يُصادف 30 مارس من كل عام اليوم العالمي للاضطراب ثنائي القطب، وتزامنًا مع ذكرى ميلاد الفنان فينسنت فان جوخ (1853-1890)، الذي خلف إرثًا فنيًا هائلًا يقدر بـ 2100 لوحة. لم يكن اختيار هذا التاريخ عبثيًا، إذ كان فان جوخ مصابًا بالاضطراب ثنائي القطب، وهو ما يُعتقد أنه أدى لانتحاره. يُعرف الاضطراب ثنائي القطب (أو الاكتئاب الهوسي سابقًا) باضطرابات مزاجية حادة تتراوح بين الهوس (أو الهوس الخفيف) إلى الاكتئاب دون سبب مباشر. تتنوع حالاته بين نوبات هوس تليها اكتئاب، أو هوس خفيف ونوبات اكتئاب حادة متكررة، أو دورية مزاج (تناوب مزاج عالي ومنخفض لسنتين على الأقل)، أو نوبة مختلطة تجمع أعراض الهوس والاكتئاب. تتميز نوبات الهوس بفرحة غامرة وزيادة نشاط، وعدم قدرة على النوم، وجنون عظمة، وسلوكيات اندفاعية (كهدر المال أو تعاطي المخدرات). قد يصاحبها ذهان هوسي (انفصال عن الواقع، تشتت تفكير، هلوسات، أوهام)، ما يستدعي إدخال المريض للمصحة لتجنب إيذاء نفسه أو الآخرين. أما نوبات الهوس الخفيف، فتتميز بنشاط أقل حدة. وترافق نوبات الاكتئاب أحاسيس حزن عميقة، وعدم تقدير الذات، وتوتر، وإرهاق، وفقدان رغبة في الأنشطة اليومية، وقد يصاحبها انخفاض أو زيادة وزن، وأفكار انتحارية، وذهان اكتئابي (شعور بالنبذ والذنب والتخلي). يرتكز علاج الاضطراب ثنائي القطب غالبًا على العلاج الكيميائي بمزيج من أدوية يصفها الطبيب النفسي (مضادات الذهان، ومضادات الاكتئاب، ومهدئات، ومنومات، ومثبتات مزاج كالليثيوم). ينبغي اتباع هذا العلاج مدى الحياة، نظراً لأسباب وراثية محتملة مرتبطة باضطراب في الناقلات العصبية وخلل في إفراز هرمونات التوازن المزاجي. وقد يحتاج المصاب لجلسات علاج سلوكي معرفي، وعلاج إيقاعي اجتماعي (روتين يومي لإدارة المزاج)، واستراتيجية إدارة ذاتية (نظام صحي شامل للنوم، والتغذية، والنشاط البدني، ودعم اجتماعي). وفي بعض الحالات، قد يلجأ للعلاج بالصدمات الكهربائية. غالبًا ما ترتبط العبقرية بالجنون، وأثبتت دراسات إحصائية علاقة بين الذكاء واضطراب ثنائي القطب، لكن ليس كل مصاب عبقريًا والعكس غير صحيح. لكن نسبة الإصابة أعلى بين المشاهير (نيتشه، غوته، شومان، تشايكوفسكي، نابليون، لينكون، تشرشل، فان جوخ، مونك، دالي، فرجينيا وولف، هيمنغواي، بو، مارلين مونرو...). كما تقول الطبيبة كاي ج. جاميسون (مصابة بالاضطراب)، فإن إنجازاتهم على الرغم من إصابتهم، وليس بفضلها. فان جوخ، مثلاً، رسم "ليلة النجوم" وهو في مستشفى سان ريمي دي بروفانس. هناك فرضيات كثيرة حول العلاقة بين الإبداع والاضطراب ثنائي القطب: هل الاضطراب يؤدي للإبداع أم العكس؟ يرى بعض الباحثين أن المناطق المصابة مرتبطة بمناطق الإبداع، والبعض الآخر أن طبيعة المبدعين الحساسة تجعلهم أكثر عرضة للإصابة. لم يصل الباحثون لإجابة صريحة، فكل ما لدينا دراسات إحصائية تثبت ترابطهما. يُشعر المصاب في مرحلة الهوس بأنه على قمة، لكنها "لهيب أسود" يتبعه اكتئاب مرير. وإذا كانت هناك علاقة، فإن ضريبتها قاسية على المبدع.