1 - المسيحية في عصورها الأولى: والتي جاءت كرد فعل للإمبراطورية الرومانية القديمة وديانتها الوثنية التي كانت تدعو إلى تعدد الإلهة. ومنذ البداية أوحت المسيحية بالوحدانية وأصبحت الوحدانية الأساس الأول للحياة والفكر، ويعتبر هذا تحولاً جوهرياً في التاريخ الإنساني بالانتقال من العالم القديم الوثني إلى العالم الوسيط المسيحي واعتبر الأباطرة الرومان المسيحية في بادئ الأمر مذهباً من مذاهب اليهودية، وبعد اعتناقه المسيحية ابتداء برحلاته التبشيرية في سوريا وقيليقية، وثلاث مدن في غرب آسيا الصغرى. فقد انتشرت المسيحية في أنحاء البحر المتوسط وأخيراً في عام 67م تم اعتقال القديس بولس وسجن في روما وهناك حكم عليه الإمبراطور نيرون (37-68م) بالإعدام. وأيضاً انتشرت المسيحية بين الوثنيين بفضل تبشير القديس بطرس وكان اسمه سمعان من أسرة يهودية منتمية لسبط نفتالي ، ولد في قرية بيت صيدا في شمال الجليل قرب بحيرة طبرية، وكان وهو أحد التلاميذ أو الحواريين الاثني عشر، ويعتبر أول باباوات الكنيسة الكاثوليكية، وبعد صعود السيد المسيح ذهب إلى انطاكية لمدة سبع سنوات ثم عمل القديس بطرس في الوعظ والتبشير المجتمعات متفرقة من المسيحيين الجدد سواء أكانوا من أصول يهودية أو وثنية يونانية في مناطق مختلفة من سوريا وآسيا الصغرى واليونان، وفي عام 67م اعتقل وسجن في روما وهناك حكم عليه الإمبراطور نيرون بالإعدام. وكذلك انتشرت المسيحية في حوض البحر المتوسط بفضل تبشير القديس مرقس وكان اسمه يوحنا مرقس، من أبوين يهوديين من سبط لاوي، وهو كاتبالسفر الثاني من العهد الجديد (إنجيل مرقس ولذلك لقب بالإنجيلي، وبعد صعود السيد المسيح رافق مرقس القديس بولس في الرحلة التبشيرية إلى انطاكية وقبرص وبعض مناطق في آسيا الصغرى ثم تركه هناك وعاد إلي بيت المقدس ثم ذهب ثانية إلى قبرص ومنها إلى القيروان ثم إلى الواحات ومنها إلى الصعيد، ثم إلى بابليون، وهناك كتب إنجيله باليونانية، وبينما كان المسيحيون يحتفلون بالعيد في كنيستهم هاجمهم الوثنيون وقبضوا علي القديس مرقص وسحلوه حتى أسلم الروح في عام 68م. ولكن ما أخذت الدعوة في الانتشار أتضح للمسئولين أمران:الأول: أن المسيحيين رفضوا رفضاً باتاً عبادة أي إله من آلهة الوطنيين وأبوا حتى عبادة الإمبراطور التي كانت واجبة على كل روماني. الثاني: أن اجتماعات المسيحيين كانت تعقد في الخفاء، وقد رفضوا إذاعة ما كان يدور في هذه الاجتماعات لغير المسيحيين. ويجب ألا يغيب عن بالنا أنه خلال العصور المختلفة كانت أية جماعة تعقد اجتماعات سرية تعتبر عنصراً هداماً، وقد لاقى الشهداء الأوائل حتفهم بتهمة العمل على قلب نظام الحكم ومع أنه لم يكن لدى الإمبراطورية الرومانية ما يثبت هذه التهمة على الجماعات المسيحية إلا أن الأمر تطور لدرجة أن مجرد الانتماء إلى المسيحية أصبح محرماً رسمياً في عصر الإمبراطور دقلديانوس (284) - (305) واعتبر تهمة تقود صاحبها إلى الاستشهاد، وما أن أتي القرن الرابع حتى أضحت المسيحية من القوة لدرجة أن الإمبراطور قسطنطين (306 - (337) اكتسب سلطاناً ونفوذاً سياسياً كبيراً في تحالفه مع أتباع الدين الجديد. وكان الإمبراطور قسطنطين أول إمبراطور روماني وثني يعترف اعترافاً رسمياً بالديانة المسيحية، وأعلن في مرسوم ميلان عام 313م أن المسيحية ديناً من أديان الدولة، وكان تحول الإمبراطورية البيزنطية إلى المسيحية عاملاً هاماً وفعالاً، حيث أصبحعلى الإمبراطورية في مطلع القرن الرابع الميلادي، أن تختار أحد طريقين في علاقتها بالمسيحيين، وإما أن تفتحذراعيها لتحتوي العقيدة الجديدة وتستفيد من جهود معتنقيها، واتخاذها عاصمة للإمبراطورية، وفي عام 325 م بدء في بناء كنيسة القديسة صوفيا، وفي نفس العام عقد أول مجلس مسكوني للكنيسة المسيحية في مدينة نيقية على الجانب الآخر من مضيق البسفور في آسيا الصغرى. وفي هذه الحالة يتطلب الأمر منه أن يتخذ موقفاً من المسيحيين وهذا لم يحدث، بل إنه عايش الاثنين معاً وإنه كان يميل إلى المسيحية شيئاً فشيئاً حتى أصبح في آخر أيامه مسيحياً، وانطاكية، والإسكندرية، وكان بهذه المراكز أكبر الجاليات المسيحية في العالم، ولكنها لم تستطيعا المفاخرة بأن مؤسسيها من القديسين على أية حال لم يكن للكنيستين بيت المقدس والقسطنطينية في بادئ الأمر نفس الأهمية التي كانت للثلاث الأول. ويجب أن نذكر أن المدينة كانت قد دمرت وتفرق شمل أهلها في الثامن من سبتمبر عام 70م على يد القائد الروماني تيتوس Titus ولم تنج كنيستها الرسولية من نفس المصير. ولما أعيد بناء المدينة في عام 320 م ، يحتل البطريرك Patriarch الأب الحاكم ) وفق التسلسل الهرمي لرجال الدين في الكنيسة السلطة العليا الروحية والإدارية فوق رؤساء الأساقفة، 2- الكنيسة في عصورها الأولى: كما كانت فكرة قيام الكنيسة كمؤسسة دينية منفصلة عن الدولة وبمنأى عن سلطة الإمبراطور، وأصبح العالم في اعتقادهم مفعماً بالشرور وفي طريقه إلي الخراب والفناء ، فانطووا على أنفسهم، وتفاني كل منهم في الوصول إلى خلاصه الشخصي، والنجاة بنفسه من عذاب الجحيم في الآخرة. وهذا الانشغال بالحياة بعد الموت جعلت المسيحيين لا يكترثون بأمور هذه الدنيا، وهكذا أضحوا مواطنين سلبيين لا يبالون شيئاً في شئون دولتهم، أخذ المسيحيون يستأنفون الاضطلاع بالتزاماتهم العادية نحو الدولة ونحو المجتمع، وحتى ذلك الحين، وإذا ما نشب خلاف بينهم، ومن ثم اضطلع الأساقفة بسلطة قضائية اعترف بها قسطنطين، وأقر اختصاصات محاكمهم فواصلت عملها جنباً إلى جنب مع المحاكم المدنية، وفي تلك الأثناء، لم تغفل الكنيسة عن تكوين جهاز محكم البنيان، في مرحلة اكتمال النظام الكنسي في روما أصبح رجال الدين في الكنيسة الكاثولوكية على شكل هرم تتسع درجاته كلما اتجهنا إلى أسفل، بدأت مهمتهم الأولى كمستشارين للبابا، وقد كون رجال الدين الكاثوليك مع الزمن طبقة مستقلة قائمة بذاتها لا تنتمي لدولة معينة أو جنس بذاته، وإنما استمدت حقوقها من بين جميع الشعوب المسيحية الكاثوليكية في الغرب الأوروبي، يتبعون الكنيسة باعتبارها مؤسسة معنوية عالمية على رأسها البابوية، ورغم اختلاف مولدهم ومكانتهم يتبعون كنيسة روما. برأس كل منها أسقف يشرف على شئون الكنيسة ورجال الدين في أسقفيته، ثم انقسمت كل أسقفية من هذه الأسقفيات إلي أبرشيات صغيرة بكل منها كنيسة يشرف عليها قس. واعتاد مؤسسي هذه الكنائس سواء كانوا من رجالالدين أو السادة الإقطاعيين أن ينظروا إلى مؤسساتهم على إنها ملك خاص بهم وبالتالي أصروا على الإشراف عليها وهكذا توقفت حالة قسيس الأبرشية الاجتماعية على شخصيته من جهة وعلى نصيبه الثابت من غلة الحقول التي تتبع أبرشيته من جهة أخرى، أما دخل الكنيسة نفسها فكان يستأثر به مالك الإبرشية أي مؤسسها. على أنه كان للكنيسة مورد هام آخر أخذ يزداد منذ القرن الثامن. ونعني به ضريبة العشور التي تلزم جميع الأراضي بدفع عشر إنتاجها لحفظ الكنيسة وصيانتها، وكان السيد الإقطاعي في أغلب الأحيان يعين الفس بالاشتراك مع الأسقف ولذلك كان قسيس الإبرشية يخضع للسيد الإقطاع الذي تقع الإبرشية في أراضيه. القيت على عاتقه بوصفه عضواً عاملاً في مجتمع القرية فضلاً عن كونه ممثل الكنيسة هذا إلى أن تطبيق مبدأ عزوبة رجال الدين، ويؤدي صلواته ويثبت في الأهالي الغلاظ الشداد شيئاً من التحضر والخلق الطيب. دون أن ينتبه مستمعوهم لهذه الأخطاء بسبب جهل الناس باللاتينية. وسميت بهذا الاسم لان بها كرسي الأسقف وتمتع الأساقفة بسلطان واسع في الإشراف على شئون أسقفياتهم وإدارتها وتوجيه القساوسة التابعين لهم. فأما الأسقف فكان قساً اختير ليؤلف من عدة أبرشيات وعدد من القساوسة أسقفية واحدة. ولكن الذي كان يرشحه لمنصبه عادة قبل أيام جريجوري السابع (1073) - 1085م) هو البارون أو الملك، وكان يختاره بعد عام 1215م كهنة الكنيسة الكبرى بالاشتراك مع البابانفسه، وكان من حقه أن يعين القساوسة ويفصلهم. وكانوا بوصفهم حكاماً دنيويين يطرأ عليهم ما يطرأ على غيرهم من ميل لتعيين أقاربهم في المناصب ذات الإيراد المجزي - وكان كثيرون من الأساقفة يحيون الحياة المترفة التي تليق بالسادة الإقطاعيين ولكن كثيرين منهم كانوا يهبون أنفسهم لواجباتهم الروحية والإدارية والواقع أن وظيفة الأسقفية تمتعت بكثير من الضمانات، إذ كان لا يمكن عزل الأسقف من وظيفته إلا بأمر البابا وحده. وكان يرأس أساقفة كل إقليم رئيس الأساقفة أو المطران Metropolitan، وهكذا وجد في إنجلترا العصور الوسطى رئيس أساقفة في كل من يورك وكانتربوري. يشرف كل منهما على عدد كبير من الأسقفيات التابعة له، ولكن الزعامة الدينية في إنجلترا كلها كانت للأخير. وأخذ سلطان البابوية ينمو في القرن الثاني عشر نمواً مكن البابا إنوسنت الثالث (1198 - 1216م) من أن يدعى أن هذا السلطان يمتد إلى جميع بقاع الأرض. فقد كان الملوك والأباطرة يمسكون بركاب خادم خدم الله ذي الثياب البيض ويقبلون قدميه، حتى أضحوا كلية مقدسة مؤلفة من سبعين عضو يمتازون من غيرهم بقلانسهم الحمراء ومازرهم الأرجوانية، ولم يكن لما يصدرونه من الشرائع أية قوة إلا إذا صدق عليه البابا بمرسوم من قبله وكان له الحرية المطلقة في تفسير قانون الكنيسة وإعادة النظر فيه، وتوسيعه، أو يسلك شخصاً في زمرة القديسين وكان على جميع القساوسة بعد عام 1059م أن يقسموا يمين الطاعة له، وأن يقبلوا رقابة مندوبي البابا على شئونهم وكانت جزائر مثل سردينيا وصقلية وشعوب مثل الإنجليز والمجربين والاسبان تعترف بأنه سيدها الإقطاعي وترسل إليه الضريبة، فقد كان هؤلاء يكونون جهاز للاستخبارات والإدارة لا نظير لها في أية دولة من الدول. بدهاء بابواتها، ما كان لها من سلطان على أوروبا معتمدة على ما كان لكلمة الدين من قوة عجيبة. 3- تزعم كنيسة روما: كان أثر كنيسة روما في حفظ التراث الروماني وإحيائه أعمق وأكثر استمراراً من غيرها من الكنائس الأخرى في شرق البحر الأبيض المتوسط. وهناك عوامل دعمت مركز كنيسة روما منها : 1. أنها بنيت زعامتها على أساس النظرية البطرسية وهذه النظرية تقول أن القديس بطرس باعتباره أمير الرسل قد عهد إليه بالسلطة العليا على الكنيسة، بالإضافة إلى أن القديس بطرس هو الذي أسس البابوية في روما باعتبار أن البابوات خلفاء الرسل، فلقد سلم بطرس مكان الصدارة الخلفائه أساقفة كنيسة روما الذين يحكم مركزهم يجبأن تكون لهم الزعامة على الكنيسة وعلى سائر الاساقفة، 2 كانت مدينة روما العاصمة القديمة للإمبراطورية الرومانية، ومنذ القرن الرابع والترابط الشديد بين كنيسة روما والإمبراطورية، فيعمل كل منهما على قيادة الشعب الأوروبي وتوجيهه، وإن تعددت أجناسه ويهمنا من أمر هذا الترابط هو أنه عندما سقطت الإمبراطورية الرومانية في غرب أوروبا عام 476م، وجدت الكنيسة نفسها مسئولة عن رعاية ركاب الحضارة في غرب أوروبا، لكن كنيسة روما ورثت خليطاً من الهمج المسلوبي العقول، وكانوا هم الذين قدموا للناس في غرب أوروبا التعليم الوحيد المستطاع في خلال القرون الخمسة التي كان لها فيها السيادة والسلطان وكانت محاكمها تقدم للناس أعدل ضروب العدالة في أيامها، وكان مقر هذه المحكمة العالمية كنيسة القديس بطرس في روما، وكان يرأسها البابا الذي يجله جميع سكان غرب أوروبا ويرون أنه خليفة الله في أرضه. وأساقفة تلك الكنائس أنفسهم الذين كرهوا الخضوع لكنيسة روما من الناحية الأخرى إلى أن استصدر البابا ليو الأول بطريرك روما (440 - 461) مرسوماً من فالنتينيان الثالث Valentinian III (425 454) إمبراطور الإمبراطورية الرومانية الغربية ، وبمقتضاه منح كنيسة روما زعامة كنائس العالم عامة، ولا شكهذين المرسومين كان لهما أعظم الأثر في تقوية مركز كنيسة روما وجعل بطريركها يلقب بأسقف العالم. 4. وقد ساعد كنيسة روما أيضاً موقعها الجغرافي، إذ ظلت بمنأى عن النزاع العنيف الذي نشب بين البطريركية الشرقية القبطية - السريانية - الأرمينية) كما أنها كانت بعيدة عن سيطرة الإمبراطور في القسطنطينية،