ولكن على الرغم من أننا نجدها في مواضع متفرقة طوال تاريخ التفكير النظرى الجمالي، فأنها لم تصبح ذات أهمية رئيسية في دراسة الاستطيقا إلا في القرن الثامن عشر. فلنحاول إذن أن نتبين بعض الأسباب التاريخية التي أدت إلى ذلك. أو لأنه يجعل الناس أفضل من الوجهة الأخلاقية، ولعل القارى يدرك أن قيمة الفن تقدر في كل هذه الحالات بناء على ما يؤدى إليه من النتائج، ولكن حدث في القرون الأخيرة تحول ملحوظ نحو الاهتمام بالأهمية الاستطيقية للفن. التغير الضخم في مركز الفنان في المجتمع. فقد أخذ يزداد انفصالا عن بقية مجتمعه، وإنما أصبح ينظر إلى نفسه على أنه مميز عن الباقين بفضل قدراته الخلاقة أو "عبقريته". ولعل أبلغ الأمثلة دلالة على ذلك هي الموسيقى فطوال التاريخ الاجتماعى كانت الموسيقى فنا تابعا لأوجه نشاط أخرى . ولكن الموسيقين أخذوا طوال القرن التاسع عشر يزدادون ميلا إلى كتابة موسيقى يقصد منها أن تتذوق لذاتها. وعلى ذلك فإن الموسيقى التي لا تخدم أي غرض سوى أن تسمع هي تطور حديث نسبيا من الوجهة التاريخية. فهناك عدد من القوى الاجتماعية والحضارية عملت على زيادة عزلة الفنان فهو أولا ينفر من قبح المجتمع الصناعي، وهو في الوقت ذاته يرفض ضغوط "المجتمع الجماهری Mass Society التي تفرض على المرء أن يتمشى مع قيم "الجماهير" وطريقتها في الحياة ومثل هذا التجانس والاطراد كفيل بخنق الفردية التي يعتز بها الفنان كل الاعتزاز وعندما يحاول الفنان أن يعبر عن فرديته دون قيد، فعلى الرغم من تزايد عدد الناس الذين يجدون في مثل هذا الفن قيمة، وهكذا فإن التيار الرئيسي للمجتمع قد لفظ الفن. ونتيجة للأسباب التي أجملتها من قبل، أخذ يبرز فهم جديد للفن : هو أن الفن يوجد لمجرد الاستمتاع به لذاته. لا لأنه يخدم أهداف الدين أو الأخلاق أو المجتمع بوجه عام. وأشهر تعبير عن هذه النظرة يتمثل في الحركة المسماة بالفن لأجل الفن، فهذه الحركة كانت تؤكد أن الطريقة الوحيدة للنظر إلى الفن إنما تكون من خلال الإدراك الاستطيقى.