واذا اجتمعت هذه الاصوات معاً كونت موسيقى تحدي الأمة إلى السير إلى الأمام دوماً، واذا طغت أحد الصوتين على الآخر اصبحت موسيقى تدعو النفس إلى الفوضى وتخدش السمع وتؤذي النفس، فما ظنك بدوره له نشازه ؟ مما يدعو إلى الأسف أن صوتا في الشرق علا كل صوت ، وهو ليس خير الأصوات وأحبها إلى النفس ؛ وأبعدهم عن الدين الصحيح ، وانقطع به الرجاء ، ودعاة اللغة والأدب بلحون في أن اللغات الأجنبية خير من اللغة العربية ، وأن من شاء أن يفتح عينيه فليفتحهما على أدب أجنبي ولغة أجنبية ، يتحول الشرقي في لغته وأدبه إلى الغرب في لغته وأدبه ، لا أن يختار من لغة الغرب وأدب الغرب ما لقح به لغة العرب ، فليس في الشرق كله ما يسر ، وكل شيء في عادات الشرق وتقاليده تعافه النفس ، وينفر منه الطبع : وعلى الجملة فالله تعالى الواهب ما شاء لمن شاء قد جمع الحسن كله في ناحية ، وقال له : كن الغرب فكان ، وجمع القيح كله في ناحية وقال له : كن الشرق فكان وهم إذا لم يقولوا ذلك كله جهازا آمنوا به إيمانا ، فإذا استثنيت نشر معاشرها فكلها نقد الأخلاق ، وتهجم على حال أمتهم ، هذه نعمة مملولة كانت أجني على الشرق من كل عيوبه ، ويدعو إلى العمل تلك ظاهرة نفسية لا مجال لإنكارها ؛ وفي المثل الإنجليزي : ادعوا الكلب عقورا فشيقه بعنوان أنهم اعتقدوا في كلب سوءا وسموه عقوزا وظلوا يطلقون عليه هذا الاسم حتى صدر منه من أفعال السوء ما استوجب قتله وفي أمثالنا العامية « قالوا للفلاح : یا حرامي شعرشعر منجله ، فمن اتهمته فقد أوعزت إليه واقترحت عليه العمل ، وأظهرت له الجريمة ماثلة أمام عينه حيئا بعد حين ، وأقدم على ما كان يتحاماه : هذا إلى ما يوحيه الاتهام الدائم من شعور باطني يسيره نحو العمل وفق الاتهام ؛ ولعل أنواعا من الآثام زادت بكثرة الكلام فيها من جملة الوعاظ من لم يحسنوا دراسة النفوس وقوانينها . وإن كان لكل أمة غريبة محاسن ومساو فللشرق محاسنه ومساويه ،