اسم مفعول من الإجمال بمعنى الإبهام أو الضم، ويقال: أجملت الحساب إذا جمعته، وجمل الشحم إذا أذابه وجمعه، وفي الاصطلاح: «ما دل على أحد معنيين لا مزية لأحدهما عن الآخر بالنسبة إليه». قولهم: (ما دل) يخرج اللفظ المهمل الذي لا دلالة له ولا معنى يمكن أن يراد به. وقولهم: (على أحد معنيين) أخرج النص، فإنه يدل على معنى واحد معين. وقولهم: (لا مزية لأحدهما على الآخر) أخرج الظاهر، فإنه يدل على معنيين لكن أحدهما أرجح من الآخر. قولهم: (بالنسبة إليه) أي: بالنظر إلى اللفظ المجمل وحده، وإن كان أحد المعنيين راجحا بالنسبة لدليل آخر بين المجمل، وذلك لأن الإجمال لم يعد باقيا في شيء من نصوص الوحي التكليفية، فهي قد بينت ـ والحمد لله ـ أكمل بيان. والنصوص المجملة الباقية على إجمالها لا يتعلق بها تكليف. مثال المجمل الذي بين: قوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام١٤١] فقد قام الدليل على أن الحق الواجب في المال هو الزكاة ومقاديرها معلومة، وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بالحق هنا: الصدقة المطلقة منه يوم الحصاد بما تجود به نفس المالك من غير تحديد. ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها» الحديث (أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة)، فإن الحق قد بين بالنصوص المبينة لمقادير الزكاة. ومثال المجمل الباقي على إجماله لكونه لم يتعلق به تكليف: الحروف المقطعة في أوائل بعض السور، وقد خص كثير من العلماء هذا النوع من المجمل باسم خاص فسماه المتشابه. وعلى ذلك لا يكون هناك مجمل لم يبين، ولكن يوجد متشابه استأثر الله بعلمه أو علمه الراسخون في العلم دون غيرهم، كما قال تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران٧]. فمن وقف عند لفظ الجلالة: (إلا الله)، قال: إن المتشابه ما استأثر الله بعلمه، ومثل له بحقائق ما يقع يوم القيامة، وبكيفيات صفات الله جل وعلا. وفسر المتشابه بما غمض معناه حتى لا يعرفه إلا الراسخون في العلم. ولكل من الفريقين حجج في ترجيح ما ذهب إليه، وهو تردد اللفظ بين معنيين فأكثر، وذلك بأن يكون اللفظ الوارد في الدليل له معنيان متساويان عند العرب، ولا يوجد في النص ما يدل على المراد منهما صراحة، الوارد في قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة٢٢٨] فإنه يحتمل الأطهار والحيض، ولا يوجد في السياق ما يدل صراحة على المراد منهما، ومثله: لفظ الشفق في قول الراوي: صلى العشاء بعد غيبوبة الشفق (متفق عليه). فإنه يطلق على الحمرة وعلى البياض اللذين يعقبان غروب الشمس. ٢ـ اشتهار المجاز وكثرة استعماله: فاللفظ قد يكون حقيقة في معنى ثم يستعمل مجازا في معنى آخر ويشتهر حتى يصبح مساويا للحقيقة في الاستعمال، فإذا ورد في الدليل احتمل المعنيين على السواء، يطلق في اللغة على العين الباصرة حقيقة، ويطلق على الجاسوس مجازا، وقد اشتهر هذا الإطلاق حتى ساوى الحقيقة وأمكن أن يكون سببا للإجمال. فإنه في أصل اللغة للوطء ثم أطلق على العقد مجازا واشتهر حتى ساوى الحقيقة، فإذا ورد لفظ النكاح في الأدلة الشرعية احتمل المعنيين فصار مجملا ما لم يصحبه بيان. أو لزوم الوطء بعد العقد. ولولا بيان الرسول صلى الله عليه وسلم للمراد من ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» (متفق عليه من حديث عائشة) لكان مجملا. ٣ـ الإطلاق أو التعميم في موضع لا يمكن العمل فيه بالمعنى الظاهر من اللفظ لافتقاره إلى التحديد: وكذلك الأمر بالصلاة قبل بيان صفتها. والفرق بين هذا السبب والسبب الأول: أن السبب الأول يكون للفظ فيه معنيان محددان أو معان محددة نجزم بأن المراد أحدها، وأما في هذا السبب فإن المعنى المقصود غير معروف بعينه، ولا هو محصور في معان محددة بحيث يتردد بينها. الفرق بين المجمل والمشترك] يعقد كثير من الأصوليين فصلا أو بابا للمشترك وآخر للمجمل، مع أن القارئ لا يتبين له في الغالب الفرق بينهما. وقد فرق بينهما بعض العلماء بأن الإجمال بالنسبة إلى الفهم، والاشتراك بالنسبة إلى وضع اللفظ واستعماله. ولبيان ذلك أقول: كون الدليل مجملا أمر نسبي يختلف من عالم لآخر، فقد يكون الدليل مجملا عند عالم ومبينا عند غيره، وذلك بحسب ما يصل إليه اجتهاد كل منهما. فاللفظ قد يكون مشتركا ولكنه يستعمل في أحد معانيه فلا يكون مجملا، وقد يغمض المراد منه فيكون مجملا. وأيضا فإن الإجمال في الأدلة الشرعية قد بين، ولم يبق لفظ مجمل لا بيان له على الأرجح من قولي العلماء. وأما الكلام في الإجمال فهو أصل يجب أن لا يخلو منه كتاب في أصول الفقه.