اللغة هي هذه الألفاظ ذات المعاني التي تتبادلها فيفهم كل منا عن صاحبه ما آراد بها حين نطقها، من خبر يريد أن يبلغه إياد أو أمر يجب أن يستشيره فيه أو شعور نفسي بيله إياه .اللغة بهذا المفهوم رابطة أساسية في المجتمع تكون أهم مقوماته، وبدونها لا يمكن أن يكون هناك مجتمع) () أو (جماعة) بالمعنى اللغوي الكامل لهذه الكلمة، ذلك أن المعيار الصحيح لصدق وصف عدد الأفراد بأنهم جماعة أو مجتمع على الحقيقة هو مدى الترابط النفسي بينهم .وذلك الترابط لا يتم بالصورة الإنسانية إلا بتبادل الصور النفسية والفكبير والشواغل والخواطر - ولو تعرفا - عن طريق تبادل الكلامفاللغة - ومظهرها الكلام - هي كبرى وسائل الربط بين الأفراد وجعلهم (جماعة)أو (مجتمعاً) على الحقيقة. ولو فرضنا أن فرداً ما حاول أن يستقل في إشباع حاجاته الخاصة من طعام وشراب وكساء ومأوى. فلم يتبادل الكلام مع آخرين في سبل إشباع تلك الحاجات، أو في التعاون للحصول عليها، أو في تبادل الأفكار أو تبادل مشاعر البهجة للنجاح في تحقيق ما يريده، أو مشاعر الأسى على فوات مافاته منها، أو في التعليق على مانشأ من اهتمامات مشتركة . لو فرضنا إمكان تلك المقاطعة أو ذلك الانعزال، وذلك الذي لا يتم إلا بتبادل الكلام الذى يعطى كلاً من الأفراد صورة عما في نفس الآخر وأحواله؛ فيمكن الالتقاء والتعاون بينهما لتحقيق أنس الاجتماع (كما في2023/202 لفقدان الترابط النفسي الذي يجعل منهم جماعة على الحقيقة ذلك المترابطة وكلاهما ضرورى.وإذا كان فرض الانعزال ذلك متعذر التحقق، فإننا يمكن أن نضرب له مثلاً مقارباً بالمنتظرين في محطة القطار أو الحافلة، حيث يجلسون دون أن يتبادلوا كلاماً إلا التحية، إن كانت، ويشغل كلاً منهم شاغل خاص كالقراءة في جريدة أو التفكر في أمر يهمه، أو التطلع إلى الآخرين، أو مجرد الهيام مع الخواطر العابرة، وقد يكون الواحد منهم فى قمة السعادة لنجاحه أو فوزه بتحقيق أمنية وجاره في هوة التعاسة لفقد عزيز أو ضياع أمل. بل قد يكون كل منهما في حالة سعادة أو حزن كالآخر ولا يستطيعان أن يصنعا جواً عاطفياً مشتركاً لفقدان التواصل اللغوى الكاشف والربط فيظل كل منهما ملتحفاً بمشاعره الخاصة حتى تأتيالقطر فينصرف كل إلى قطاره دون أن يودع جليسه أو يحييه. وفي مقابل ذلك فإننا لو رافقنا مجموعة من المهندسين الزراعيين الذين وزعت عليهم عشرات الأفدنة من الأرض الصحراوية ليستزرعوها لوجدناهم متفرقين كلاً منهم في أفدنته العشرة، وربما يقيم فيها أيضاً، ولكنهم يتصل بعضهم ببعض ليتشاوروا ويتعاونوا في مواجهة مشاكل العمل والتمويل والإقامة والتموين. فيتكون منهم في آخر الأمر مجتمع كامل الترابط يمارس صعوبات الحياة ومشاكلها في تكاتف و تآزر، ويتمتع بالمناسبات السعيدة، وتتربى فيه القيم والأعراف والعادات 2023/2024 المناسبة للبيئة الجديدة والثقافة أهلها . والفضل في تكون هذا المجتمع كاملا على هذه الصورة إنما هو للغة المتمثلة في الأحاديث والكلام الذي تبادلوه تعارفاً وتشاوراً واتفاقاً وتبادلاً للأخبار والمشاعر والأفكار ومجاملة في المناسبات. ولولا ذلك الكلام وتلك الأحاديث ما بلغوا أن يكونوا جماعة ذات كيان واحد واتجاهات معاشية متقاربة ومتناسقة، وذات إرادة متميزة وطاقة على تحقيق ما تريد. وأهم ثمرة لذلك أن هذه الجماعة أو المجتمع المترابط يستطيع أن ينمى نفسه ويطور حياته ويرتقى بها بحيث تحقق ثلاثة أهداف أساسية: الكفاية المتمثلة في تيسير متطلبات العيش والسلامة متمثلة في توافر سبل الحفاظ على الصحة، والأمن القائم على القوة الذاتية والالتزام الخلقي. وهي الأهداف التييسعى إليها كل مجتمع إنساني بصرف النظر عن اختلاف المعايير لا يتحقق إلا بالترابط الوثيق بين أعضائه، وبما أن اللغة هي أقوى وسائل الترابطفإن دراسة اللغة واستيعابها واستخراج إمكاناتها تمثل ضرورة حادة بقدر