يبقى لشهر رمضان المبارك بدولة الإمارات عاداته وتقاليده وطقوسه وذكرياته في الكثير من جوانب الحياة التي يعيشها الجميع في رمضان اليوم . وتلك العادات والتقاليد والطقوس الرمضانية تختلف في الإمارات عن سائر أشهر السنة إذ إنه شهر صلة الرحم واللقاءات الأسرية وجلسات السمر حتى السحور . لكن تبقى لرمضان زمان نكهته المختلفة حسبما يستذكر كبار السن . فمع قدوم الشهر الكريم كل عام تعود ذاكرة كبار السن إلى الوراء عشرات السنين لتسترجع بعض الذكريات الجميلة والأحداث الأجمل المرتبطة بهذا الشهر الفضيل والتي كانت تضفي عليه سعادة وتميزا أكثر من غيره من شهور السنة . وبغض النظر عن بقاء أو غياب تلك المظاهر والعادات الرمضانية القديمة إلا أن الذاكرة الإماراتية لم تنسها الأجداد والآباء يبوحون بها على موائد الإفطار وفي كل مناسبة ومكان لتبقى محفورة في عقولهم كونها إرثا حري أن يدون في الكتب والتاريخ . والدالف إلى منطقة الساحل الشرقي يعيش لحظات جميلة في ساعة الإفطار بخيمة المواطن خليفة راشد الطنيجي يتناول معهم الوجبات الرمضانية ويعايش فضائل وروحانية شهر رمضان المبارك والعادات والتقاليد التي يمارسها الأهالي خلال أيام وليالي رمضان . ويقول الطنيجي احد الأهالي الذين يحرصون على تجمع الأصدقاء في خيمته الرمضانية: شهر رمضان المبارك شهر العطاء والرحمة والمحبة والألفة بين قلوب الناس ففي كل عام نلتقي مع الأهل والأصدقاء والجيران في رمسة رمضانية مليئة بروح المحبة ونورانية أيام وليالي الشهر الفضيل. نجلس معا نتناول الوجبات الرمضانية ونتداول الأحاديث والسوالف مع القهوة العربية ومنا من يقوم بتلاوة الذكر الحكيم والقصص وغيرها من المجالات الثقافية . وتستمر الرمسة الرمضانية إلى ما بعد منتصف الليل والاستعداد ليوم رمضاني جديد مليء بالفرحة والسعادة بين قلوب الناس . بعد الإفطار جلس حول سفرة زاخرة باللقيمات والساقو والخبيص /أنواع من الأكلات الشعبية القديمة/ تحدث عن طقوس رمضان زمان عندما كان الماضي جميلا رغم بعض مراراته والفقر كان موجودا وكذلك المودة والمحبة واليوم والحمد لله الخير عم الدولة لكن لم تعد القلوب كما كانت قديما كان الترابط أكثر فالأهل متقاربون والبيوت متلاصقة والجيران يتبادلون أطباق الطعام. أما الآن الجميع مشغولون ولا يجدون الوقت للزيارة أو شرب القهوة مع الأسرة والأقارب . فالكل منهمك بمشاغله وحتى داخل الأسرة نفسها تغيرت الأمور والأحوال ولم تعد موجودة تلك الأسر الكبيرة التي تسكن منزلا واحدا وأصبح لكل شخص فيلته الخاصة فاقتصر التواصل على قليل من الزيارات واللقاءات في المناسبات وكثرت الرسائل " المسجات " بين الناس . ويضيف: ما يميز الشهر الفضيل في الماضي تلك العادات والتقاليد الاجتماعية الطيبة والتي نجدها في أيام وليالي رمضان من حيث التجمع في مكان واحد وأسرة واحدة مع السمر والسوالف والاستذكار للدروس الدينية فهذه في مجملها تعطي النفس الصفاء والنقاء والاستشعار بمعاني هذا الشهر المبارك وأيامه الجميلة أما اليوم فيخرج الشباب بعد الإفطار للنزهة في المولات " المراكز التجارية " والمقاهي يتناولون العصائر ويأكلون الحلويات الغريبة التي لم يكن لها وجود قبل نصف قرن . ولا يخفي الطنيجي فرحته بأن رمضان أتى هذه السنة في ذروة فصل الصيف وشدة الحر ما يخلق مناسبة جيدة للشباب من جيل اليوم ليستذكر شهر الصوم في العقود الماضية ومعاناة الآباء والأجداد عندما كان يحل رمضان في أيام الصيف الحارة في ظل إمكانيات بسيطة وبالغة الصعوبة . وشدد على أن جيل اليوم لا يواجه صعوبات في الصوم خلال الأجواء الحارة الحالية قياسا بالأجواء المماثلة قبل عقود . وأوضح أن هذه المعاناة تتضاعف إذا عرفنا أن مهنة الآباء والأجداد كانت تنحصر إما في الغوص أو الرعي أو الزراعة وكلها تمارس في أماكن مكشوفة تحت أشعة الشمس الحارقة لذا فإنهم يعانون من متاعب في النهار بسبب الجوع والعطش لدرجة أن البعض منهم يضطر لرش ثيابه بالماء البارد أو يضع قربة الماء فوق جسده إذا خلد للراحة لعدم وجود أجهزة تبريد في ذلك الوقت باستثناء /المهفة/ وهي قطعة يدوية مصنوعة من الخوص ولها مقبض خشبي مصنوع من جريد النخل . والمواطن خليفة راشد الطنيجي تحدث في خيمته أيضا عن التغيرات الكبيرة التي عاشها سكان الدولة بعد قيام الاتحاد واعتبرها خيرا ورفاة وانطلاقة نحو المستقبل. وقال " الحنين للماضي لا يتوقف لكن حياتنا اليوم أفضل بكثير حيث ننعم بوسائل الراحة والرفاهية فقد وفر لنا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ومن بعده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة /حفظه الله/ الكثير سواء في تأمين المساكن الشعبية الحديثة وتوفير خدمات التعليم والصحة والبنية التحتية حتى في المناطق النائية " . وعن جيل اليوم أبدى إعجابه بهذا الجيل ووصفه بالشباب المثقف والمحافظ على عاداته وتقاليده وانه لم يسمح للرفاهية والحداثة بأن تغير أسلوب ونمط حياته وامتدح حب وشغف هذا الجيل وإقباله على العلم ما يبشر بمستقبل أفضل لأبناء الإمارات . وقال " صحيح ان الألفة والتعاون لم يعودا كما كانا بالأمس لكن لكل زمن ظروفه ومتغيراته ومتطلباته ففي أيامنا كانت الحياة الاجتماعية أكثر غنى وأهمية ربما لأننا امتلكنا الوقت الكافي لذلك فقد كنا نذهب في زيارات طويلة تستمر لعدة أيام وربما أسابيع ننتقل فيها من إمارة إلى أخرى بكل بساطة ويسر ومن دون تفكير في وقت أو عناء السفر فكل شيء كان بسيطا والحياة تسير على الفطرة. . وعند أهل الحضر أو الساحل في رأس الخيمة ذكريات رائعة وجميلة خصوصا لدى كبار السن الذين عاصروا العادات والتقاليد الشعبية القديمة في ذلك الوقت من الزمن أي قبل أكثر من نصف قرن تقريبا. تحدثنا المواطنة عائشة سلطان عبدالله /75 عاما/ عن رمضان قديما من خلال ما تحتفظ به في الذاكرة عن العادات الرمضانية القديمة والتقاليد الأصيلة وكذا الأكلات الشعبية التي لها نكهة خاصة وارتبطت برمضان ارتباطا وثيقا رغم غزو الكثير من الأكلات الرمضانية الحديثة وأنواع المعجنات والفطائر والعصائر المبردة التي لم يكن يعرفها الناس في ذلك الوقت من الزمان . تقول" اليوم كل شيء تغير حتى أنواع الوجبات الرمضانية الشهيرة والقديمة وطرق صناعتها والتي اندثر بعضها بفعل دخول المدنية الحديثة " . وتضيف" إن هذا الشهر الكريم شهر الخيرات ومضاعفة الحسنات ومن خلاله ارتبط الإنسان الإماراتي بعادات وتقاليد متنوعة في طريقة استقباله والاستعداد له لما له من روحانية وشوق كبير لغائب ينتظره الجميع وكانت تسود بيننا المحبة والألفة وكان الجار يعرف جاره ويعطف عليه ويهدي له من أصناف الأطعمة الشعبية والغني يتفقد أحوال الفقير ويملأ منزله بكل أصناف المير /الطعام/ الرمضانية . وتبدأ الاستعدادات للشهر الفضيل منذ أواخر شهر شعبان إذ نستعد لاستقبال الشهر بشوق ولهفة لأنه شهر الرحمة والغفران وشهر التواصل وتبادل الزيارات بين الجيران وتبادل الأكلات أيضا فكل جار يهدي جاره ويطعمه من فطوره ". وعن كيفية ثبوت رؤية الهلال تقول عائشة سلطان عبدالله" عندما يقترب موعد الشهر يجتمع الرجال كل يوم بعد صلاة المغرب ويشكلون فريقا ولابد أن يكون من بينهم رجال موثوق بهم لتحري الهلال إذ يكون من بينهم أكفأ الحفظة لكتاب الله والمطاوعة المشهود لهم بالدقة في التحري وإذا ثبت رؤيته يتم الإعلان عن ذلك بواسطة اطلاق المدفع للأعيرة النارية والتي تعبر عن ثبوت الرؤية فيتبادل الجميع التهاني بحلول الشهر الفضيل ويتباركون بقدومه ويهنئ بعضهم البعض ويستعدون لتجهيز وجبة السحور التي عادة ما تتكون من العيش والتمر والقهوة . ونوهت إلى أن الجميع يستعد للصوم حتى الأطفال يصومون من عمر 7 سنوات وأكثر وبعضهم يصبر والبعض الآخر كان يختلس الطعام ليأكل من دون أن يراه أحد من أهله وهكذا حتى يتعود على الصيام . وتضيف " نقضي نهار رمضان في تلاوة القرآن فعادة تجتمع النساء عند المطوعة في الفترة الصباحية والمساء يخصص للأطفال سواء بنات أو أولاد وتبدأ النساء بتجهيز وجبة الإفطار من هريس وعيش ولقيمات وخبيصة وفريد والخبز المحلى . وهذه أشهر الأكلات الشعبية الدارجة في شهر رمضان وكل يوم تحرص ربة المنزل على طهي نوع من احدى هذه الأكلات لأن الأهالي يتبادلون الطعام فيما بينهم ويتهادون وعادة الرجال قبل هذا الشهر تجهيز مكان لإفطارهم يجتمعون فيه مع بعضهم البعض وكل قبل موعد الإفطار يحضر فطوره ويجتمعون في هذا المكان حيث يفترشون الرمل أو الحصير ويعتادون على الإفطار في هذا المكان كل يوم من أيام الشهر الفضيل وبعد الإفطار يتفرقون لأداء صلاة المغرب ومن ثم يتجمعون مرة ثانية في نفس المكان بعد صلاة العشاء وكذلك النساء يجتمعن كل يوم في منزل احدى الجارات لتناول طعام الفطور ومن ثم يجتمعن بعد صلاة العشاء للفوالة . وتقول " كان الجار يتبادل الطعام مع جاره وإذا لم يستطع استكمال وجبة الفطور يطلب من جاره لتكتمل فإذا كان عنده عيش ولم يستطع توفير السمك أو الدجاج يلجأ إلى جاره ليكمل له الوجبة وهذا نوع من التراحم بين الناس إذ كانوا يأخذون الطعام من عند بعضهم البعض بكل أريحية وود . وتستطرد عائشة في حديث الذكريات الرمضانية أيام زمان فتقول عن الوجبات الشعبية" نجهز الحب أو ما يعرف بالقمح وزمان كنا لا نعرف الحب الجاهز المتواجد الآن في محلات البقالة بل كنا نجهز الحب بأنفسنا وندقه في أداة تسمى " إيوان " مصنوع من الخشب يشبه الهون ولكن حجمه أكبر وله مدق /مضرب/ طوله متر ونصف المتر وندق فيه الحب ونرشه بالماء لتسهل إزالة قشوره وننسفه وننظفه من القشور والتي تستخدم كعلف للحيوان تسمى / سبوس/ ونضع الحب بعد إزالة قشوره في قفة لكي تستخدم لصنع الهريس وأحيانا ندقه في نهار رمضان كل يوم بيومه لأن الكمية كانت بسيطة وقليلة . أما الطحين فيأتينا من السوق جاهز وأحيانا نأخذ حب البر ونطحنه في الرحى لنصنع منه خبزا ونجهز القهوة فنحمسها وندقها في المنحاز /الهون/ وكذلك نجهز البهارات بالطريقة نفسها . وتضيف ان الإنسان ابن بيئته كما يقولون حيث كنا نعتمد على جهودنا الذاتية في تبريد المياه وتقوم ربة البيت منذ الصباح الباكر بإعداد المياه المبردة بوضعها في إناء فخاري يسمى الحب وبعد ملء هذا الإناء الفخاري تقوم ربة البيت بإغلاقه بإحكام بقطعة من الخيش /القماش/ حتى لا تدخل إليها الحشرات ويتم وضعها في مكان بارد حتى تتعرض للهواء الطبيعي الذي يضفي على الحب برودة ويلطف الماء فيها ليتم شربه باردا مع موعد أذان المغرب ولماء الحب نكهة خاصة ما زلنا نفتقدها حتى اليوم رغم وجود الثلاجات الكهربائية ووسائل التبريد الحديثة . وتقول " إن النساء يحرصن في شهر رمضان على ارتياد المساجد التي لم تكن منتشرة بكثرة بل كان عددها بسيط جدا مقارنة بالوقت الحاضر وكانت مبنية من الجص والحصى وتؤدي المرأة صلاة التراويح وصلاة القيام أما في الوقت الحاضر أصبحت الفضائيات تشغل الناس عن التزاور والتقارب وتتسابق في بث كل ما يلهي الناس فقل التواصل ولم يعد الناس لديهم وقت لقضائه مع الأسرة وزيارة الأقارب. . وتحدث المواطن خلفان محمد خلفان الغفلي 65 عاما من أهل البادية بإمارة عجمان عن حقبة الخمسينات والستينات من القرن العشرين التي عاصرها فقال إن الفارق كبير جدا لأن إيقاع الحياة كان هادئا منتظما واحترام الصغير للكبير كان واضحا ولهذا كنا جميعا نتعلم ممن هم أكبر منا ونحاكيهم في سلوكهم الراقي . أما اليوم يتصور الشباب للآسف انهم أفضل حالا ويستطيعون عمل ما لم يستطع عليه جيل الشواب . وعن تحري الشهر يقول الغفلي: كان البدو يتحرون رؤية هلال رمضان بشوق ولهفة حيث يجتمع رجال البادية لتحري هلال الشهر وينتظرون الهلال بفارغ الصبر حتى لو كانت الغيوم تحول دون رؤيته ينتظرون إلى ان تتضح الرؤية ويطلقون طلقات نارية من بنادقهم استبشارا بهذه المناسبة ويتبادلون التهاني . وحول الاستعدادات لهذا الشهر. يضيف" عادة ما تبدأ من أخر شهر شعبان حيث نأخذ ركابنا /الإبل/ ونحمل الحطب والصخام والحشيش والثمام ونتوجه إلى السوق من مقر خيامنا في منطقة الحليو بعجمان ونبيع ما توفر لدينا ونشتري مؤن رمضان من عيش وقهوة وطحين وكلها أشياء بسيطة عكس اليوم التطور والحداثة ألقت بظلالها على واقعنا فتبدلت أحوال الأسواق وطغت المراكز التجارية على الأسواق الشعبية وزادت الرواتب وعندما يذهب الإنسان للتسوق يشتري من كل صنف ونوع . ويستطرد الغفلي" بعد شراء مير رمضان نعود إلى مقرنا ونبدأ بالاستعداد لاستقبال الشهر الفضيل ونبني حضيرة من الخوص والسعف لتكون مقرا لنا نؤدي فيها الصلاة . ونستمع للذكر وتدبر القرآن وتكون كمجلس نقضي فيها أوقاتنا ونفطر فيها ولا نسمع الآذان نظرا لقلة المساجد ولكن نعرف موعده بالفطرة وفي الشتاء عندما تغيب الشمس فوق السحاب لا نفطر إلا عندما يسدل الظلام سواده على المكان واليوم تبدلت الأحوال فصوت الآذان نسمعه عبر عشرات القنوات التلفزيونية أو نستقبله من خلال الرسائل النصية القصيرة أو الانترنت . وعن الأعمال التي يؤديها البدوي خلال نهار رمضان يقول " في بداية رمضان نرتاح قليلا ونقلل من اعمالنا ومع مرور أيام الشهر الفضيل نعود إلى العمل تدريجيا وفي حالة دخول شهر رمضان خلال الصيف ومع استعداد الناس للمقيظ نحاول ان ننقل الحضار قبل شهر رمضان وفي نفس الوقت إذا جاء رمضان في أواخر الصيف يحاول الحضار الرجوع قبل حلول الشهر ليقضوا رمضان في منازلهم ".