كان من حسن تدبير القائمين على مدرستنا أنهم خصصوا لنا ساعة في الأسبوع للأشغال اليدوية وتلك الساعة كانت من امتع الساعات عندي فقد كان لنا مشغل مجهز بأحدث أدوات النجارة والحفر في الخشب وتجليد الكتب … ولكم كان يسعدني أن انسى نفسي إذأنكب بكل فكري وقلبي وعضلاتي على خشبات في يدي آناً بالمنشار وآونةً بالقدوم أو بالإزميل فإذا بها تؤول بالتدريج منضدةً أو إطار لمنظر . وما كان أطيب العرق يتصبب من جبيني! فأمسحه بمنديلي أو بيدي مثلما يفعل الفلاح في حقله والعامل في معمله إنني أصنع من أشياء موجودة لم يكن لها وجود حسب تصميم مدروس في ادق تفاصيله من حيث الشكل والقياس والغاية فلا أنتهي منها حتى أعود أتأملها فإذا جاءت كما أردتها وكانت خالية من العيب أشاعت في فؤادي البهجة والغبطة والتفاؤل