النظرية الوظيفية البنائيـة هي أكثر المداخـل النظرية الكلية المبكرة في تاريخ العلوم الاجتماعية التي خضع فيها علم الاجتماع، كغيره من العلوم ( وربمـا أكثر من غيره مـن العـلـوم ) لسطوة الوضعية العضويـة ، إلى تفسير الحياة الاجتماعية أيضا ، ترجع الاهتمامات المركزية للوظيفية البنانية إلى الانشغالات المركزية لمفكري القرن التاسع عشر بإشكالية مزدوجة : 20 هل يمكن الجمع ، بين مشكلة التطور التغير من جهة ، من جهة أخرى ؟ هل يمكن الجمع ، وفكرة الاعتماد المتبادل الوحدة ، من جهة أخرى ؟ ولحسن حظهم ، أو أن يتحملـوا الانتظار طويلا ، فهم يـرون مشـكلات التغير الاجتماعي في مجتمعاتهم المتغيرة بسرعة وعمق ، لقد قدمت لهم البيولوجيا والسيكولوجيا والأنثروبولوجيا ( أو اتحاد هذه العلوم معا ) الإجابات التي يبحثون عنها . المـؤرخ القديـر للنظريـة الاجتماعيـة ، إلى التأكيد بـأن الأب الحقيقي للوظيفية هي المدرسة العضوية الوضعية ( مارتنديل ، بوصفها نظرية تفسيرية ومنهجأ بحثياً ، إلى كثير من الأسـس المعرفية للمدرسة الوضعية التي يمثلها في علم الاجتمـاع اب علم الاجتماع الفرنسـي ، ودوركايم ( 1858-1917 ) مـؤسـس علم الاجتماع الفرنسي . قدمت الوضعية إمكانية رسـم خريطة مـعـرفـيـة للعالم الطبيعـي والاجتماعي ) ، بل وقدمت إمكانية تقدم المجتمعات نحو نظام عالمي إنسـانـي دنـيـوي جـديـد مبني على قوانين فكـريـة وعلمية وعقلية ، ليحل محل النظام ( الديني العسكري القديم المنهار . وتحالفـت اهتمامات الوضعية العلمية مع اهتمامات المدرسة العضـويـة التطورية التي يمثلها في علم الاجتماع هربرت سبنسر ( 1903-1820 ) ، مؤسـس علم الاجتماع البريطاني على أسس بيولوجية تطورية ، فتذهب العضوية إلى تأكيد الثبات النسبي للتكـويـنـات والتنظيمات والترتيبات للكائـن العضـوي الحي ، وثبـات مماثل للتنظيمات والعلاقـات والتبادلات بين الأجزاء ، ومـن البيولوجيـا أخذ . سبنسـر فـكـرة التطوريـة الاجتماعيـة مقترنة بالمماثلات العضـويـة ، ومنهـا نـظـر إلى المجتمع بوصـفـه تنـظيـمـاً للميكانزمات . كـمـا أخذ منها الأساس الذي استخدمه في تصنيف المجتمعات ومراحل تطورها . أخـذ دوركايـم فكـرة البـنـاء الاجتماعي ، وفكرة التكامل الاجتماعي " ، فاستطاع بهما دراسة المجتمع كوحدة ( حية ) واحدة ، خاصة علم النفس في نظريته الجشطلتية ( Gestalt أو النظرة الكلية المترابطة . ولا تجد معنى لها خارج هذا الإطار الكلي الجامع . للإنسان وقدراته واستجاباته للقـوى الضاغطة لدوافعه وحوافزه ( الشعورية واللاشعورية التي تتحكم في سلوكياته ، على وهو ، بوعي او بغير وعي ، اسير حاجاته البيولوجية والاجتماعية المتشابكة الضاغطة . كمـا وجد هـذا المنظور البنائـي الـوظيـفـي دعـمـا إضافيا في الدراسات والتحليلات الميدانيةلباحثي الأنثروبولوجيا البريطانيين المبكرين المؤثرين مثل : رادكليف براون ، ومالينوفسـكـي في أجيـال لاحقة من الباحثين في علم الإنسـان الثقـافي والاجتماعي في المجتمعات المحلية البسيطة ، مهما كان حجمه وتركيبه ، لاسـتـقـرار النسـق واستمراره . والمعاملات الدنيوية ، والطقوس والشـعائـرفـي الـولادة والزواج والوفاة ، والتعاملات مع الطبيعة . ويشف تتبع هذه الجذور المعرفية للب بة الوظيفية عن ملاحظتين ( مارتنديل ، وقد شهدت خمسينيات وستينيات القرن الـعـشـريـن صـعـود اقياسيا للمنظورالوظيفي . ويلاحظ بلتون وزملاؤه ( 1987 : 568 ) أنه بتطور علم الاجتماع في النصف الأول من القرن العشرين ، أصبحت الاستخدامات والتوجيهات العامة لدوركايم هي المنظور المهيمن على عـلـم الاجتماع الأمريكـي . ومنذ أن هيمن الأمريكيون على المشهد السوسيولوجي لفترة ، أحد أشهر المؤمنين بها والمدافعين عنها ، أن علينا أن لاننظر إلى الوظيفية كمنظور منفصل أو منعزل في نظرية علم الاجتماع ؛ لأن علم الاجتماع كله هو علم وظيفي خالص . ويختلـف الأنثروبولوجيـون والسـوسـولوجيـون الـذيـن يـتـبـنـون الاتجـاه الوظيفي في نوعية النظم أو الأنساق التي يهتمون بملاحظتها وتحليلها ؛ فمنهم من يركز على تحليل أنسـاق صغيرة ( كالجماعات والمجموعات ، والمجتمعات المحلية البسيطة أو البدائية ) . وانخرط به مالينوفسكي ورادكليف براون . ولكن جميع الوظيفيين يشتركون ، كما يلاحظ سمير نعيم ، أي أنهم جميعا مثاليون ، 1985 : 191 ) . ومجمل القول : إن النظرية الوظيفية - البنائية نظرية علمية مبكـرة في علم الاجتماع والعلوم الاجتماعيـة الأخـرى ) .