وزايد بن سلطان من النوع الثاني؛ ھذا ھو الخلود الحقیقي. علمنا زايد كیف يمكن أن يبقى الإنسان حیاً في القلوب والعقول، علمنا زايد كیف يمكن أن يبقى الإنسان عالیاً في الحیاة وفي الممات. تعلمت منه البحث عن مساحات الاتفاق لا الاختلاف، ھكذا كان زايد في سعیه لجمع ولولا حكمته ربما لم تكن الإمارات ھي الإمارات. زايد ھو أول حاكم للإمارات، ومنازل في القلوب أي منازل. حكم زايد العین منذ العام 1946 عندما كان عمره 28 عاماً فقط. وشق الأفلاج معھم بنفسه، أحبه الناس ھناك لأنه كان يأكل معھم على الأرض، ويحاورھم ويشاورھم ويعمل بیده معھم. فنجح في ترسیخ حكمه وحكمته عبر أكثر من نصف قرن وھبھا لبلده. تعل َّمتُ منه البحثَ عن مساحات الاتفاق لا الاختلاف، البحث عن أسبابٍ تُوحدُنا وتجمعُنا وتقوّينا وترفعُنا هي الإمارات في العام 1953، وقبل أن يحكم أبوظبي بنحو 13 عاماً، و ُحلم بأن يبني دولة تكون مثل تلك الدول، و عزم بألا يتوقّف عن حلمه حتى تتوقف أنفاسه. حتى توقفت أنفاسه في العام 2004، وما زالت إنجازاته باقی ًة تتن ّف ُس بیننا ما بقیت ھذه الدولة. صحب ُت زايد في الكثیر من اللقاءات والاجتماعات والأزمات أيضاً. " َو َمن ُيؤ ت الحكمة فقد أوتي خیراً كثیراً". كانت له حكمة في التصرف بالأموال التي تحت يديه، ھناك الكثیر من الدول النفطیة في العالم، لكن القلیل منھا فقط يملك الحكمة، سخر زايد الأموال لبناء تنمیة مستدامة لشعبه، و ُص ْنع دولة من لا شيء، وبناء إنسان قادر على إكمال حلم زايد. زايد كانت لديه حكمة في إدارة الاتحاد. كسب قلوب حكام الإمارات الست منذ البداية، واندفع فیھا بكل قوة. وكان كرمه يأسر القلوب، إنھا الحكمة التي أعطاھا الله لزايد، " َو َمن ُيؤ َت الحكمة فقد أوتي خیراً كثیراً". وما مات مَن صنع أجيالاً أحب َّت الشعوب العربیة الشیخ زايد، أيضاً بسبب حكمته. سعى زايد بقوة من أجل بناء مجلس التعاون الخلیجي مع أخیه الشیخ جابر الصباح، ودعا لقمة عربیة لإنھاء حرب لبنان في الفترة نفسھا، وتو ّسط بین مصر ولیبیا لحل الخلافات. كان أول من دعا لإعادة مصر لجامعة الدول العربیة بعد الخلاف حول اتفاقیة السلام التي وقعتھا مع إسرائیل. كما ساھم مع الأمم المتحدة في حفظ الأمن في الصومال الجريح من خلال مشاركة قوة إماراتیة في القوة الدولیة المتعددة الجنسیات في مطلع العام 1993؛ وغیرھا الكثیر الكثیر من القرارات والمواقف التي تبرز سعي زايد للبحث عن مساحات الاتفاق، وإطفاء نیران الخلافات، مواقف تبرز حكمة ھذا الرجل، " َو َمن ُيؤ َت الحكمة فقد أوتي خیراً كثیراً". لعل أكثر ما جعل الناس تحب زايد ھو حبّه للإنسان، وشھادتنا في عمل زايد الإنساني شھادة مجروحة، لأنه علّمنا معنى العطاء دون انتظار مقابل. وتعلّم ُت منه بشكل شخصي العطاء في السرّ؛ المعلن من تبرعات وعطايا زايد أقلم ما أعرفه شخصیاً. لذلك لا أستغرب أن تكون ذكرى زايد من الأشیاء الثمینة التي كلما ذكر ُتھا زادت بريقاً، رحل زايد بھدوء في الثاني من نوفمبر من العام 2004. لعل رحیله بھدوء ھو الذي يجعل شعب الإمارات ما زال يعیش مع زايد كل يوم، يعیش مع حكمته ويستذكرھا ويتخذھا منھاجاً له في مسیرته. ھم أحیاء عند ربھم يرزقون، في جنة الخلد يا زايد الخیر.