تعد سنة 1376هـ (1957م) من السنوات التي حُفرت في ذاكرة السعوديين حيث عاشوا تلك السنة بمرارة؛ نتيجة لاستمرار نزول الأمطار وحدوث طوفان نجد الكبير ثمانيةً وخمسين يومًا، حيث حاصرتهم الأودية فانهارت البيوت والمساجد والمتاجر، فغادر الناس بيوتهم إلى الأماكن المرتفعة، وقد عرفت هذه السنة بـ (سنة الهَدام) أو (الغَرْقَة)، شملت الأمطار في تلك السنة بعض مناطق الجزيرة العربية إلا أن تركيزها كان في الرياض والقصيم وسدير، وكان من ضمن من عاصر الحدث إبراهيم بن عبيد العبدالمحسن الذي ذكر عِظَم مصيبة تلك السنة وما جرى فيها ضمن كتابه (تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان)، حيث قال عن بعض تفاصيلها: " لما كان في 5/12 /1376هـ (في أول المربعانية) من هذه السنة هطلت أمطار على القصيم واستمرت طيلة ذلك اليوم ومن الغد وبعد الغد وهكذا خمسة أيام لم يتوقف نزول الماء؛ حتى (انماعت) رؤوس الحيطان وجعلت تنهار من كثرة نزول مياه الأمطار، ومضى على الأمة خمسة أيام متوالية والأهالي في القصيم ينتظرون بفارغ الصبر أن يمسك الله السماء عنهم، وبما أن بريدة وضواحيها لا تزال مهددة من خطر السيول؛ نتيجة (120) ساعة لم تتوقف الديمة عنها، غير أن شدة وقعه كانت على بريدة وضواحيها، كان مما يعجب له خوف أوقعه الله في القلوب من سُكنى البيوت، حيث كانوا يتوقعون أنها ستنطبق عليهم. وفي يوم الأربعاء 17 جمادى الأولى هطلت أمطار وسيول زيادة عما هم فيه من الديمة المتواصلة؛ فتعطلت الدراسة منذ ذلك اليوم ولم يستطع البشر الجلوس داخل المنازل؛ ولما كان في 5/18 خرجت الأمة إلى البراري خوفًا من سقوط البيوت، وأصبحوا مهددين بالأخطار، هذا ولا تزال السماء منطلقة الوكاء تصب المياه صبًّا، وكان قد انخاط الجو وأظلمت الدنيا لفقدهم ضياء الشمس، وكان القوي من يملك بساطًا يرفعه بأعواد فيجلس وعائلته تحته. وفي ليلة 19 ليلة الجمعة أقبلت سحب متراكمة وجعل البرق يخرج من خلالها زيادة على ما هم فيه وقعقعت الصواعق ولمعت البروق وجعلت البيوت تتساقط يُسمع لها دويّ عظيم كصوت المدافع، ولما أن اشتدت الضربة ووقعت الكُرْبة وضاقت الحيلة فتح المسلمون أبواب البيوت وفرّوا هاربين إلى الصحراء لا يَلوي أحد على أحد، وتركوا أموالهم ونسوا أولادهم وهنالك لا ترى أحدًا يلتفت إلى أحد، وعجّت الخليقة إلى ربها وفاطرها فلا تسمع بأذن من الصراخ والبكاء والضجة، واختلط الحابل بالنابل، وقام ضعفاء الناس متشوشين فصعدوا إلى رؤوس المنائر وجعلوا يكبرون وينادون بالأذان في منتصف الليل، وسُمعت ضجة عظيمة للخلائق هذا يؤذن وذاك يصرخ والآخر يئن ويصيح من البلل وشدة البرد، ونزلوا في الفضاء والتجؤوا إلى شجر الأثل الذي لا يغني عنهم شيئًا، يهطل عليهم الماء من فوقهم ويفيض من تحتهم، والقليل منهم التجؤوا إلى ظل خيام صارت أشبه شيء بزرائب الحيوانات من كثرة من ينطوي تحت سقوفها. ولما خرجت الأمة إلى الصحاري افترشوا الغبراء فكان غالبهم الأرض فراشهم والسماء غطاؤهم بعد التقلب على الأرائك الأثيرة، وأصبحوا جياعًا بعد التلذذ بصنوف المأكولات، وأصبحت منازلهم أطلالًا بعدما كانت قصورًا شامخة، وانقطعت بهم السبل فلا السيارات تصلهم ولا الطائرات تهبط عليهم، هذا وقد تهدمت مساكنهم على أموالهم وأثاثهم وأرزاقهم، ثم عطفِ حكومتهم وبني جنسهم ممن لم يُصابوا بمثل مصيبتهم".