الأخلاقُ اصطلاحاً يمكن تعريف الأخلاق بجملةٍ من التعريفات الاصطلاحيّة، وذلك بناءً على نظرة العلم الخاص بذلك التعريف للأخلاق، ومن تعريفاتها في اصطلاحات العلماء ما يأتي: الأخلاق في الاصطلاح الفلسفيّ: عرَّف بعض علماء الفلسفة كأَرسطو وأفلاطون وغيرهم أنّ الأخلاقَ هي: (القدرة على التّمييز بينَ الخيرِ والشَّر عند الأفراد)، ويمكن تعريفها أيضاً من المنظور الفلسفي بأنّها: (الفضيلة التي يَتغلَّبُ فيها الجانِبُ الإلهيُّ على جانِبِ الشهوات وتفضيل المحبوبات والمرغوبات)،٤] ويَرى بعض الفلاسفة أنَّه يمكن تعريف الأخلاق بأنّها: (القدرة على ضبط الشَّهَواتِ بالعَقلِ ومُمارسَة الفَضائِل والمكارم من الصفات وتمييز الحسن منها من القبيح).٤] الأخلاق في الاصطلاح الإسلاميِّ: يمكن تعريف الأخلاقُ في الاصطلاح الإسلاميّ أَنَّها: مَجموعَة من المبادئ والقَواعد التي يُحدِّدُها الوحيُ الذي يكون مصدره الله -سبحانه وتعالى- أو الرسول -عليه الصّلاة والسّلام-، وتقوم تلك القواعد بتنظيمِ حياةِ النّاسِ جميعاً، وتوجيه سلوكياتهم على نحوٍ يُحقِّقُ الغايَةَ من وُجودِهم، ويمكن بها تمييزهم عن باقي البشر، ممّا يجعل حياتهم تسير وفق قواعد وأحكام الدين وضوابطه.٢]" وقد عرّفها الجَرجانيّ بأنَّها: (الطِّباعُ والسُّلوكاتُ التي تَصدُر بعفوية مطلقة عن الإنسانِ دون انتظار رأي أو تمهّل في اتّخاذ القرار للتصرّف بتلك السلوكيّات، وتعتَمدُ تلك السلوكيّات بشكلٍ خاصّ على ما يَرسخُ في النَّفْسِ مِن حُسْنٍ وقُبْحٍ، ويَنْعَكِسُ عَنها مِن غَيْر فِكرٍ وتدبُّرٍ ورَويَّة).٥] أخلاق المسلم هناك مجموعة من الأخلاق الحميدة التي حثّ عليها الإسلام ودعا لها في العديد من النصوص القرآنيّة والأحاديث النبويّة، وقد كانت بعض تلك الأخلاق موجودةً في المُجتمعات قبل مجيء الإسلام، وقبل ذكر تلك الأخلاق من الوحي المُتمثّل بالقرآن أو السُنّة، ومِن أبرز تلك الأخلاق ما يأتي:[٦] الأمانة: وتعني الأمانة حفظُ حقوقِ الناس وأداؤها لأصحابها إذا حلَّ وقت أدائها، والأمانة خلقٌ اتَّصف به النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- في الجاهليّة قبل الإسلام، بل إنّه -عليه الصّلاة والسّلام- كان أكثر الناس أمانةً في ذلك الوقت حتى لُقِّب بالأمين، وقد أَثنى الله تَعالى على الذين يتّصفون بالأمانة ويتخلّقون بها ويتحلّون بها، وذَكَرهم في كِتابِه العزيز في الكثير من المواضع وجَعَل الأمانة علامةً فارقةً تُشير إلى اكتمال الإيمانِ وصدقه، حيث قال -عليه الصّلاة والسّلام- في الصحيح: (آيةُ المنافقِ ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كذبَ، الحِلم: والحلم يعني الترَّفع عن مُبادلة النّاسِ الإساءةَ بالإساءَة، والتحلّي بالصَّبرِ على ما يجده منهم من سوء في القول أو الفعل، والحلم صفةٌ ربّانية لصيقةٌ بذات الله -جلّ وعلا-؛ ومن هنا وجب على كل مسلمٍ أن يتحلّى بالحلم في جميع أحواله في الشدّة والرّخاء ليكون مُسلماً بحق، وقد قال المُصطفى في تلك الخصلة لأحد الصحابة، واسمه الأشج بن عبد قيس،: (إنّ فيكَ خصلتينِ يحبهُما اللهُ: الحلمُ والأناةُ).٨] العِفَّة: وهيَ الانتهاء عن جميع المُحرَّماتِ واجتناب الاقتراب منها فضلاً عن الوقوع بشيءٍ منها، ويكون ذلك بالبعد عن مسالكها والطّرق المُؤدّية لها، وترويضُ النَّفسِ عن طلبِها. الحياء: الحياء خلقٌ حميدٌ دعا له الإسلام وحبّب فيه، فجاء الإسلام ليُنظّم المقصود بالحياء وكيفيّته. والحياء يدعو إلى فعل كلّ ما هو حسن وترك كل ما كان شاذّاً مُستقذَراً، وهو من الصّفات التي يتميّز بها المُتّقون التي يُحبّها الله، فقد قال النبي -عليه الصّلاة والسّلام -: (الإيمانُ بِضعٌ وستونَ شُعبةً، وهو صفة من صفات الله -عزّ وجلّ-؛ لقول رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-: (إنَّ اللَّهَ حييٌّ ستِّيرٌ يحبُّ الحياءَ والتَّستُّرَ ، فإذا اغتسلَ أحدُكُم فليستَتِر)،١٠] وهو خلق اتَّصف به النبي -عليه الصّلاة والسّلام-: فقد روى أبو سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- قال: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشدَّ حَياءً منَ العَذراءِ في خِدرِها، فإذا رأى شيئًا يَكرَهُه عرَفناه في وجهِه).١١] أهميّة الأخلاق في المُجتمع المُسلم شمل الدِّينُ الإسلاميّ كافّة الأخلاقِ والمكارم الحميدة والخصال الطيّبة، وحبّب من التخلّق بها، وقد استُمِدّت تلك الفضائل والأخلاق من نصوص القرآن الصريحة وأحاديث السنة الصحيحة، ولذلك فإن تلك الأخلاق تمتاز وتتّصف بمجموعة من الصّفات التي تجلعها أثبت من غيرها من الدّيانات والأعراف، وهي راسخةٌ ثابتةٌ بثبوت تلك المصادر، وأهمّ ما يُميّز تلك الأخلاق ما يأتي:[٥] الخلود والاستمراريّة: فإن جميع الأخلاق الواردة في السُنّة والقرآن هي صفات خالدة باقية ما بقيت تلك النصوص، وحيث إنّ الله قد حفظ كتابه من التحريف والتّزييف، حيث هيّأ لها رجالاً نقّحوها ونقُّوها ممّا دخل فيها عبر السنين من الشّوائب، فإن تلك الأخلاق المُستمَدّة منها ستبقى خالدةً راسخةً. الصِّدقِ والدقّة: فإن منظومة الأخلاق الإسلاميّة، كما سبق الإشارة إليه، وهي بذلك تتّصف بالصّدق والدقّة، حيث إنّ جميع ما جاء به ينطبق عليه هاتين الصفتين، وبما أنّ الأخلاق جزءٌ ممّا جاء به الوحي، فهما يتميّزان ويتّصفان بهاتين الصفتين اللّتين لا تنفكّان عنهما مُطلقاً، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).١٢] الشُّمولِ والتَّكامُلِ: فإنّ الشريعة الإسلاميّة إنّما جاءت لتُصحِّح الأخلاق التي كانت سائدةً في المُجتمع الجاهليّ وتضبطها بضابط التديُّن، وتدعو وتجمع ما لم يكن موجوداً في تلك المرحلة، فكانت الأخلاق الإسلاميّة شاملةً مُتكاملةً، قال المصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- في ذلك: (إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ).١٣] التَّوافُقِ العَقليّ والفِطْريِّ: فإنّ جميع ما جاء في الشريعة من الأخلاق والفضائل إنّما جاء بحسب ما يُوافق العقل البشريّ والفطرة السّليمة، وهي تتناسب مع جميع الأمكنة والأزمنة، ولا تناقض العقل والمنطق والأعراف والعادات مُطلقاً. الأخلاق الإسلامية مرتبطة بالجانب العملي: فإن المنظومة الأخلاقِيّة في الإسلامِ ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجانب العمليّ في حياة المُسلم، حيث إن جميع التكاليف قد دعت بمُفردها ومُجملها إلى مجموعة من القيم والأخلاق والآداب، فلا يكون تطبيق العبادة كاملاً ما لم يجرِ تطبيق ما دعت إليه من فضائل وأخلاق، يقول المصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- في الصحيح: (أَكمَلُ المؤمنينَ إيماناً أَحسَنُهم أَخلاقاً).