ها أنت – أيها الربيع – . فأقبلت معك الحياة بجميع صنوفها وألوانها : فالنبات ينبت ، وكل أليف يدعو أليفه . كل شيء يشعر بالحياة وينسي هموم الحياة ، فإن كان الزمان جسدا فأنت روحه ، وإن كان عمرا فأنت شبابه . استطعت أن تجعل من الشمس حائكا نساجا يحوك أجمل الروض ويوشِّيه ، وجمال تصوير ، يقلده أكبر فنان فيفشل ، جعلت الدنيا ملء العيون بما أبدعت من ألوان وما مايلت من أغصان وما حِكت من وشي وما صُغت من جمال : فأبيض ناصع ، وجعلت منها موسيقى مختلفة النغمات ، متعددة الأصوات : هذا البلبل يُغني ضاحكا ، كانت عجماء فأفصحت في أيامك ، وكانت خرساء فأنطقها جمالك ، فلما غنت حركت أشجان الإنسان ، وأوحت إليه بالمعاني الحسان ، ثم ها أنت ملأت الجو عطرًا بأزهارك الطيبة ، فلما خاف الناس من غيبتك ، وانقطاع شذاك ، فاستخرجوا الروائح من أزهارك ، وتحايلوا للانتفاع بها في غيابك . لقد اعتدلت في حرارتك فلم تغلُ في بردك غلو الشتاء ، ولا في حَرِّك غلو الصيف ، فكنت جميلا في جوّك ، كما كنت جميلا في كل شيء من آثارك فليت الزمان كان ربيعا كله .