أخذت فرنسا تتقبل بتدرج فكرة الأدب الذي لا ينتمي لبلد بعينه أو عصر بذاته و كأنما قررت أن تفتح صدرها للأدب أيا كان مصدره و نكهته ، خاصة بعد أن أصدرت مدام دستا يل كتابها في ألمانيا سنة 1810 و ذكرت فيه ما نصه و لابد للأمم أن تتواصل فيما بينها و تهدي إحداهما غيرها . و من الخير للأمة أن ترحب بالأفكار التي ترد إليها من الخارج. 5 فإن الأمة المضيافة في هذا الخصوص هي التي تزعم على أن اهتمام " مدام دستايل" كان منصبا بالأكثر على المسائل الاجتماعية لا على المسائل الأدبية و لكن تأثيرها ظل واضحا لعدة أجيال و لم يبدأ تأثيرها على الأدب والنقد يأخذ مجراه الحقيقي إلا عندما ظهر الناقد الفرنسي الكبير هيب ولين تين الذي أكد أهمية الأصل العرقي و ظروف المكان و الزمان ، وقد احتفظت نظريته بسحرها لدى النقاد حتى نهاية القرن 19 ، و على الرغم من أنها كانت دعوة للإقليمية و الخصوصية إلا أنها شحذت الاهتمام بالأدب المقارن الذي ازدهر في الحرب العالمية الأولى.لقد وصل الأدب المقارن إلى مرحلة النضج في العقدين الأخيرين من القرن 19 و أصبح له وضعه المستقبل و مباحثه الخاصة و كان أول من استخدم تعبير الأدب المقارن كاتبان فرنسيان هما نوبل ولابس فقد وضعا كتابا جمعا فيه سلسلة من النصوص اللاتينية ، الفرنسية والإنجليزية وسمياه مقررا في الأدب المقارن " إلا أنه ساعد على إشاعة التعبير و اتساعه من جانب القراء . 1 و أول من تبنى مادة الأدب المقارن وأصبح بحق هو الأدب الروحي للدراسات الأدبية المقارنة هو الأستاذ فيلمان Villemain الذي ألقى سنة 1869 محاضرة في جامعة السريون سماها " فحص الأثر " الذي تركه كتاب فرنسا في القرن 18 على الآداب الأخرى و على العقلية الأدبية و في كتابه اللاحق عن الأدب الفرنسي. 2 و ما إن دخلت سنة 1890 حتى أصبح الأدب المقارن مادة من مواد الدراسة الأكاديمية في الجامعة الفرنسية ن ثم ما غن جاءت سنة 1897 حتى كان هناك كرسي للأدب المقارن في جامعة "ليون " Lyon " و كان الأستاذ "تكسن Tocsin " أول من شغل الكرسي في جامعة ليون و انصبت محاضرته على تقصي الأثر الألماني في الأدب الفرنسي منذ عصر النهضة ، و قد أصر في محاضرته على أن الأدب المقارن ليس علما دقيقا منضبطا كسائر العلوم الطبيعية التجريبية .و في سنة 1900 نشر لوي بول يبتز Louis Paul Batz " الطبعة الأولى من كتابه الذي حصر فيه مراجع البحث في مادة الأدب المقارن وقد سماه Bibliographie de littérature comparée و اختار الأستاذ تكسن ليكتب مقدمته، و جاء في هذه المقدمة بيان لأنواع المباحث الذي يتناولها الأدب المقارن و هي أولا مسائل نظرية و مسائل عامة ، وثانيا الفولكلور أو التراث الشعبي المقارن وثالثا الدراسة المقارنة للآداب الحديثة ورابعا تاريخ شامل للأدب في كل زمان و مكان . و في تلك السنة أيضا انعقد في باريس مؤتمر عالمي جمع أساتذته الأدب في فرنسا 2 و خارجها حيث بحثوا فيها و سمي . ذلك بالتاريخ المقارن للآداب . و من الأسماء اللامعة في سماء الأدب المقارن في فرنسا فان تنجم ، ويقترن اسمه بأول محاولة منطقية منظمة في هذا المجال أودعها كتابه الذي سماه الأدب المقارن و قد بدأ تنجم مشواره في الأدب المقارن 1911 عندما شارك في الكتابة لمجلة" الشامل في التاريخ" Revue De Synthèse historique و نشر في مجلة "الأدب المقارن" سنة 1921 مقالة هامة عنوانها " التركيب التكاملي في التاريخ أو العلاقة بين الأدب المقارن و الأدب 3. La synthèse en histoire littérature