ظهرت األديان كحالة جوهرية في الحياة اإلنسانية، وجاءت استجابة ألسئلة والحياة والموت، فكانت وال تزال في قلب المسيرة اإلنسانية وجزءا ال يتجزأ من تاريخها.إن الحضور الديني في التفاعالت اإلنسانية يبدو أساسيا في مجمل الثقافات والمجتمعات على مدى التأريخ، فقد لعبت األديان ومؤسساتها وسلطتها أدوارا عديدة على المستوى العام والخاص، إذ شكلت عنصرا استراتيجيا في تشكيل هويات ثقافية واجتماعية، ووظفت في العمليات السياسية ألداء مهام عديدة تصب في الشرعية السياسية، وتبرير الخطاب السياسي لبعض النخب الحاكمة ودعم قراراتها، وبرزت بوصفها مكونا مهما في السياسة الخارجية للدول وتعاملها مع بعضها البعض.وقد ظهر الحضور التاريخي للدين في أوربا إبان العصور الوسطى كعنصر جسد من خاللها أدوارا عديدة ومتناقضة، استخدمت في بعض مراحلها الدين كجسر لمنظومة من المصالح المتعددة سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، وانتهت عملية التوظيف السياسي والمصلحي لألديان إلى شن الحروب بين الدول واألمم والجماعات المختلفة، حتى نخرت الدول والمجتمعات األوربية بالصراعات الطائفية والحروب واألهلية، وبدت عاجزة عن الحفاظ على وحدتها وتماسكها االجتماعي.وتذهب بعض القراءات إلى أن هذا الواقع السياسي األوربي والتراكمات الحركية والفكرية، اقنعت األوربيين باستبعاد الدين من عملية تجانس الحالة االجتماعية وتفاعل الحياة السياسية، وخلق الدولة القومية التي تعتمد في نسيجها االجتماعي وتفاعلها السياسي على الشعور القومي ال غير. وربما ُحددت الحداثةالغربية زمنيا بالخروج من العصور الوسطى عبر ثورة نقضت عرى الدين،وعوضت المرجعية الدينية باأليديولوجيا في المجتمعات الغربية منذ عصر التنوير، حيث أزيحت سلطة الكنيسة عن المجال السياسي، وكرست مفاهيم العلمانية ومعيار االنتخاب والتمثيل النيابي في إطار النظام الديمقراطي، لتحل محل قداسة الحاكم وسلطته اإللهية.وحين قامت الثورة الفرنسية عام 1789م التي كانت ثورة كبرى شملت تأثيراتها كثير من المجتمعات األوربية، ووصل صداها إلى عالمنا العرب ي واإلسالمي. كان في مقدمة أهدافها استئصال الدين وإحالل اآلصرة القومية محل الدينية في عملية التجانس واالندماج المجتمعي، ورفض ادراج أي دور للدين في الحياة السياسية. وربما أمكن القول إن النموذج القومي كما جسده الواقع األوربي عقب الثورة، هو نموذج تاريخي فرضه واقع سياسي معين، ارتبط بصراع القوى السياسية مع النظام القديم الذي يمثل الكنيسة واالقطاع أبرز مؤسساته، وهيأ لنشوئه مجموعة من العوامل الفكرية الخاصة به.وعلى ضوء ما تقدم تتبلور مجموعة من التساؤالت، حول موقف المفكرين السياسيين من الدين كعقيدة وممارسة عبادية، و عن طبيعة العالقة بين الدين والسياسة في نظرهم، وما هو دور الدين في تجسيد شخصية المواطن وعملية االندماج االجتماعي في إطار النظام الديمقراطي؟ وأخيرا هل انتهى الدين