مفهوم القضاء والقدر عند الماتريدي القضاء والقدر موضوع بالغ الأهمية في الفكر الماتريدي، وتبيانه يلقي مزيدا من الأضواء على موقفه من أفعال العباد والقضاء والقدر من الأصول الأساسية التي ينبغي أن تدرج في باب أفعال العباد حسب رأي أبي منصور (70) لتوضيح الفعل وعلاقته بالإنسان نفسه من جهة وبالسنن التي تنظم هذا الكون وما يعترض سبيل الانسان فيها فتعيقه عن تحقيق مشاريعه، وزلت كثير من العقول. ويوضح أبو حنيفة هذا المعنى فيقول مخاطبا القدرية : «أما علمتم أن الناظر الى القدر كالناظر في شعاع الشمس، كلما ازداد نظرا ازداد حيرة ، ذلك لأن الإنسان كثيرا ما يتساءل : هل أن قدرنا مقضي فيه من قبل ؟ وهل أن نجاحنا وفشلنا . وقضائه من قوة أو قوى، وقواه الفكرية والبدنية، ولكنها بأجمعها مما يأتي به كل فرد من أفراد البشرية. من بطن أمه، وخيره وشره ليس له فيه تأثير بالغ ، والمجاعات، كل هذه الأحداث تغير مجرى حياة الإنسان، وتحطم كل الخطط والتدابير التي اتخذتها السعادته ونجاحه بعد أعمال فكرية، وعلى العكس من ذلك، فإن هذه الأحداث نفسها قد تعرج برانسان آخر فجاة إلى معراج الكمال والرخاء. إن هذه التساؤلات عند الماتريدي لا تتناقض مع مسؤولية الإنسان في هذه الحياة، ولا تنافى حرية الإرادة مع قضاء الله وقدره وسوف تلمس الحلول الماتريدية من خلال تقصيه المعاني القضاء والقدر، ولذلك استند الماتريدي إلى القرآن لتحديد هذه المعاني، وضبطها بدقة واعتمادها في إطاراتها الصحيحة. مفهوم القضاء: فقد ذكرت مادة قضاها بمعنى الحكم من ذلك قبول الله سبحانه وتعالى: وناقص ما أنت قاص) (طه) / (22)، بمعنى الحكم، وعلى هذا يمكن القول إن قضاء الله، أي حكمه الأولي ومن ثمة سمي العالم قاضيا بما يرد كل حق إلى محقه (71) وكذلك يجوز أن يقال حكم الله أن فلانا يفعل كذا في وقت كذا، فيكون منه كذا وقت كفاء وحق هذا أن يكون حكمًا بما علم (72). ذكرت مادة قضاها بمعنى الارادة، يقول الله تعالى: إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فِيكَ (آل عمران / (47) ذكر بمعنى الإخبار والإعلام كقوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَّى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ التَّفِيدُ فِي الأَرْضِ مَرْكِنِينَ) (الأسراء / (4) أي أعلمناهم وأخبرناهم. ذكر بمعنى الأمر كقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ إِلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء / (23)، وقوله: ورما كان مؤمنًا ولا مؤمنًا إذا قضى الله وَرَسُولَهُ أَمْرًا ذكر مادة وقدره في القرآن بمعنى التحديد والترتيب يقول تعالى: جعل فيها رواسي وبارك فيها وقدر فيها أقواتها (فصل) / (10)، ومعنى هذا تحديد الله وترتيبه وتقسيمه للأشياء أزلا وفقًا لعلمه السابق. مفهوم القدر : ذكرت مادة وقدرة بمعنى الكتابة في اللوح المحفوظ، وهو جعل كل شيء على ما هو عليه من خير أو شر، من حسن أو قبح، من حكمة أو سفه، وهو تأويل الحكمة أن يجعل كل شيء على ما هو عليه، وعلى مثل هذا قوله عز وجل إنا كل شيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدْرِ) (الق / 49). وكذلك: بيان ما عليه يقع كل شيء من زمان ومكان، وبالجملة فإن القدر هو تحديد الله أزلا كل شيء بحده الذي سيوجد به من نفع، وما يحيط به من زمان ومكان. والقضاء الفعل عند التنفيذ وأما رأي الأشاعرة فإن القضاء عندهم يتمثل في إرادة الله الأزلية، والقدر تعلق الإرادة بالأشياء في أوقاتها المخصوصة . عقيدة القضاء والقدر لا تعني الحرية المطلقة ولا الجبرية المطلقة : وهكذا فإن هذا الكون يخضع لقوة تهيمن عليه، وتعنى بنظامه الهائل، وتحد كل شيء أزلا بحده الذي سيوجد عليه، ونظام شامل دقيق. وإذا كان الإنسان يعيش وضعا كهذا، ومن الخطأ في الوقت ذاته الظن بان هذه القوة التي أوجدتنا في هذه الدنيا، ومنحتنا من الكفاءة ما نميز به بين الصالح والفاسد، أن نحب أن هذه القوة ما فعلت كل ذلك الا لتتخذنا سخرية وعبثا . قد أوتينا جانبا من الاختيار كما أكد ذلك أبو منصور في غير موضع من مؤلفاته، وذلك ليتم الثواب والعقاب. وبمقدار ما لنا من حرية في أفعالنا بقدر ما لنا من جزاء . ومن الخطأ الشائع فهم عقيدة القضاء والقدر بمعنى الجبر، والقدر إيجاده إياها على وجه يطابق العلم بها. وإذا كانت أفعال العباد بعلم الله وإرادته، وتقديره، فإن ذلك لا يستلزم صدورها من العباد بالجبر، إذ لا تأثير للعلم في إيجاد الأعمال (76). كما لو كنت حاسبا السير الشمس والقمر، فعلمت من طريق الحساب قبل يوم كذا أن يوم كذا يكون يوم كسوف ، اثر في وجوده ؟ كلا، وغاية ما في الأمر، فإن الله له كمال العلم. وعزمهم عليه وكذلك لو كنت أردت جميع ما يفعله زيد يوما من الأيام وكتبه في قرطاس، فهل يكون زيدا في فعله مجبورا منك ؟ وهل يكون له أن يقول : فعلت ما فعلت لإرادتك وكتابتك، فلا يتصور في هذا العمل الجبر. بل هو الجاني بذلك العزم المصمم الكائن منه بإقدار الله تعالى إياه يتين عنا عندئذ أن أن الماتريدية يفسرون القضاء والقدر بستن الله تعالى التي تنظم هذا الكون، وما يترتب عنها. وأن هذا الأمر لا يسلب اختيار (77) ومسؤوليته في في هذه الحياة. وإذا تقصينا الأمر لدى الأم الأمر لدى الأشاعرة فإننا نجد الغزالي يربط القضاء والقدر بفكرة السببية إذ يقول وقد يقول بـ ول بعضهم : وما فائدة الدعاء إذا كان كل شيء بقضاء الله وقدره ؟ ويجيب الغزالي على : ذلك : بان من القضاء رد البلاء واستجلاب الرحمة، هم، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان، فكل فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان . وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله وقدره أن لا يحمل السلاح، وان لم يسبق لم يثبت البذر بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول اللي هو كـ هو كلمح البصر أو هو أقرب، قدر الشر، قدر لدفعه سببا فلا تناقض بين هذه الأمور عند من تفتحت بصيرته (78) والرضاء بالقضاء و ساء والقدر القدر بعد وقوع المقدور أمر واجب، علم ) (الزخرف / 20) . خاليا من الإشكال، سليما من نزعة التواكل التي يتذرع بها بعض المسلمين في هذا العصر. إنما كان نتيجة قدر الله وحكمته وإرادته ومشيته ، وليس الإيمان بالقضاء والقدر استكانة للعدو،