المعلّقات لغةً من العِلْق : وهو المالالذي يكرم عليك ، تقول : هذا عِلْقُ مضنَّة . وما عليه علقةٌ إذا لم يكنعليه ثياب فيها خير ، وأمّاالمعنى الاصطلاحي للمعلّقات :فهي قصائد جاهليّة بلغ عددها السبع أو العشر ـ على قول ـبرزت فيها خصائص الشعر الجاهلي بوضوح ، والناظر إلى المعنيين اللغوي والاصطلاحي يجد العلاقة واضحة بينهما ، فهي قصائد نفيسة ذات قيمة كبيرة ، ولم يصل الشعر العربي إلى ما وصل إليهفي عصر المعلّقات من غزل امرئ القيس ، وفخر ابن كلثوم ، إلاّ بعدأن مرّ بأدوار ومراحل إعداد وتكوين طويلة . سبب تسميتها بالمعلّقات هناك أقوال منها : لأنّهم استحسنوها وكتبوها بماء الذهب وعلّقوها على الكعبة ، وهذا ماذهب إليه ابن عبد ربّه في العقد الفريد ، وابن رشيق وابن خلدون وغيرهم ، يقول صاحبالعقد الفريد : « وقد بلغ من كلف العرب به (أي الشعر) وتفضيلها له أن عمدت إلى سبعقصائد تخيّرتها من الشعر القديم ، فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة ، وعلّقتها بين أستار الكعبة ، فمنه يقال : مذهّبة امرئ القيس ، ومذهّبة زهير ، وقد يقال : المعلّقات ، قال بعض المحدّثين قصيدة له ويشبّهها ببعض هذه القصائد التي ذكرت : برزةٌ تذكَرُ في الحسـ ـنِ من الشعرالمعلّقْ أو أن الملك إذا ما استحسنها أمر بتعليقها في خزانته . فبعض يثبت التعليق لهذه القصائدعلى ستار الكعبة ، المثبتون للتعليق وأدلّتهم : لقد وقف المثبتون موقفاً قويّاً ودافعوابشكل أو بآخر عن موقفهم في صحّة التعليق ، ففي العقد الفريد ذهب ابن عبد ربّه ومثله ابن رشيق والسيوطي وياقوتالحموي وابن الكلبي وابن خلدون ، لأنّها كتبتفي القباطي بماء الذهب وعلّقت على أستار الكعبة ، وذكر ابن الكلبي : أنّ أوّل ماعلّق هو شعر امرئ القيس على ركن من أركان الكعبة أيّام الموسم حتّى نظر إليه ثمّاُحدر ، فعلّقت الشعراء ذلك بعده . وأمّا الأدباء المحدّثون فكان لهم دور في إثبات التعليق ، وعلى سبيل المثال نذكر منهم جرجي وأيّغرابة في تعليقها وتعظيمها بعدما علمنا من تأثير الشعر في نفوس العرب؟! وأمّاالحجّة التي أراد النحّاس أن يضعّف بها القول فغير وجيهة ; لأنّه قال : إنّ حمّاداًلمّا رأى زهد الناس في الشعر جمع هذه السبع وحضّهم عليها وقال لهم : هذه هيالمشهورات ، وبعد ذلك أيّد كلامه ومذهبه في صحّة التعليق بما ذكره ابن الأنبا ري إذيقول : وهو ـ أي حمّاد ـ الذي جمع السبع الطوال ، ولميثبت ما ذكره الناس من أنّها كانت معلّقة على الكعبة . أي ابنالأنباري يتعجّب من مخالفة النحاس لما ذكره الناس ، ولعلّ أوّلهم والذي يعدُّ المؤسّس لهذا المذهب ـ كماذكرنا ـ هو أبو جعفر النحّاس ، ولم يثبت من أنّها كانت معلّقة على الكعبة ، نقل ذلك عنه ابن الأنباري . فكانت هذه الفكرة أساساً لنفي التعليق : وقد سمّاها بالسموط والمعلّقات للدلالة على نفاسة ما اختاره ، ورفض القول : إنّها سمّيت بالمعلّقات لتعليقها على الكعبة ، ألا ترى شاعرهم حيث يقول : ترد المياه فـما تزال غريبةً في القوم بين تمثّلوسماعِ؟ ودليله الآخر على نفي التعليق هو أنّ القرآن الكريم ـ على قداسته ـ لميجمع في مصحف واحد إلاّ بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وسلم) (طبعاً هذا على مذهبه) ، وذهب إلى أنّها من الأخبار الموضوعة التي خفي أصلهاحتّى وثق بها المتأخّرون . فقد رفض فكرة التعليق لأمورمنها : لميذكر وجود معلقة أو جزء معلّقة أو بيت شعر فيها . ولهذا كلّه لم يستبعد الدكتور جواد علي أن تكون المعلّقاتمن صنع حمّاد ، بعد استعراضنا لأدلة الفريقين ، اتّضحأنّ عمدة دليل النافين هو ما ذكره ابن النحاس حيث ادعى أن حماداً هو الذي جمع السبعالطوال . وجواب ذلك أن جمع حماد لها ليس دليلا على عدم وجودها سابقاً ، وإلاّانسحب الكلام على الدواوين التي جمعها أبو عمرو بن العلاء والمفضّل وغيرهما ، ولاأحد يقول في دواوينهم ما قيل في المعلقات . وأيضاًقول الفرزدق يدلنا على وجود صحف مكتوبة في الجاهلية : أوصىعشية حين فارق رهطه عند الشهادة في الصحيفة دعفلُ أنّ ابن ضبّة كـان خيرٌ والداً وأتمّ فيحسب الكرام وأفضلُ ويفهم من بعضالأبيات أنّه كانت بين يديه مجموعات شعرية لشعراء جاهليين أو نسخ من دواوينهم بدليلقوله : والجعفري وكان بشرٌ قبله لي من قصائده الكتابالمجملُ كما روي أن النابغة وغيره من الشعراء كانوا يكتبون قصائدهم ويرسلونهاإلى بلاد المناذرة معتذرين عاتبين ، حتّى كان من أمر المختار بن أبي عبيد و إخراجه لها بعد أن قيل له : إنّ تحت القصركنزاً . فالتاريخ ينقل لنا أنّ كتاباً كتبه أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة في حلف خزاعة لعبدالمطّلب ، وعلّق هذا الكتاب على الكعبة . كما أنّ ابن هشام يذكر أنّ قريشاً كتبتصحيفة عندما اجتمعت على بني هاشم وبني المطّلب وعلّقوها في جوف الكعبة توكيداً علىأنفسهم . ويؤيّد ذلك أيضاً ما رواه البغدادي في خزائنه من قول معاوية : قصيدةعمرو بن كلثوم وقصيدة الحارث بن حِلزه من مفاخر العرب كانتا معلّقتين بالكعبة دهراً . كما أنّه ليس هناك مانع عقلي أو فنّي من أن العرب قد علّقوا أشعاراًهي أنفس ما لديهم ، ومن جهة أخرىكان للشاعر المقام السامي عند العرب الجاهليين فهو الناطق الرسمي باسم القبيلة وهولسانها والمقدّم فيها ، وذلك لأنّ حمّاداً يعرف قيمة القصيدة ومايلازمها لرفعة من قيلت فيه بين القبائل . فإذا كان للشعر تلك القيمة العالية ، فما المانع من أن تعلّق قصائدهي عصارة ما قيل في تلك الفترة الذهبية للشعر؟ ثمّ إنّه ذكرنا فيما تقدّم أنّ عدداً لايستهان به من المؤرّخين والمحقّقين قد اتفقوا على التعليق . فقبولفكرة التعليق قد يكون مقبولا ، وأنّ المعلّقات لنفاستها قد علّقت على الكعبة بعدماقرئت على لجنة التحكيم السنوية ، فهناك يأتيالشعراء بما جادت به قريحتهم خلال سنة ، وعلّقت على جدران الكعبة أقدس مكانعند العرب ، موضوع شعر المعلّقات: وقد بدأ عمرو بن كلثوم مثلاً بوصف الخمر ، ينتقل أحدهمإلى وصف الراحلة ، ثمّ إلى الطريق التي يسلكها ، بعدئذ يخلص إلى المديح أو الفخر (إذا كان الفخر واحد منها مقصود لذاته (كالغزل عند امرئ القيس ، والمديح عند زهير . وزهير ، وعمرو بن كلثوم . حلزة ، ومنهم من يدخل فيها قصيدتي النابغة والأعشى ، امرؤ القيس أبوه :حجر بن الحارث ، التي كانتتبسط نفوذها وسيطرتها على منطقة نجد من منتصف القرن الخامس الميلادي حتى منتصفالسادس . اُمّه :فاطمة بنت ربيعة اُخت كليب زعيم قبيلة ربيعة منتغلب ، واُخت المهلهل بطل حرب البسوس ، وكانيشبّب بنساء منهنّ فاطمة بنت العبيد العنزية التي يقول لها فيمعلّقته : وقد طرده أبو ه على أثرذلك . ثمّ آلى أن لا يأكل لحماً ولا يشرب خمراً حتّى يثأر لأبيه29 . وهي فترة طلب الثأر من قَتَلة أبيه ، ويتجلّى ذلك من شعره ، الّذي قاله فيتلك الفترة ، حيكت حولها كثيرمن الأساطير ، التي اُضيفت فيما بعد إلى حياته . حيث أضافوا إلىحياتهم ما لم يدلّ عليه دليل عقلي وجعلوها أشبه بالأسطورة . ولكن لا يعني ذلك أنّكلّ ما قيل حول مرحلة امرئ القيس الثانية هو اُسطورة . والمهم أنّه قد خرج إلىطلب الثأر من بني أسد قتلة أبيه ، فبعث إليه قيصر مع رجل من العرب كان معه يقال له الطمّاح ، بحلّةمنسوجة بالذهب مسمومة ، فلمّا وصلت إليه الحلّة اشتدّ سروره بها ولبسها ، فأسرع فيهالسمّ وتنفّط جلده ، وبُدِّلْتُ قرحاً دامياً بعد صحّة فيالك نُعمى قد تحوّلُأبؤسا ورأى قبراً لامرأة من بناتملوك العرب هلكت بأنقره فسأل عنها فاخبر ، أجارتنا إنّ المزار قريبُ وإنّي مقيم ما أقامعسيبُ أجارتَنا إنّا غريبانِ هاهنا وكلّ غريب للغريب نسيبُ وقد عدَّ الدكتور جواد عليوالدكتور شوقي ضيف وبروكلمان وآخرون بعض ما ورد في قصّة امرئ القيس وطرده ، وسبب موته بالحلة المسمومة ، وتسميته ذا القروح منالأساطير . قالوافيه : 2 ـ الإمام علي(عليهالسلام) : سُئل من أشعر الشعراء؟ فقال : 5 ـ لبيد بن ربيعة : أشعرالناس ذو القروح . البحر : الطويل . 21 : في بعض مواقف له . ويومَعقرت للعِذارى مطيّتي فيا عجباً من رحلِهاالمتحمّلِ وحرمه الراحة والهدوء; ويُطير النوم من عينيه ، ويأخذه في دوامة تقلّبه هنا وهناكلا يعرف أين هو ، ولا كيف يسير ولا ماذا يفعل ، ويلقي عليه بأحماله ، . يقول : وليلكموج البحرِ أرخى سدوله عليّ بأنواع الهمومِليبتلي فأنت أمام وصف وجداني فيه منالرقّة والعاطفة النابضة ، وامتزج ليلالنفس بليل الطبيعة ، وانتقل الليل من الطبيعة إلى النفس ، وانتقلت النفس إلى ظلمةالطبيعة . وهو وصف رائع لفرسه الأشقر ، وكأنّهجلمود صخر يهوى به السيل من ذورة جبل عال . ثمّ يستطرد في ذكر صيده وطهيالطهاة له وسط الصحراء قائلاً : فظلّطهاةُ اللحمِ ما بين منضج صفيف شواء أو قديرمعجّلِ يقول : كلمعِ اليدين في حبيٍّمكَلّلِ