إن تقدم الشعوب رهين باکتشاف شعورها التاريخي، فهو الذي يضعها في الزمان ويجعلها تحدد دورها في مسار التاريخ؛ فالشعور التاريخي هو شرط الوعي التاريخي، ومع نزول الوحي بدأ الوعي التاريخي عند المسلمين، لأن الوحي وحده کان مصدر المعرفة الجديدة التي أخذها المسلمون کمعطى مسبق ودون تساؤل أو نقاش، ومنها نشأت العلوم العربية بجوهرها الإسلامي. وقد نشأ علم التاريخ العربي للحفاظ على تراثين: تراث النبي (مغازيه، وماضي القبائل العربية السابق على الإسلام (حروبها وما سمي بـ«الأيام» بوجه عام، وهو الشکل الأصلي للتاريخ العربي، وذلک طبقًا لمنهج اختصت به العلوم الدينية، وهو منهج الإسناد أي تصحيح الخبر بناء على مدى الثقة بناقليه. وهکذا فقد کانت الکتابة التاريخية بالنسبة إلى الحضارة العربية الإسلامية، کما کانت جزءًا من علوم الحديث والفقه والتفسير، وکل هذه العلوم انبثقت کما نعرف عن الإسلام في مسار الجهد الذي بذل من أجل فهم الدين ونشره وتطبيق تعاليمه. کانت تتأثر بدرجات متفاوتة بالعوامل التي ساعدت على عملية التدوين التاريخي؛ کما کانت تتأثر بحاجات المجتمع الإسلامي الدينية والدنيوية،