يؤكد كل من آمنة مناع ويحي بن يحي أن :"الانغماس يرتكز على محددين أساسيين هما اللغة، لذلك يمكن تعريفه بأنه مبدأ في تعليم اللغات بذاتها في فترة زمنية محددة، 2-أنواع الانغماس اللغوي وأشكاله: يهدف إلى تزويد المتعلم بكفايات متعددة لغوية وثقافية ومهارية وتطويرها، وقد اجتهدت المؤسسات التعليمية وبعض الباحثين والمختصين في مجال تعليم اللغات في تصنيف الانغماس اللغوي إلى أنواع متعددة ، يمكن إجمال هذه الأنواع في الآتي: ج-الانغماس ذو اتجاهين: وهذا النوع أكثر انتشاراً في الولايات المتحدة الأمريكية، -التّعلم بواسطة لغة واحدة في كل مرة. في حين أن النوع الآخر والأخير الذي يعرف أيضا باسم "الانغماس المزدوج" لا يكتفي بتعليم المواد المقررة بواسطة اللغة الهدف فقط، وهو شبيه بما تفعله وزارات التربية والتعليم في العالم العربي التي تدخل لغات أخرى في التعليم المدرسي ، وربّما تتمايز المدارس في استراتيجياتها في هذا الأمر فبعضها يعلّم اللغة الثانية بالاستعانة المباشرة باللغة الأم ، ويتميّز بعضها وبخاصة في المدارس الخاصة التي تهدف إلى الرقي في آدائها لغايات تجارية في المقام الأول، تتحدد أشكال الانغماس اللغوي بناءً على المحتوى المعرفي واللغةَ المسطّرة في البرنامج التعليمي برمتّه،  النموذج المستند لموضوع: والمناقشة وغيرها من النشاطات الصّفية استنادا إلى الوسائط التعليمية المساعدة في الاستماع في سياق الموضوع نفسه، مثل الفيديوهات وغيرها تليها المهام الكتابية التي يتم خلالها دمج المعلومات المستفادة من مصادر مختلفة ، وعليه يعد الفرق بين الفئات الطلابية المنتمين للمحميات وغيرهم من منطلق اللغة الهدف وحسب، واللغة يرتبط تعزيزها وتنميتها واستعمالها بكثافة المادة المعرفية وسعة دائرة الاتصال. ويشير أيضا هذا النوع إلى أهمية استثمار سنوات الطفل الأولى في الاكتساب اللغوي انطلاقا من أن الدمج المبكر للطلاب في استراتيجية الانغماس بمعرفة قليلة عن اللغة الهدف يستوجب التركيز بداية على تطوير المفردات والتراكيب الأساسية في تلك اللغة حتى يتمكن المتعلم من فهم تلك اللغة واستيعابها بالقدر الذي يمكنه من تعلم القراءة والكتابة باللغة الهدف وتعلم الموضوعات المختلفة بها. وفي هذا المقام يقول عبد الرحمن الحاج صالح: "اتَصفت هذه النّزَعة التعليمية أيضا بالتركيز على تعليم المفردات وبالتالي على ما يسمى بمحاور الاهتمام" والتركيز على المفردات أو ما يسمى بمحاور الاهتمام فهو تقعيد وتأصيل لبناء لغوي يساعد في التركيب بعد ذلك. حيث تتم هذه العملية بشكل أسرع وأيسر في السنوات الأولى للطفل وتقل تدريجيا مع التقدم في السن. -المستوى المتوسط: يبدأ هذا المستوى من سن 9 إلى10سنوات، عبر تعويض المتعلّم لنماذج تركيبية أكثر تعقيدا من تلك التي تكون في المستوى المتقدم، كما أن المدى المخصّص في التعرض للغة يكون أقل من سابقه. حيث يقضي المتعلّم فترة زمنية تتراوح بين 30إلى60دقيقة في اليوم مع اللغة الثانية (الهدف). ومن التركيز على الإفراد إلى المثول عند التركيب، إضافة إلى أنها تعتمد على الخيال أكثر لما في ذلك من أهمية في ترسيخ المعرفة وتطويرها. -المستوى المتأخر: تبدأ هذه المرحلة في وقت متأخر من السنة الأولى من المرحلة الثانوية، وتقترب المعارف والمعطيات المعلوماتية من التخصصية أكثر، على نحو ما يحدث من برنامج الانغماس اللغوي الفرنسي لغير الناطقين بها مثلا؛ 4-أسس الانغماس اللغوي وشروطه: يرتكز مبدأ الانغماس اللغوي في تعليمية اللغات على مجموعة من الأسس التّي من شأنها تحقيق الأهداف المسطرة ضمنه. أولا: أن تكون اللغة الوسيطة للبرنامج لغة ثانية، ثانيا: أن يتم تعلم اللغة الثانية من خلال التواصل الطبيعي الفعّال. رابعا: الاهتمام بتعزيز المهارات اللغوية. خامسا: تحديد وقت خاص بنشاط القراءة. سادسا: التقييم المستمر والمتكرر بشكل منتظم. وهذا ما أشار إليه عبد الرحمن الحاج صالح في سياق حديثه عن طبيعة إنشاء الملكة اللسانية ونموها وتطورها، حيث قال: " أن ينغمس في بحر أصواتها كما يقولون لمدّة كافية لتظهر فيه هذه الملكة " فكلما طالت الفترة الزمنية في البيئة اللغوية، فمتعلم اللغة العربية مثلا ملزم بالانخراط في بيئة لتحقيق هدفه فلا يسمع غيرها ولا ينطق بغيرها، كما أشارت آمنة مناع أيضا الى مرتكزات أخرى وشروط يقوم عليها الانغماس كالآتي: -السماع المكثف للغة الهدف. -التواصل المستمر باللغة الهدف. -توفير البيئة النقية لغويا (أي لا يتحدث فيها إلا اللغة المراد تعلمها). ووضع عبد الرحمان الحاج صالح شرطين آخرين أساسين للانغماس اللغوي هما": ضرورة توفير البيئة الطبيعية التي لا يُسمع فيها إلاّ أصوات اللغة المستهدفة ولا ينطق إلا سواها، 5-أصول الانغماس اللَّغوي في التراث العربي: يتم إبراز بعض ملامح مفهوم الانغماس اللغوي في التراث العربي في إطار ثلاث مراحل تأصيلية: الأصول الدينية، 1.الأصول الدينية: تأصل هذا المفهوم في موروثنا العربي من خلال نماذج مختلفة في النص القرآني والسيرة النبوية الشريفة. يؤكد على أنّ الإنسان يولد بقدرات تساعده على الاكتساب والتحصيل المعرفي كما في قوله تعالى: ﴿والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون﴾ [النحل: الآية78 ]. يفيد هذا النص القرآني على أن الإنسان يولد صفحة بيضاء لا يعلم شيئا لكن بمؤهلات فطرية وسبل هيأها الله تعالى له، يقول ابن الأثير:" العقل ينقسم قسمين: موهوب ومكسوب، وهو الذي ذكره في كتابه حيث يقول: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم . وهو الذي ندب الله _عز وجل _ إليه فقال: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). ب. نصوص السيرة النبوية الشريفة: وفي حديث اليَمِينُ الغَمُوسَ: " اليَمين الغَمُوس تَذَرُ الدِّيارَ بَلاقِع هي اليَمين الكاذبة الفاجرة كالتي يَقْتَطِع بها الحالفُ مالَ غيره. كما دلّت كثيرٌ من سُنن النبي صلى الله عليه وسلم القولية و الفعلية على مفهوم الانغماس اللّغوي على نحو ما ورد في النماذج الموالية، النشأة في البيئة اللغوية والاختلاط بأهلها: وهذا ما حدث لرَسُولنا الكريم صلى الله عليه و سلم حِينمَا أرسلهُ جدُّه إلى قبيلة بني سعدٍ للبحث عن مرضعة ليقوى جسده ويتقن اللغة، وهذا يشير إلى أنَّ العربَ قديمًا كانت ترسل صبيانها إلى البوادي بحثاً عن مرضعات لتَصِحَ أجسامهم وتقْوَى واكتساب اللُّغةِ الصَّافيةِ الخاليةِ من اللّحنِ. فالنَّبي صلى الله عليه وسلم اكتسب فصاحةَ اللّسانِ من مُكوثه في قبيلة بني سعدٍ والاختلاط بأهلها ونشأته في محيطٍ لُغويٍ فصيحٍ، و هذا ما أشار إليه عبد القادر الفاسي الفهري في قوله : " أي طفلٍ عادي يَسْتطيعُ أن يَتعلمَ أيّة لغة يَحتكُ بها في محِيطه اللّساني " . كما تؤكد الروايات والنّصوص على مدى اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بتعلُّم اللُّغاتِ الأجنبيةِ وتَعليمهَا في سبيل الدَّعوة ونشر الإسلام، إضافةً لمَا كانَ يتلقاهُ في مدارس ماسكة الأمر الذِّي مكّنه من إتقانها قراءةً وكتابةً ومحادثةَ. و هذا ما يُمكن استنبَاطُه من قول النّبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن ثابت رضي الله عنه قال :" قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم إنّها تَأْتينِي كتبٌ لا أُحبُ أن يقرأَها كُلّ أحدٍ، و أخرج ابن عساكر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم قال: " كان زيد بن ثابت يتعلم بمدارس ماسكة، فالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف هما السبيل لحفظ العقائد وصَوْنِ اللّسانِ مِنَ اللَّحْنِ والزيغ عن البيان. يقول رمضان عبد التواب: " مع الحفظ الكثير و الكثير من هذه النصوص الجيدة شعرا ونثرا و على رأس هذه النصوص جميعها بالطبع نص القرآن العظيم وفي هذه الحالة تتكون الملكة القادرة على محاكاة هذه النصوص و النسخ على منوالها" . بناء على المبادئ التي يرتكز عليها الانغماس اللغوي،  مدّة التدريس: التّي يشترط فيها الكفاية واستيعابها لجميع مفردات البرنامج الدراسي.  طريقة التدريس: حيث أنّ نجاعة استراتيجية الانغماس اللغوي تتمثل في اعتمادها على الأسلوب المباشر والتواصل اللغوي الوظيفي. وأهم الشروط التّي يجب توفرها حتّى يتمكّن الفرد من اللغة الهدف، يقول ميشال زكريا: " إنّ الكفاية اللغوية ملكة ذاتية خاصة بمتكلم اللغة التّي ترعرع بصورة طبيعية في البيئة التّي تَتَكلَّمُها ".  الاستماع المكثف للغة: لأن الملكات كما يقول ابن خلدون: " إنما تحصل بتتابع الفعل وتكراره وإذا تُنوسِيَ الفعل تُنوسِيت الملكة الناشئة عنه" وذلك أنه كلما تكرر استماعه للغة، وفي هذا السياق يقول الفرابي: " إذا كثرت مخالطتهم لسائر الأمم وسماعهم بحروفهم وألفاظهم، وهذا لما يحمله أسلوب الحفظ من أهمية بالغة يصفها الجرجاني في قوله: " وترى كلّ من رام الأدب، فهذا يتطلب احترام ثقافي متبادل مما يؤدي إلى اكتساب ثقافات جديدة. يتوقف الانسحاب من التكوين اللغوي " وهذا ما كان معمول به عند العرب قديما إيمانا منهم ما لهذه الطريقة من نتائج مثمرة، على نحو ما ورد في الأغاني للأصفهاني: " فرّوح ما هان: إن عندي غلاما من العرب مات أبوه وخلّفه في حجري فربّيته، وتجلّت ملامح تطبيق الانغماس اللغوي من خلال سير وتراجم العرب من نحويين ولغويين وعامة، والاستحواذ والتمكن من اللغة الثانية في بيئتها سواء من خلال الانتقال المباشر لبيئة اللغة العربية الفصيحة أو توفير عناصر مساعدة على اكتساب البنى اللغوية السليمة أي؛ وفي هذا يقول الرافعي: " كان بنو مروان يلزمون أولادهم البادية لينشؤوهم هناك على تقوية اللسان،