كان ذلك من زمن بعيد لست أذكره . ربما كنت أدرج من الثالثة عشرة إلى الرابعة عشرة و ربما قبل ذلك . حينما بدأت أتساءل في تمرد :- تقولون إن الله خلق الدنيا لأنه لا بد لكل مخلوق من خالق و لا بد لكل صنعة من صانع و لا بد لكل موجود من موجد . فلتقولوا لي إذن من خلق الله . فإذا كان قد جاء بذاته وصحّ في تصوركم أن يتم هذا الأمر . فلماذا لا يصح في تصوركم أيضاً أن الدنيا جاءت بذاتها بلا خالق و ينتهي الإشكال .كنت أقول هذا فتصفر من حولي الوجوه و تنطلق الألسن تمطرني باللعنات و تتسابق إليّ اللكمات عن يمين و شمال . و يستغفر لي أصحاب القلوب التقية و يطلبون لي الهدى . و يتبرأ مني المتزمتون و يجتمع حولي المتمردون . فنغرق معاً في جدل لا ينتهي إلا ليبدأ و لا يبدأ إلا ليسترسل .و تغيب عني تلك الأيام الحقيقة الأولى وراء ذلك الجدل . إن زهوي بعقلي الذي بدأ يتفتح و إعجابي بموهبة الكلام و مقارعة الحجج التي انفردت بها . و ليس البحث عن الحقيقة و لا كشف الصواب .لقد رفضت عبادة الله لأني استغرقت في عبادة نفسي و أعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي و بداية الصحوة من مهد الطفولة .