راحلٍ أو حيّ ، والعمل على تأليف أغنية كاملة بصوته من دون الرجوع لأي حق قانوني أو تصريح من أصحاب حقوق النشر. ومع هذه التقنية - أي الذكاء الاصطناعي - يبقى القادم مجهولا في ما يخص انعكاسه على الموهبة الفنّية للأشخاص، وستظهر الأيام القادمة أكانت نعمة أم نقمة في عالم الفن؟ 6. هل هناك كلمة أخيرة نختم بها المقابلة؟ وأخيرا، لو تأملنا الحياة لوجدنا أن الأغاني هي تلك السلسلة التي تجمع كل أطرافها، إذ تمضي بصحبة الناس بين مشهدٍ وآخر، وترسم خلفيات لأحداثهم الهامة أو العابرة باثةً فيها إيقاع الحياة.