يَتَكَلَّمُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَنِ الْحَقِّ وَالْقُوَّةِ كَمَا لَوْ كَانَا فِي تَنَافُسِ أندِي، فَالْحَرْبُ بَيْنَهُمَا أَبَداً سَجَالٌ. وَهُنَاكَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مِنَ الْحَقِّ وَصِيفَةً لِلقوة أو طلا ملازماً لها فحينما كانَتِ الْقُوَّةُ كَانَ الْحَقُّ بِجَانِبِهَا: الْحَقُّ لِلْقُوَّةِ) وَإِنْ أَنتَ تَجَاهَرْتَ وَسَأَلْتَهُمْ : وَكَيْفَ يَكُونُ الْحَقِّ لِلْقُوَّةِ؟ " أَجَابُوكَ بِازْدَرَاءِ الْفَاهِم وَثَقَةِ الْعَالِمِ: لَعَلَّكَ أَعْمَى؟ أَمَا تَرَى السَّمكة الكبيرة تَزْدَرِدُ الصَّغِيرَةَ، وَالأُمَّةَ الْقَوِيَّةَ تَتَحَكُمُ فِي الضَّعِيفَة ؟ أما تَرَى الذَّنْبَ يَفْتَرِسُ الْحَمَلَ، وَالصَّقْرَ يُمَرِّقُ الْعُصْفُورَ وَمَا كَانَ لِلسَّمَكَةِ الْكَبِيرَةِ وَالأُمَّةِ القَوِيَّةِ، وَلا للذنب والصَّقْرِ مِثْلُ ذَلِكَ الْحَقِّ لَوْلَا الْقُوَّةُ. وَيَا لَيْتَ الْقَائِلِينَ هَذَا الْقَوْلَ يَسْأَلُونَ أَنْفُسَهُمْ: مَا الْقُوَّةُ؟ وَأَبْنَ هِيَ وَلِمَنْ هِي فِي عَالَم يَتَنَازَعُهُ الْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ رفَتِهِ الدِّيرَ، يُكْرِهُهُ عَلَى جَرِّ الْمِحْرَاثِ فِي الْحَقْلِ بغير القطاع ؟ فَهْلِ الْقُوَّةُ أَنْ تَكُونَ لَكَ رَقَبَةٌ غَلِيظَةٌ، وَعَضَلاَتٌ مَفْتُولَةٌ وَلَكِنَّ وَلَداً صغيراً يَسُوقُ التَّوْرَ، وَيَضَعُ عَلَى وَأَيْنَ رَقَبَةُ الْوَلَدِ مِنْ رَقَبَةِ الثَّوْرِ وَعَضَلَاتُهُ مِنْ عَضَلَاتِهِ ؟ لا يَا صَاحِبِي، لَيْسَتِ الْقُوَّةُ لِلسَّمَكَةِ الْكَبِيرَةِ دُونَ الصَّغِيرَةِ، إِنَّهَا لِلْحَيَاةِ الَّتِي مِنْهَا وَبِهَا وَفِيهَا كُلُّ حَيَاةِ الْقُوَّةُ هِيَ أَنْ تُغَالِبَ نَفْسَكَ فَتَغْلِبَهَا، وَمُعَالَبَةُ النَّفْسِ إِنَّمَا تَعْنِي تَنْقِيَةَ الْفِكْرِ وَالْقَلْبِ مِنْ كُلِّ شَهْوَةٍ وَنِيَّةٍ تُضْعِفُكَ وَتُؤْذِيكَ، فَتُضْعِفُ بِذَلِكَ سِوَاكَ وَتُؤْذِيهِ. لأَنَّ حَيَانَكَ مُرْتَبِطَةٌ أَوْثَقَ الْإِرْتِبَاطِ بِحَيَاةِ غَيْرِكَ. فَالْعِشُ ضُعْفٌ لَكَ وَلِلنَّاسِ، وَمِثْلُهُ الطَّمَعُ وَالْحِقْدُ وَالْبُغْضُ وَالْكَذِبُ وَالنَّمِيمَةُ، وَعَلَى عَكْسِهَا الصِّدْقُ وَالْقَنَاعَةُ وَالْعِفَّةُ وَالصَّفْحُ وَالْمَحَبَّةُ، فَهَذِهِ كُلُّهَا قُوَّةٌ وَخَيْرٌ لَكَ وَلِإِخْوَانِكَ النَّاسِ. وَلَنْ تَصْدُقَ مَعَ نَفْسِكَ حَتَّى تُحِبَّ الْكَوْنَ مَحَبَّتَكَ لِنَفْسِكَ. وَعِنْدَئِذٍ تَعْرِفُ أَنَّ الْمَحَبَّةَ وَحْدَهَا هي القوة التي لها الحق ،