فقد قدموا زهرة شبابهم بل أعمارهم جُلِّها في حركة البناء والنهضة التي نعيشها ونتنعم بها نحن أبناء هذا الجيل والأجيال اللاحقة. تعرض سلعة يطلبها الغني قبل الفقير ألا وهي الباجلا او الباقلا او الباجلة وهي الحبة الكبيرة من الفول تقوم بطبخها طوال الليل في قدر كبيريرتكزعلى ثلاث حجرات كبيرة بنفس الحجم تقريبا، تثبت فوق تنّور يحفر له قليلا في الأرض، ثم يظل القدر على الجمر طول الليل حتى الصباح الباكر، ليقوم أحد الأشخاص بمساعدتها في حمله وسط جفير أو زنبيل كبيرإلى المكان المناسب لعرض السلعة بالحي. وكانت تبيعه أيضا على المارة في صحون صغيرة مصنوعة من الحديد مطلية بالمينا أما المشترون فيجلبون معهم آنيتهم ويكون حجمها حسب الكمية التي يريدونها. والكاز او القاز بلفظ الكاف او القاف كالجيم المصرية هو ما يعرف به الكيروسين محليا منذ أن وصل إلى البحرين وانتشر استعماله كمادة للوقود والإضاءة بتزويد الأسرجة 4والفنارة5 والدوافير6. وكان أهل البحرين كغيرهم من سكان الخليج العربي يستوردون الكاز من هناك بالسفن التقليدية الشراعية في براميل خاصة ثم يتم توزيعه على باعة الكاز ليقوموا بدورهم بالطواف بين الأحياء في القرى والمدن لبيعه على الأهالي. ويخرج الكاز بواسطة صنبور صغير بأسفل خلف الصهريج يصب منه بمقدار الطلب، وكان المعيار هو الغلن والغلن أربعة لترات. وهناك بائعو كاز أكثر تواضعا يقومون بجرّ عربة أمامهم تسمى محليا (الجاري) يسير على عجلتين يزود البيوت بالكاز حسب ترتيب خاص يتفق عليه مع أصحاب تلك البيوت. وفي عام 1932 تم اكتشاف النفط في البحرين فسهل ذلك على المواطنين كثيرا، وخاصة بعد تزويد البيوت بالكهرباء وانتشار استخدام الأفران الحديثة التي تعمل بالغاز الطبيعي. تثبتان بعدة7 الحمار كل مرحلة على جانب يضع فيهما البقّال سلعته التي تلقى رواجا بين أهل المدينة. على أن يعمل البقّال مع أفراد أسرته او عماله على استصلاح الأرض والاستفادة من ريع بيع ثمار الزرع كالرطب واللوز البحريني والكنار أي النبق والرمان والتين وأنواع الرياحين كالمشموم والرازقي والياسمين والورد المحمدي، والجتّ وهو البرسيم كما كان يبيع بعض منتجات الألبان كالكشت وهو الجبنة البلدية واللبن وغيرها كالدجاج والبيض والبلابل وأنواع الطيور، وكنا قديما نرى البقّال على حماره يرفع شمسيته فوق رأسه ليتقي حر الشمس وهو يطوف في الطرقات والأزقة يصدح بألفاظ وعبارات ينغمها كأن يقول رازقي يا رازقي أو كشت ولبن أو رويد وبقل أو ورد محمدي ومشموم، وكثيرا ما كانت ربات البيوت قديما تتفق معه على تمويل البيت بحاجتهن من تلك الخضار والرياحين أو الرطب في موسمه يوميا او أسبوعيا وكان يتفنن بعرضه في أحسن صورة في سلة خاصة تسمى المخرفة8 ويغطيه بورق اللوز البحريني وقد يجمله باللوز والتين. وقد استخدم بعض البقّالين عربات تجرّها الحمير كما اضطر البعض منهم عندما تقدم به العمر إلى تأجير أحد الدكاكين وسط الأحياء الشعبية أو فرشة بسوق الخضار والفواكه بالمدينة. في عمل النقوش والزخارف الجصية. وهناك الآن حي باكمله ما يزال يحتفظ باسم تلك الحرفة وهو فريق9 البناني (البنائين). وقد تعامل بنّاء الأمس مع مواد متوفرة في البيئة المحلية كالحجارة البحرية و البرية والجص والنّورة، وجذوع النخيل إلى جانب مواد يتم استيرادها من الخارج كالباسجيل10 والدنجل11 والمنقرور12 . وكان بنّاء الأمس يعتمد اعتمادا كبيرا على فطنته وخبرته وحسن تدبيره في تقدير المسافات والارتفاعات مستعينا بأدواته البسيطة، ومن أدواته أيضا السخين والليّان والخبط والقفشة13 . وكان البناء في السابق يقدرعمله ويحرص عليه كل الحرص فيبدأ العمل منذ الصباح الباكر ولا ينهي عمله إلا عند الغروب. وكان يعمل غالبا بالأجر اليومي وأحيانا قطوعة أي مقاولة يتحمل فيها البناء دفع أجور معاونيه وعماله بينما يلتزم صاحب البيت بتوفير جميع مواد البناء في الغالب. التنّاك التنّاك هو من يعمل بالتنك والتنك هو الصفيح او رقائق معدن الحديد الذي عرف لديهم بـ (الكينكو Chainco). ومن المعروف أن التنّاك في الأصل كان صفّارا يستخدم رقائق الصفر حتى انقطع وصول النحاس أيام الحربين العالميتين الاولى ثم الثانية مما اضطر الصفّار الى استخدام ما توفر في بيئته من صفيح البراميل والصفائح المعدنية لعمل الكثير من مستلزمات الحياة اليومية في البيت البحريني القديم، وقد صنع التنّاك في الماضي الصناديق والبراميل والمدافئ والأحواض وبعض أدوات الطهي والصواني وخاصة تلك التي تستخدم في عرض الحلوى البحرينية الشهيرة وهي ذاتها التي استخدمتها النساء في غسل الملابس وتسمى الطشت وجمعها طشوت كما صنع التنّاك المحكان الخاص بالكيروسين او الكاز. وفي مراحل لاحقة من تاريخ هذه الحرفة صنع التنّاك الصواني الخاصة بمكيفات الهواء وخزانات المياه وغيرها من متطلبات الحياة المعاصرة. الحجّامة وتقلب الجيم ياء فتصبح حيامة وهي بائعة متجولة تطوف الأحياء على قدميها حاملة على ظهرها بقشة كبيرة تضم كل بضاعتها وتكون عادة كل ما يلزم النساء وربات البيوت من أدوات الخياطة والزينة منها الإبر والخيوط والمقاصة ومفردها مقصّ والأقمشة والعطور والأصباغ كالحناء والدورم وهو لحاء بعض أنواع الاشجار المدارية تقوم النساء بعلكها فيصبغ الشفايف صبغة طبيعية تميل إلى الإحمرار وبعض الأدوية البسيطة، كما تعرض بعض مستلزمات الرجال كأدوات الحلاقة كالأمواس والفرشاة وبعض أنواع الصابون. وعادة ما تصدح بصوت عال بلهجة عربية محلية مكسّرة فهن يأتين من أجناس غير عربية من الأقطار المجاورة. وهن في البحرين أكثر منهن في بلدان الخليج العربية الأخرى فالبحرين كما عرفت منذ القدم بلد الانفتاح وقبول الآخر وبلد يشد لها الرحال في طلب الرزق. وعادة ما تدعوها ربات البيوت للدخول إلى دهليز المنزل ويقمن بمعاينة ما لديها من بضاعة ويخترن ما يرغبن في شرائه لهن ولأفراد الأسرة ثم يساومنها على السعر، وعادة ما تنتهي المساومة بموافقة الحيامة على السعر المطلوب، الحصّاية والحصّايون ويستخدمها عدد من الرجال في مهنة كانت معروفة قديماً تعرف بـ (قص الحصى) أي قطع الحجارة من قاع البحر بالمياه الضحلة أو حين يكون البحر في حالة الجزر ثم نقلها إلى الساحل لاستخدامها في بناء البيوت الحجرية. واستُخدم الصبّان (وهي القواقع البحرية الصغيرة الناعمة جدا) في الأحواش وأفنية المساجد لغرض النظافة أولاً ولدوره في تلطيف مناخ المكان فتعمل الشمس نهاراً على تبخيرها مما يؤدي إلى تلطيف المحيط داخل المنازل والمساجد. ويسمى هذا القضيب العتلة ويعرف محلياً بـ (الهيب). وتنقل بعد ذلك من هذه الساحات إلى البيوت أو مواقع البناء على عربات تجرّها الحمير. الحمّالي هذه هي اللفظة التي عرف بها الحمّال عند أهل البحرين والخليج قديما وكانت مهنة رائجة في الماضي، فالبحرين مجتمع تجاري متطور يعجّ بالحركة، وخاصة في الموانئ الرئيسية بالمنامة والمحرق وفي الأسواق العامة. وكان على من يريد أن يمتهن هذه المهنة أن يخرج له تصريحا أو رخصة من البلدية يتم تجديدها سنويا بمبلغ زهيد من المال كما كان عليه أن يراجع البلدية في حال رغبته في السفر أو ترك المهنة. وقد أصدرت بلدية المنامة إعلانا بهذا الخصوص في عام 1938 لتنظيم هذه المهنة. كما كان الأشخاص يكتارونهم14 لحمل أمتعتهم من السوق إلى البيت أو لحمل الأغراض أو الأثاث من بيت إلى بيت آخر في حال الحوال أو التحول وهو الانتقال من مسكن الى آخر. وخاصة من كبار السن والنساء والأطفال. زري عتيق الزّري هو خيوط الذهب والفضة التي تستخدم في تطريز الملابس والعباءات النسائية والبشوت الرجالية في المجتمع البحريني القديم بالمدن الرئيسية على وجه الخصوص، كما أن عددا من العائلات بالمدن وخاصة المحرق، كانت تمتهن حرفة (الكورار) وهي تطريز الملابس بخيوط الزّري. يشترونه بمبادلته ببعض الأواني الصينية والمعدنية الرخيصة، لتباع على محترفي حرفة الكورار بأسعار مرتفعة. العبرة والعبّار العَبرة) سفينة صغيرة الحجم نسبياً تُتَّخذ عادة من نوع (الجالبوت أو الهوري) تستخدم لنقل الركاب والأمتعة والماشية والبضائع بين جزيرتي المحرق والمنامة وبين المنامة وجزيرة سترة وجزيرة النبيه صالح التي كانت مشهورة باسم (الجزيرة) هكذا، وغيرهما من سواحل المحرق الشرقية من جهة فريج البنعلي وفريج الضاعن وساحل عراد الغربي وذلك قبل تشييد الجسور. بل كان ركابها يجلسون على الفنِّة (فنة صدر) وهي سطح المقدمة و(فنة تُفَر) أي سطح المؤخرة و(الصُوْر) بالوسط وهو لوح عريض سميك يصل بين جانبي العبرة ويثبت فيه الصاري و(البطاين) وتصنع أو تنسج من جريد النخل والحبال في (الخِن) أي بطن العبرة، وكان الكثير من عائلات المحرق ينتقل إلى مصيف عراد هرباً من حر الصيف الشديد بالمدينة وكانت عراد آنذاك تعجّ بالحركة، وكان هناك أيضاً بعض عيون البساتين القريبة التي استخدمها المصطافون كموارد للمياه وكأمكنة للاستجمام والسباحة إلى جانب مياه بحر ساحلها البديع. وكانوا يَكْتَرُون عدداً من العبرات أو إحدى السفن الكبيرة كالجالبوت أو الشوعي أو البانوش، ولقد قامت العبرات بدور كبير في تشييد الجسر الأول بين المحرق والمنامة الذي افتتح رسمياً عام 1941. وكأنها كانت بذلك تخلّد ذكرى دورها الخطير في الحياة اليومية لمجتمع البحرين القديم بدور أخير تسهم فيه ببناء صرح حيوي هام ما نزال نستفيد منه على مدار الساعة ألا وهو جسر الشيخ حمد، الذي كان افتتاحه ضربة قاصمة لها ولدورها، وبالعكس إن كان من أهل المنامة ويريد المحرق. وكذلك العاملون في النقل العام والخاص وسائقو سيارات التاكسي(الأجرة) يسمون الراكب معهم (عِبري) والركاب (عِبريّة). فما أظن أن أهل البحرين سينسون يوما تلك الكلمات المعبّرة عن تلك الحرفة القديمة فهي تجري على ألسنتهم على الدوام جيلا بعد جيل . وتلفظ بفتح العين وتشديد الكاف الفارسية المفتوحة وكسر الفاء او فتحها والكلمة مأخوذة من اصلها باللهجة البحرينية وهو الفعل (عكّف) ومعناه قام بتصفيف الشعر وكانت تلك مهنة، تخصص فيها عدد من النساء من ذوات الخبرة الطويلة حتى إنهن كن يعرفن بالإسم فلانة العكافة وتطلب هذه المرأة في مناسبات العرس من خطبة وملكة بالكاف الفارسية أي عقد القران أوليلة العرس، ومن المعروف قديما أن من صفات الجمال عند الفتاة طول شعرها حتى قيل في أشعارهم: يالهيل بالهيله يالهيل بالهيله نادوا العكافة اتعكف الزينة في اظلام الليله15. وكانت العكافة تستخدم الكثير من الأطياب والعطور كالزباد والعنبر ودهن العود والمخلّط والورد والرياحين لتطييب شعر العروس ثم تجمله بالهامة او الكبكب (تلفظ الكاف بالجيم المصرية) فوق الرأس وهو نوع مشهور من القطع الذهبية تشبه سرطان البحر، وعادة ما تكون العكافة خضّابة أو حنّاية وهي المرأة التي تقوم بوضع وتزيين يدي العروس ورجليها بالحناء. وقد تحوّل اليوم هذا العمل برمته إلى صالونات الحلاقة النسائية التي انتشرت في البلاد شرقا وغربا. والكوكب هو نبع ماء في قاع البحر، لتصل إلى بيوت المدن والقرى في البحرين ليستخدمها الناس في المطابخ للطهي وفي (القِطِيع) أي الحمَّام ويسمى كذلك لأنه يقتطع من الحجرة عادة، وفي الأدب أو الكِنِيف (وهما لفظتان عربيتان فصيحتان لشيء واحد هو المرحاض) وذلك للطهارة والاستنجاء والغسل، ولتوضع في الأواني الفخارية المخصصة للشرب كـ (الحِب، والجِحَلِة، ومنهم من حمل عدداً من تلك (القرب) على جمل، ومنهم من نقلها على ظهر حمار، وإن كان البعض يحمل (القرب) في بَلَم أو قارب صغير إلى (الكوكب) في المنطقة البحرية ليملأها بالماء العذب ثم ينقلها بعد ذلك إلى الساحل ليوزعها على زبائنه أو يوصلها إلى بيوتهم بالمدينة. وكان (للسقاي) أي السقاء في الماضي القريب شأن وأي شأن في الحياة العامة، وذلك بأن يتفقا على جريدة نخل خضراء يقوم السقاي بعمل (فرض) أو قطع بسيط كالثُلمة فيها كلما سكب قربته أو جاء بـ (تْرِيْب) ماء و(التريب) من الكلمات الإنجليزية التي استُعمِلت في اللهجة البحرينية، وهي هنا بمعنى النوبة أو المرة وبهذه الطريقة يثبت عدد المرات التي نقل فيها الماء من العين إلى البيت فيحفظ بذلك حقه. وفي نهاية اليوم أو الأسبوع يقوم ربّ البيت بِعَدِّ تلك الفروض أو الثلمات، وحتى يومنا هذا ما نزال نسمع من أبناء الجيل الماضي عبارة ساخرة تقول (ما جاب السقاي ماي!) أي ألم يجلب االسقاء ماء هذا اليوم! للدلالة على الحرص والبخل في صرف الماء لطالبه. كما يدلّ على حرص الأوّلين على الاقتصاد في الماء حين يتأخر عنهم السقاي أو حين يمرض أو يتعطل عن عمله يوما ما لسبب من الأسباب، فمنهم من يقوم وأهله وأولاده بنقل ما يحتاجون إليه من ماء من أقرب بئر أو عين ماء وكانت كثيرة في البحرين آنذاك، أو يستعين بالغير في حالة عجزه، ومنهم من يستغلّ مياه البحر وكانت شواطئه بالأمس قريبة من المنازل وخاصة للغسل والاستحمام وقضاء الحاجة. ومنذ أوائل العشرينات درجت حكومة البحرين على حفر وبناء عدد من العيون والحمامات والمراحيض العامة على سواحل البحر وخاصة في مدن البحرين الهامة كالمحرق والمنامة، بل إن جميع عيون الخمسينات من هذا القرن كانت من قسمين . قسم للرجال وقسم أخر للنساء. وكأني أنظر إلى بعض هذه العيون . صنعت خصيصا لهذا الغرض توضع بخن او بطن السفن) للرحلات الطويلة بين البحرين وبلدانهم أو بين البحرين ووجهاتهم. وكان بعض السقائين في الماضي يعملون في البناء، وكان البعض الآخر منهم (يروّي) أي ينقل الماء إلى الخبازين والمقاهي الشعبية وبعض دكاكين السوق. وهناك طائفة منهم يجوبون البلاد يصيحون بأعلى صوت (ماي . ماي) بحثاً عن الزبائن. كما أنه في مواسم الغوص تظهر الجالبوت (الرَّاوية) وهي سفينة مخصصة لنقل الماء العذب إلى سفن الغوص والتجارة في عرض البحر بالأجرة. وعلى الرغم من أن البحرين هي بلد العيون والينابيع العذبة إلا أنها كانت في حاجة إلى من يوصل مياهها العذبة إلى المنازل والأسواق. وكان في مدينة المنامة سوق قل نظيرها في الأقطار الأخرى القريبة والبعيدة كانت تعرف بـ(سوق الماي أو سوق الحنينية)، وهي السوق التي تقف فيها طوابير الحمير أعزكم الله محملة بقِرب المياه العذبة والتي كانت تنقل منذ الفجر الباكر من عين الحنينية الشهيرة بمنطقة الرفاع بوسط جزيرة البحرين إلى سوق المنامة، صفّار قدور بسكون الميم وفتح الصاد وتشديد الواو المكسورة)