فقيل له ان النصارى يدفعوا لك فيها كلما تريده فحمله الى مصر فلما علم بقيره الرشيدي حامل الصليب بذلك اخذ منه الراس بثلثماية دينار، وحمله الى الاب البطرك وهو يوميذاً بدير ابو مقار ، واعلمكم عجوبه (۱) اخرى اعلمني بها ابي الجسداني وكانت صناعته بنا (۲) وكان فيه دين ومحبة لانى انا البايس ميخاييل كنت طفلا في زمان هذا الضيق فاخذني معه يوما وهو متوجه الى ضيعة يبنى فيها وكنت اتعلم منه صنعة النجارة لانه كان بنا (۲) ونجار فوقف باهتا ودق يد على يد ، فقلت له يا ابي عرفني ما نالك مجلس وعيناه تهطل دموعا وقال لى يا ولدى اجلس اسمع ما جرى فان لى ثلثة شهور منذ خرجت من مصر وانزل الله على سهو وعرقل لسانى لكي لا اعلمكم بذلك الا في هذه الساعة فان الله تعالى انار فهمى واطلق لسانى لاذكر ذلك وهو اننى كنت اعمل بمصر ٥٢ فلحقني مرض خفت ان يشتد بي الوجع وليس عندى من يخدمني خرجت امشى قليلا قليلاً الى الساحل فوجدت مركبا منحدر الى المحلة فركبت فيه وكان موقرا (كذا) بالناس وهم فيه مزدحمين جدا وليس فيه نصراني الا اسقف وتلميذه في مقدم المراكب في فاره (۳) خشب وانا في وسط الناس مطروح وجع والناس يزاحمونى ويلكمونى ويقولون لي يا كلب يا مرذول یا نصرانی تنها عنا ويبصقوا على ويهينونى بكل فن من فنون العذاب وينسبوا الى ما يفعلوه من القبيح كذبا فلما زاد امرهم على رفعت عينى الى السما وقلت يا سيدى يسوع المسيح ان لم تظهر لى شى يطيب به قلبى واعلم ان لي فيما نالنى من هولا (۳) اجر والا انكرت دينك ، الرب يشهد على انه لم يفرغ الفكر من قلبي ولا الكلام من في حتى صرت كانني قد نقلت من هذا العالم وغاب عنى جميعه وكانني في عالم اخر وصرت في موضع عال مضى (١) لا اقدر اصف حسنه وبهجته بلساني ولا في هذا العالم شيا مثله ولا يشبهه ورايت السيد المسيح له المجد فلم افهم حقيقة صفته ولم اقدر اميزه من كثرة النور الذي عليه ، فقال لى لما صرت قليل الامانة هذا هو موضع النصارى الذين يصبرون على التجارب من اجل اسمى فهل طاب قلبك ، فمن شدة الوجع والفرح يا ابني ميخاييل والبهجة التي رايتها صحت قابلا اشكرك يا رب فقد طاب قلبي فسمعنى كلمن في المركب اذ قلت هذا وما كنت كانني في مركب ، وبعد ذلك قمت من نومى ونظرت المركب والناس وانا بينهم على حالى وغاب عنى ما رايته ، شيطان لكن الله عارف بما نالنى ، فصرخت وقلت قولى الاول حتى تعجب كلمن في المركب ثم رايته ايضا ثالث دفعه فحينيذ قوى قلبى فلما سمعنى الذي في المركب اقول ذلك القول ثلثة دفعات قال بعضهم لبعض لعله راى ما لا (۳) يجوز له ان يقوله لنا لكن نمضى به (4) فمضوا بي اليه (٥) واعلموه ما كان منى فقبلني وقوى قلبى ولطف بي قبل ان اقول له ما رايت وما حل بي وكان يكلمنى بالقبطى واوليك المسلمين لا يعرفوا ما يقول لى ، فلما فتحت فاي لاحدثه صرت يشهد الرب على مثل من ربط لسانه ولم اقدر اقول كلمة واحدة مما رايته فضربت له المطانوه (٦) وقلت له اجعلنى فى حل فما اقدر اقول شيا ، ولست اشك في قول ابي رحمه الله ، ولم تصبر المومنين الاخبار على البعد من السراير المقدسة وكانوا يسالوا الولاة ويبرطلوهم بالدنانير الكثير والهدايا حتى يفسحوا لهم ان يتقربوا في الليل سرا في الكنايس المهدومة الشاسعة وببيتوا فيها في ليالى الاعياد الكبار ليصلوا ويتقربوا في الليل، وبعد ذلك ٣ وقف له جماعة من النصارى الذين اسلموا فقال لهم من ماذا تريدون (۳). فقال لكل واحد منهم اين زنارك وصليبك وغيارك فاخرجوهم له من تحت ثيابهم فامرهم بلباسهم بين يديه وانفذ مع كل واحد ركابي يكتب له سجل يكون بيده بان لا يعترض ، فعادوا كثير ممن اسلم الى دينهم ، وكان من جملة من اسلم راهب اسمه بمين عاد الى دينه وسال الحاكم ان يمكنه من عمارة دير خارج مصر على اسم شهيد المسيح مارى مرقوريس وهو دير شهران فبناه وسكنه مع اخوة له رهبان ، وكان الحاكم يجى الى عندهم دفعات كثيرة ويقيم هناك وياكل من طعامهم الحقير وكان كلمن له حاجة عند الحاكم يمضى الى بين الراهب يخاطبه عليها وقت حضوره عنده فيقضها له ، فقال الحاكم ليمين الراهب من هذا قال هو ابونا البطرك انفذت احضرته كما امرت فاوما باصبعه اليه وسلم عليه وكان معه جماعة من الاساقفة فقال من هو لا (۱) فقال له يمين الراهب هولا خلفاه في البلاد وهم الاساقفة فتامله الحاكم وتعجب منه لانه كان حقيرا في العين مهابا في النفس وكان قصير القامة كوسج ذميم الخلقة وراى الاساقفة الذين معه شيوخ ذوى مناظر حسنة وشخوص بهية وقامات تامة فقال لهم هذا مقدمكم كلكم ، فتعجب وقال لهم الى اين ينتهى حكمه ، قالوا (۲) له مثال الذى صلب عليه المسيح فمهما اراد منهم كتب الهم وجعله بين سطور الكتاب موضع علامة الملك ويقول لهم افعلوا كذا وكذا والا عليكم الصليب فيطيعوا قوله ويفعلوا ما يامرهم به بلا عساكر ولا حرب ، فقال بالحقيقة ليس في العالم دين ثابت مثل دين النصارى هوذا نحن نسفك الدما وننفق الاموال ونخرج الجيوش وما نطاع وهذا الرجل الشيخ الحقير المنظر الذميم الخلقة تطيعه اهل هذه البلاد كلها بكلمة لا غير ، ثم ان يونس الراهب الذي كان رفع على البطرك عرف مكانهم فجا اليهم مسرعا كالطير ولما يعلموا به حتى دخل وصار بينهم وقال للبطرك هوذا قد اعاد الرب لك طقسك واريد ان تجعلنى اسقفا ، خافت الاساقفة وجرى بينهم وبين خايل الاسقف خصومة عظيمة وقالوا له انت سبب هذا البلا كله وكلما نالنا من هدم البيع ولباس الغيار والهوان وغيره انت اصله وتريد ايضا تجدد شبا اخر حتى يكون الآخر اشر من الأول، ثم ان الملك الحاكم جا اليهم ومعه سجل عظيم بفتح الكنايس كلها التي في مملكته وعمارتها وان تعاد اليهم الاخشاب والعمد والطوب الماخوذ منها والاراضي والبساتين التي كانت لها في كل كورة مصر . وفي هذا السجل اعفاهم من لباس الغيار وحمل الصايب وان يضربوا النواقيس فى كل الكنايس بكل موضع كما جرت عادتهم فياله من فرح كان في ذلك اليوم الجميع النصارى الذى في كورة مصر . وفي السنة التي كان فيها الخلاص واطلاق العماير في الكنابس ظهر امرا عجيب وذلك ان الحاكم كان يطوف بالجبال التي بظاهر مصر فى الليل والنهار ومعه ثلثة ركابية او ركاب واحد فلما كان في ليلة من الليالي بلغ الى حلوان ومعه ركابي واحد فنزل عن دابته وقال للركابي عرقب هذا الحمار ففعل ما امر به ، فقال له امضى الى القصر ودعنى انا هاهنا فمضى كما امره ، وكان له ولد صغير واخت (۳) فضبطت الملك سنتين الى ان كبر ولده الطفل فاجلسوه ملكا واسموه الظاهر لاعزاز دين الله واسمه الذى يعرف به على وكنيته أبو الحسن فلم يتعرض الى شيا من اعمال ابيه ، وكان دين النصارى مستقيم واهله مكرمين ، ولم يزل البنا فيها والعمارة متصلة الى السنة التي كتبت فيها هذه السيرة وهي سنة سبع ماية سبعة وستين للشهدا ، ولم تزل الناس مذ غيبة ) الحاكم والى انقضى مدة ولده يقولون انه بالحياة وكثير كانوا يتزايوا بزيه ويقول كل واحد منهم انا الحاكم يتزايوا للناس في الجبال حتى ياخذوا منهم الدنانير ، وكان يشبه الحاكم حتى كلامه لكنه اطول منه قليل وسمى نفسه ابو العرب وتبعه قوم يمشوا معه ويتتلمذوا له وكان ينفذهم الى الاغنيا بكتبه ياخذوا له منهم المال ويقول لهم انا اعيد لكم العوض عند رجوعى الى مملكني ، ومن لقيه وقال له انت سيدنا الملك ضربه وقال له ما تحفظ راسك هكذا عشرين سنة وهو متستر (٢) بمصر واقام : حتى ظن اكثر الناس بمصر انه الحاكم وانه يخفى نفسه لامر مكتوم لا يعرفه الا هو ولم يزال كذلك الى ايام معد المستنصر بالله يخرج الى البحيره ونزل عند رجل بدوى من بني قره يعرف بمفرج ابن تمام فضرب له البدوى خيمة واقام عنده سنتين وهو يتظاهر با فعال الانبيا كذبا (۳) وعليه ثياب زرية كالزهاد ، وبهذا الكلام كان يدخل عليهم ويلهوا بهم يعنى بمفرج ١٥٤ (3) ابن تمام القرى وبجماعته وغيرهم من الناس وكانوا يدخلوا اليه ويصقعوا له ويسلموا عليه كما يسلم الناس على الملوك الخلفا فنهاهم عن ذلك وتوهم انه يريد كتمان امره الى الوقت الذي يريد اظهاره فانتشر خبره فى ديار مصر كلها حتى ضحت المملكة واضطربت خاف هذا شروط على نفسه وهرب من عند البدوى واختفى في موضع لم يعرفه احد واقام مختفى الى ايام الاب انبا شنوده البطرك فكتب اليه وتلاها به حتى انفذ اليه مالا ، فاما الاب انبا زخار ياس البطرك فانه اقام بعد اجتماعه بالحاكم في هدو وسلامة بقية ايامه وكانت مدة بطركيته ثمنية وعشرين سنة منها قبل زمان الاضطهاد سبع سنين وبعد بنا البيع اثنى عشر سنة وتنيح في سنة سبع ماية وثمنية واربعين للشهدا ودفن في كنيسة السيدة ببني وايل المعروفه بكنيسة الدرج ، ثم هاج على كنيسة السريان الموافقين لنا في الامانة المستقيمة في المشرق بلا (۱) عظيم حتى ان بطركهم نفى من كرسيه ومات في النفى وذلك انه كان على كرسى انطاكية السريان اليعاقبة اخوتنا ابا قديس يسمى يوحنا ابن عبدون حتى انه ضاها الابا القديسون الأولين وعمل ما سنذكره ، وذلك (٢) ان ابانا " البطاركة السريان لم يكونوا يتمكنوا من السكن في مدينة انطاكية منذ زمان الاب ساويرس خوفا من الروم ولا يدنوا بالجملة من اعمالها ، وكان هذا القديس ساكن في دير قريب ملطيه وكان بداية امره انه كان سايح في الجبل الاسود وكان حسن السمعة عند كل احد كما هو مكتوب في الانجيل المقدس ليس تخفى مدينة وهي مبنية على جبل وكان بجواره راهب يتعبد ايضا هناك اسمه يوحنا فلما تنيح اثناسيوس بطرك انطاكيه في زمان انبا فيلا ثاوس بطريرك الاسكندرية (٤) وكانت افعاله مثل افعال سميه اثناسيوس الكبير بالحقيقة وقال عند نياحته ان هذا القديس يوحنا ابن عبدون يجلس بعده على كرسى انطاكيه فلما تنيح طافوا عليه ومن قبل وصولهم بيوم عرف صديقه الراهب الذي كان بجواره ما اظهره له الروح القدس وقال له في غد يجونا قوم ياخذوا واحد منا يجعلوه بطرك الكرسى فترا (0) ان نقوم نمضى من هاهنا ليلا يجدونا قال له الراهب يوحنا لماذا نهرب ان كان الرب قد دعا احدنا لهذا (7) الامر فالي اين نهرب من بين يديه ، فلما كان بالغداة وصل الى الدير من يطلب يوحنا القديس فطافوا عليه في الجبل فما وجدوه ، فلما انتهوا الى الموضع الذي ذلك الراهب فيه مقيم وجدوه لانه كان مشتهى لذلك فاخذوه وفيها هم نازلين من الجبل ماضيين به الى حيث الجماعة راوا في طريقهم شجرة فمالوا اليها يستظلوا تحتها فضرب عود من الشجرة عين يوحنا الراهب (۱) فقلعها فصار اعور من ساعته ، فتعجبوا واستعلموا منه قضية حاله فاعترف لهم بما جرى بينه وبين القديس يوحنا ابن عبدون وانه اشتهى هذا الأمر وذاك زهد فيه ، فلما طال وقوفها ولم تسمع غير ما قال لها خرجت متقمقمة فعاد التلميذ الذي خرج ليغلق الباب وقال للبطرك يا ابي هذا مال كثير جاات به هذه الامراة فما كانت تستحق ان تدعوا لها دعا كثير وتطيب قلبها حتى مضت وهي متقمقمة علينا وقالت لعل الاب ما علم ما جيت به ، فقال البطرك للامراة يا ابنتي خذى منهم ما اردتى فالقت نفسها بين يديه وبكت وقالت اغفر لى يا ابي فانك تعتقد ما عند الله وانا اعتقد ما عند الناس ، وكان ايضا قد خرج الى البحر لبنا (1) قنطرة كانت الناس تعبر عليها فانهدمت فالوه قوما اخبار ان يقف عليها عند الابتدا في بناها حتى تنالها بركته فاذا راه الناس هناك اجتمعوا وتساعدوا على بنيانها ، وبلغ خبره الى امه خرجت صارخة باكية مثل ارملة مدينة نايين فوجدوه بعد عشرة ساعات واصعدوه وهو ميت حملوه الى خيمة الاب انبا يوحنا البطرك وتركوه قدامه ومضوا ، فقام القديس وصلى وسال الله فيه ففتح الشاب عينيه وقام وخرج من الخيمة حيا والجمع قيام برا فبادروا اليه وازدحموا عليه لينظروا هذه الآية العجيبة ولم يقدر يتخلص منهم ويمضى الى بيته الا بعد تعب وجهد عظيم . واشتهرت بلاد سورية وغيرها حتى وصل خبرها الى بلاد مصر وصار فخر الارتدكسيين وحزنا لمخالفين ، ج) فيه هذا الاب" القديس وليس كان فى كرسيه اعظم منها ولا اكثر نصارى وكان فيها ستة وخمسين كنيسة عامرة بالكهنة والشعب الكثير السريان الارتدكسيين وكان عددهم ستين الف نصراني يحملوا السلاح اذا ارادوا واحتاجوا الى ذلك سوى النسا ، وكان اذا اتاهم يلقوه بالاناجيل والصلبان والمجامر والقراة (۳) بين يديه من باب المدينة الى الكنيسة بفرح عظيم ومحبة يفعلوا ذلك كل دفعة ياتى اليهم ويذكروا فضايله لكل احد وتحدثوا بالايات التي فعلها الله سبحنه على يده ، فوجد الشيطان له معين فى اذية البطرك المذكور اسقف مخالف ممن يقول بطبيعتين فاقام عليه تجربة عظيمة كما قال الرسول ان كلمن يريد ان يحيى بالامانة المستقيمة فانه يضطهد من اناس ارديا مبغضين للحق ، فناصبه هذا الاسقف حسدا بغير حشمة لانه كان يرى اجلال الناس لهذا الاب القديس وخدمتهم له لقوة امانتهم فيه وينظر الى دخوله الى مدينته باحسن زى واجمله ، فمضى الى القسطنطينية ورفع على هذا الاب القديس انبا يوحنا عند الملك وقال له ان في مملكتك رجل بطرك قد تطاول والناس يطيعوه اكثر منك وهم يعاقبة ويتعبدوا لهذا المخالف اليعقوبي وهو ايضا يدعوا للملوك غيرك أكثر منك وقد صار له اسم كاذبا انه يقيم الموتا ولاجل هذا مالت اليه قلوب الجمع فتطرده الان من ملكك وتحضره الى هاهنا ويحكم قدسك بيني وبينه ، فارسل الملك ليحضره وجلس الاسقف في مدينة البطرك عند بطركها وكانوا مجتمعين يدبروا ما يفعلوا بالقديس فوجدوه الرسل في ملطيه ، فلما علموا المومنين بالخبر اجتمعوا كلهم وقالوا نحن نموت كلنا ولا يوخذ منا بل نبذل نفوسنا وكلما نملكه دونك ، فمنعهم من ذلك وقال لهم كلاما لينا ان من يقاوم الملك فهو يخطى وهو كالمقاوم لامر الله ما عسا الملك يقدر ان يعمل غير قتل جسدى فان فعل لى هذا فهو اكليل مستعد لى وان كلمنى من اجل الامانة فهو جهاد لى وكرامة وكيف لى ان اتشبه بسيدى الذى شتم وقتل ، وعند ذلك تكلم يوحنا القديس بلسان عذب سریانى وقال اي قانون من قوانين البيعة امركم ان تجلسوا على كراسيكم وتوقفونا بين ايديكم مثل الاعوان ، فقال لهم ان كنا مخالفين كما تقولوا انتم فنجلس معكم ونتكلم على الامانة والذي يعطيه الله الغلبة فهو يظفر ان وجدنا من يحكم بيننا بالحق لا بسلطان المملكة ، فلما كان بالغداة احضر الملك جميعهم واوقفهم بين يديه وجعل ترجمانا بينه وبينهم وقال الملك للترجمان قل للبطرك قد عرفونى انك قديس الله والان ما احب منك الا ان تعترف بمجمع خلقدونيه وتطيب نفسى فارفعك واكرمك واعطيك السلطان على جميع البلاد القريبة منك ، فقال له يا سيدنا الملك الرب يحفظ مملكتك وسلطانك وهو يعلم انني ما اترك الصلاة والدعا لملكك الضابطة كما امرتنا الكتب المقدسة حتى تكون حياتنا في دعة وسلامة وليس يجوز لسلطانك ان يلزم احد بان يترك دينه كما ان لنا ملكين وهما ملك الحبشة وملك النوبة وما يلزموا احد من اهل ملتكم المقيمين عندهم ان ينتقلوا عن امانتهم والان فانا اسال السيد المسيح ان يثبت ملكك بلا اضطراب ويحفظ كل منا بما قد تبينه له ، ففسر الترجمان جميع ما قاله له الا الملكين الحبشى والنوبي فانه زاد في ذلك وقال لنا ملكين اعظم منك ، وذلك ان اسقف ملطيه كان برطل الترجمان بمال وقرر معه ان يحرف القول عنه بما يحقق الملك عليه ولو بكلمة واحدة ، فلما سمع الملك اشتد غضبه وحنقه ولعنه ولعن مذهبه ومجمعه وقال حقا انكم مخالفين وامر ان يعاد الى الاعتقال ، فلما كان بالغداة احضر الملك بطركه ومجمعه واستشارهم فيما يفعله ، فأشاروا عليه بان ينفيه الى الجزائر القريبة منه هو ومن معه الى ان يعترفوا بامانتهم وحينيذ يطلق سبيلهم ، واما الاثنين الآخر فانهما تمسكا بامانتهما ولم يجيبا الى ما اراده الملك واجتهد الملك فما قدر يصدهما عن امانتهما الارتدكسيه ، فقال له هوذا انا قايم بين يديك وتحت حكمك وسلطانك فهو على جسدى فافعل فيه ما ترى وكما تريد فاقتلنى فانني لا اتخلا عن امانتي المستقيمة الى الابد ، فامر بنفيه الى دير في جزيرة قريبة من القسطنطينية بينه وبينها مسافة يوم واحد ولم يدع معه الا تلميذ واحد يخدمه ، وكان به وجع النقرس فى رجليه فاقام هناك سنتين وكان في - تلك الجزيرة حبيس من الملكية فامر الرهبان الذين معه ان يمضوا كل يوم الى البطرك القديس يوحنا ويلعنوه ويبصقوا في وجهه وجعل عليم حرم ان لم يفعلوا ذلك كل يوم وكانوا يفعلوا به هذا مدة مقامه هناك ، فاخذ الرقعة ومضى بها الى المقدم كما فعل بودس ، فارسل قوما الى صاحب الرقعة فضربوه وحبسوه فسمع الاب البطرك بكاه وكلامه بالسريانى فصاح التلميذه واستعلم منه الخبر فاعلمه بكلما جرى فتعجب البطرك واغتم وانفذ اليه يعزيه وقال له لا تضيق صدرك بعد ثلثة ايام يزيل الرب هذا كله ، فاستقصى التلميذ عن معنى القول فقال له سرا بعد ثلثة ايام ياخذني الله اليه فلا تدفنى في مدفن الهراطقة بل اجعلنى فى موضع وحدى لان اليوم الذي انام فيه ينفذ الملك ليخرجنى فيجدنى قد خرجت من هذا الجسد فيمضى بك وبالرجل الآخر الى الملك فيفرج عنكما وانا اوصيك ان تقول للشعب لا يدع الذي يأتى بعدى يسكن في بلاد الروم بل يسكن فى آمد او مدينه الرها ، وكان تلميذه مفكر كيف بقدر يخلص جسده بعد موته (۱) من المخالفين ليلا يفعلوا به ما يريدوا ثم قال في نفسه بل تكون مشية الله ، ومن بعد ثلثة ايام تنيح كما قال ، فاما رسل الملك فانهم اخذوا التلميذ والرجل الذي جا ) من القسطنطينية لافتقاد البطرك وكتب اليه الرقعة وعادوا الى الملك واخبروه بوفاته فاطلقهما لانه كان قد قاسا عذابا في منامه في تلك الليلة لاجل البطرك القديس ، وكان من قبل اشخاصه الى بلاد الروم قد هرب اليه انبا افرهام اسقف دمياط لاجل ما جرى عليه من شعبه وما بلغه عن قدسه فمضى ودخل ديره وعليه لباس زرى بزى الرهبان وقلنسوة بيضا ليخفى امره ووقف (ظ) في زاوية من البيعة في وسط " جماعة الرهبان وكان يوم الاحد والاب انبا يوحنا داخل الاراديون فقال لتلميذه امضى الى الموضع الفلانى من البيعة تجد هناك اسقفا من ديار مصر قايما مع الرهبان بزى راهب فاتيني به ، فقال له (۲) بلا هو قايم هناك ومعه راهبين غريبين ، فاتى معه اليه ولما دخل له سجد بين يديه فاقامه البطرك وقال له لماذا هربت من النعمة التي دفعها لك السيد المسيح ، فقال له بلا انت هارب من كثرة الكلام والتعب الذي ذالك وخاطبه بكلام طيب قلبه واقام عنده مدة واعاده الى كرسيه مكرما . وجلس على كرسى انطاكيه بعد هذا القديس يوحنا ابن اخيه واسموه يوحنا بطركا رزقنا الله شفاعتهما وبركتهما جميعا ، وتلميذه اخبرني انا ميخاييل كاتب هذه السيرة بذلك لما مضيت الى كرسى انطاكيه بعد ان صرت اسقفا على كرسى مدينة تنيس واعمالها ومعى انبا غبريال اسقف صا بالرسالة السنوديقا التي كتبها انبا اخر سط ودلوس بطريرك الاسكندرية الى ابا يوحنا المقدم ذكره في سنة سبع ماية خمسة وستون للشهدا لاننى سالت هذا التلميذ وقلت له نعم اقام الاب ابا يوحنا الميت احقا هو فشرح لى جميع ما ذكرته في هذه السيرة . فاما خبره مع انبا افرهام اسقف دمياط فانني سمعته من فمه في السنة التي توفى فيها الاب انبا زخارياس بمصر ، وهذين البطركين لقيا تعبا عظيما ومشقة واخذا اكليلا جليلا بصبرهما واعترافهما بالامانة الارتدكسية قدام المخالفين ، واما ابا زخار ياس فقدام الحاكم ملك المسلمين واهل مملكته ، وقال انبا افرهام اسقف دمياط المقدم ذكره شاهدت من الاب القديس يوحنا البطرك عند كونى عنده عجايب عظيمة ، فمنها انني رايت تلميذ من تلاميذه فقيل لى انه كان اعما وان ابا يوحنا فتح عينيه ، فقال لي كنت اعما وكنت اجلس في البيعة عند حوض الما الذى تغطى الناس قربانهم منه وكنت امسك ثياب الذين اعرف كلامهم ليصدقوا على بشى من مالهم بجذبت يوم ثوب واحد من الاخوة فمضى وشكانى للاب وكان قد فرغ من تقريب الشعب واعطاهم السلامة وغسل يديه خرج الى عندى وقال لي يا ولدى ما بالك توذى الناس وتخزق ثيابهم ، قال لى فان فتح السيد المسيح عنيك فايش تعمل ، فاخذ بيده من ذلك الحوض ما وقال السيد المسيح الذى جبل طينا بتفلته من الارض وطلى به عينى الاعما المطموس وقال له امضى اغسلهما في عين سلوان ينفتحا هو يفتح عينيك (1) هاتين ورش الما على عينى فانفتحا كما ترى خدمته الى الان واخدمه ايضا الى ان اموت تحت رجليه . فيكا وقال عينني بصلاتك يا ابي القديس وخرج من عنده ومضى الى كنيسة في كرسيه على اسم السيدة الطاهرة مرتمريم العذرى والدة الاله الكلمة وتلك البيعة في ضيعة تسمى تمى (۳) فدخلها غداة يوم الاثنين وكان فيها شيخ قسيس (4) اسمه فرح وقال التلميذه اذا كان نهار الاربعا عشية افتقدنى ها هنا فان وجدتني توفيت ساعد هذا القس على دفنى ها هنا وان (٥) وجدتني حى خاطبتك ، فاستدعى القس واعلمه بالخبر وساله ان ينظر جسمه كله فراه وقد صار نقيا سالما من الوضح ففرح وشكر السيد المخلص وعظم بكاه ، ثم انه) استعمل يسيرا من خبز وما واقام هناك ثلثة ايام كما قال واناه التلميذ عشية يوم السبت فتوجه الى دمروا ودخل الى الاب زخار ياس ) غداة يوم الاحد وهو في البيعة وعرفه بالخبر وقال يا ابي هذا بصلواتك ، وقال له حقا انك احق منى بالقداس لناخذ بركنك عقيب هذه النعمة الجليلة التي تالتك ، فنهض باكرا وركب دابته ومضى الى دمروا وطرح نفسه بين يدي خمسة عشر يوم البطرك واكثر البكا والتضرع وتعلق بقدميه واعترف له بما جرى عليه فقال له يا ولدى فيك ان تثبت على التعب بين يدى السيد المسيح ، فقال له يا ابي احكم على بما شيت فاني فاعله بمعونة الله لى وبركة صلاتك ، فدخل به الى بيت مظلم عنده وتركه قايم في ساطرة طرفا بشبه البنيه بعد ان جعل فيها نصفها ملح وجعل وجهه الى الشرق وقال له يا ولدى واصل الصلاة والتضرع والبكا وتوب ان لا تعود الى خطية : وكان بعد ثلثة ايام وثلثة ليال يطعمه خبر يسير بالميزان ويسقيه الما ايضا بميزان الى تمام م وجا اليه افتقده وصلى عليه والى تمام ثلثة اسابيع افتقده ايضا وصلى (ف) عليه والى تمام الشهر جا اليه وكشف جسمه فوجد الوضح قد تناقص عنه فطيب نفسه ثم بشره بذلك ثم الى تمام اربعين يوما اتاه وتامله فوجده قد ظهر ولم يبق في جسمه شيا من الوضح ففرح به وحمه بما حار ودهنه وصلى عليه وقال له يا ولدى قد عوفيت فاعرف ما ندرته على نفسك ولا تعود الى خطية ولا تظن انني صومتك ثلثة ايام ثم بعدها ثلثة ايام (4) وافطرت انا بل حى هو اسم المسيح ما تغذيت في هذه الاربعين يوما (٥) الا بمثل ما غذيتك به ولا كنت افطر الا في الوقت الذي كنت افطرك (7) فيه بمثل الخبز والما الذي كنت اغذيك به سوا ) ثم بارك عليه وامره بالانصراف الى منزله فعاد الى زوجته المباركة فرحا (۸) مسرورا ، فقال لهم هذا كان الحاكم طرحه معى للسباع بعد تجويعها فكانت السباع تخضع له وتلحس رجليه.