المطلب الثاني : فطرية حب الوطن ومراعاة الشريعة الإسلامية له. يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَي الْفِطْرَةِ أَنَّهَا الخِلْقَةُ وَالهَيْئَةُ الَّتِي فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ الَّتِي هِيَ مُعَدَّةٌ وَمُهَيَّنَةٌ لِأَنْ يُمَيِّزَ وَيَسْتَدِلُّ بِمَا عَلَى رَبِّهِ وَيَعْرِفُ شَرَائِعَهُ (5) . فحب الوطن إذن لا يتنافى مع دين الإسلام شريطة ألا يقدم حب الوطن على حب الله ودينه ورسوله صلى الله عليه وسلم. أولا : نشأة الإنسان من الأرض وأثره في الفطرة الإنسانية. يقول عز وجل: ( وإلى نمود أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهِ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قريب مجيب ) (3) ، إن خلق الإنسان من الأرض : ولد في نفس الإنسان شعورا يشده إليها وهو شعور الانتماء، إنها ليست الجاذبية المادية التي استقرت بها كل الأشياء المخلوقة من الأرض عليها، أما فعل الجذب فمن معنوية تشعر بها ولا ندرك كنهها، إنما فطرة إنسانية لها معناها الشامل وصورها المتعددة، فما لنا إلا أن نفسره بأنه تلك العناصر التي خلقنا منها وتكونت بها نفوسنا . كما أن هناك ما يدل على أن الإنسان اكتسب طبائع وخصالا معنوية من الأرض كما اكتسب حصالا مادية، ومنها قوله ﷺ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِن قبضة قبضها من جميع الأرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ جَاءَ مِنْهُمُ الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسَّهْل والحزن والحبيث والطيب ) (7)، الأحمر ومن البيضاء الأبيض ومن سهلها سهل الخلق اللين الرقيق ومن حزبها ضده ، ويطيب ويخبث لما ذكر من أنه أنشئ من أشياء مختلفة وطبائع شتى "(2). يقول سبحانه وتعالى : فإذا اطمأنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كانتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُونًا ، لأن في الرجوع إلى الأوطان سكونا من قلاقل السفر واضطراب البدن، وليس المراد الاطمئنان الذي هو عدم الخوف لعدم مناسبته هنا ". يقول تعالى : الإنما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقْتَلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ هُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ولهم في الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ، على التربية أن تحرر كل المفهومات المتعلقة بهذه الخاصية ومنها البلد والبلدة، في ضوء هذا المفهوم للانتماء إلى الأرض يمكننا أن نفسر مفهوم الوطنية، إنه المفهوم النفسي الذي تبنى عليه كل المفهومات الأخرى، كل مفهوم الانتماء إلى الأرض هو الذي نلمسه في قوله مخاطبا مكة عندما أراد الهجرة: (والله إني لأعلم أنك كما في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ فَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) () ،