رغم أني در�ست النحو العربي أثـناء تكويني الجامعي إال أنني لهذا العلم، إذ إن تخ�ص�صي في التربية، إال أنني أ ؤمن بالتعاون ذلك أنه »كلما لنظرة غير المتخ�ص�صين، ربما لي�س في العلوم البحتة وإنما، العلوم الإن�سانية واالجتماعية التي تتطلب مقاربة منهجية إن�سانية 1( وفي الوقت ذاته، وبحكم أن تكويني التربوي المتعلق بالإ�شراف التربوي على تدري�س علوم اللغة العربية في التعليم العام، فإنني غير إلينا، وت ّدر�س الآن را�ض عن نماذجها العلمية المتأخرة التي و�صلت وكــــــوني قـــــرأت مؤخـرا 2 )لذا ُّ أود أن أ�ستخدم في هذه والفنومينولوجيا الترن�سندنتالية« المقالة أفكار الكتاب بما يدعم أفكاري الخا�صة عن الكيفية التي 3 ، وفيما يخ�صني ال يمكن أن يكون الأمر إال ً كهذا الكتاب. ً ومعقدا في معنى الأزمة العلمية وت�أزم العلوم: يمــثـل كــــتاب »أزمة العــــلـوم الأوروبـــــية والفنومينولوجـــــيا الترن�س ّ ندنتالية« ثمرة قراءات معمقة، التركيز عليها وهو في الخام�سة وال�سبعين من عمره )بدأ يركز من عام 1934 ، وتوج اهتمامه بتلك الأزمة بأن ن�شر الق�سمين 4( فل�سفية بقي من الكتاب الق�سم الأهم والأغنى، وهو الق�سم الثالث الذي ا�ستبقاه لكي يراجعه وي�صححه. راجع هذا الق�سم المركزي من الكتاب، وأعاد �صياغته، المترجم( لكي ي�ضمها إلى متن الكتاب، 5( يعطي كتابه �صيغته النهائية ترجم الكتاب إلى العربية الأ�ستاذ إ�سماعيل الم�صدق )2008 ) المتخ�ص�ص الذي نعرف ترجماته وتحريراته الممتازة لمارتن هايدجر، ترجم وناق�ش وأقام مع أ�ساتذة متخ�ص�صين في ي� رل، هو�س ُ الكتاب بذلك الم�ستوى الرفيع . ال يق�صد هو�سرل بـأوربا في عنوان الكتاب المعنى الجغرافي المتحدة الأمريكية التي يلحقها بأوربا بالمعنى الثقافي، أوروبا الإ�سكيمو والهنود والغجر. ثقافية للحياة والعمل والإبداع« بما تت�ضمنه الوحدة الثقافية من غايات واهتمامات وان�شغاالت وهموم ومؤ�س�سات ومنظمات . يذهب هو�سرل إلى أن العداء بين الأمم الأوربية - مهما كان كبيرا الفوارق الوطنية والعداء الذي يطفو بين حين وآخر. ولكي يو�ضح ً هذه القرابة الداخلية يقارن بين أن ينتمي الأوربي إلى البيت الأوربي حيث ت�سود القرابة الداخلية، وبين أن يكون الأوربي غريبا في التاريخية الهندية ب�شعوبها، وت�شكيالتها الثقافية. لقد �شعرت أن عبارات كثيرة تهمني أنا القارئ العربي في هذا الوقت التي يعي�ش فيه العرب أزمتهم العلمية والثقافية . يقول وهو يتحدث عن أوربا بالمعنى الثقافي ال بالمعنى الجغرافي: »هناك أوربا كونها وحدة فوق - وطنية«. مكان ميالد. ال أق�صد هنا بالمكان بلدا إنها الأمة ً �صحيح، بل مكانا روحيا أن هذا هو أي�ضا 6 ، مثالية، ولم يتحدث عنها بو�صفها ق�ضية كبرى، ّسط من منظور فل�سفة التاريخ فكرة الب�شرية العلوم الأوربية، و يب� الأوربية؛ لكي وال�ساد�س( في تلك المجموعة الب�شرية كلية لأوربا فوق وطنية؛ أي الثقافة التي ت�ستند إلى النقد الحر، وتقع ليوحدها؛ حيث التمعن النظري الحر وال�شامل الذي ي�ضم كل المثل والمثل الكلي، فائدة للب�شرية جمعاء . َى للدخول إلى أزمة النحو العربي كما و�صل إلينا في نموذجه العلمي المتأخر، وما يهمني أكثر من جهة ظاهرها ، وال ّ من جهة ما ت�شعر به ذات معينة أثناء أزمتها، إنما يق�صر بحثه على وجود الأزمة والأ�سباب التي أدت إليها. العلوم الأوروبية، بأن نرى أزمة النحو العربي ال من جهة أولئك الذين وقعوا فيها، وال من جهة حاالتهم الذهنية، وال من جهة ما ي�شعرون به، أي في وجودها ذاته، يترتب عليها. إن تقديم هذا الفيل�سوف في جزء من ا�شتغاالته الفل�سفية الأخيرة؛ أعني عنايته بأزمة العلوم الأوروبية، الأوربيين، ما يعين القارئ العربي على أن يفهم أزمة النحو العربي، الفيل�سوف، وإلى كتابه هذا، وإلى أ�سلوبه في تحليل الم�شكالت. وقد أثارت قراءتي وجاءت في وقتها المنا�سب لكي ب�شكل أعمق في أزمتهم العلمية. يكون على الدرجة ذاتها من عمق الم�شكلة، بالن�سبة لأدموند هو�سرل، ولي�س أولئك الذين يتحدثون الآن عن بأي معنى يفهم إدموند هو�سرل أزمة العلم الأوربي؟ يلزم أن نقول أوال: إن هو�سرل ال ي�شكك في �صرامة العلوم الأوروبية، في إنجازاتها النظرية، وال يطعن في في الثقافة الأوربية، ومن الدور الذي تعزوه ال�شكوى إلى العلوم، وتحول �شعور الجيل الجديد بعد الحرب العالمية الأولى إلى �شعور عدائي نحو العلم، وإلى يأ�س من أن العلم ال يوجد عنده ما يقوله عن المحنة التي ألمت آنذاك بالحياة والثقافة الأوروبية. أما لماذا حدث هذا ؛ فرأي هو�سرل أن ذلك ب�سبب أن العلوم الأوروبية آنذاك لم تكن تهتم إال بالوقائع، ولم تكن تدر�س إال ولم يكن الحقيقي عندها إال ما يقبل المالحظة. وتحولت تحت �شعار »المو�ضوعية« إلى ت�س َ جيل لما هو عليه العالمان حدث هذا في العلوم الطبيعية، ّ )علوم الروح( التي نح َ ى الباحثون مواقفهم القي ّمية، وت�شكيالته الثقافية. العلوم أن العلم إنجاز ب�شري لب�شر يجدون أنف�س َ هم في العالم، َ تجربة العالم العامة. وهو إنجاز ب�شري واحد من إنجازات ب�شرية ّ متعددة من الإنجازات العملية. باخت�ص ِ ار لقد اختزل الع ُلم الأوربي ً، وتحولت النعمة َ فكرة ِ العلم إلى علم الوقائع، الملحة التي تعنى بالوجود الب�شري، أي أن العلوم أق�صت الأ�سئلة التي تعنى بالإن�سان من حيث هو كائن حر في اتخاذ قراراته، ومن حيث هو كائن حر في أن ي�شكل ذاته ومحيطه بكيفية عقلية. لقد ا�ستبعدت العلوم الأوروبية الأ�سئلة المتعلقة بالخلود، وبالعقل في في مواجهة هذه الأزمة يعود هو�سرل إلى الوراء ليك�شف عن ولكي يفعل ذلك أي التأ�سي�س الأ�صلي أو الأول، ثم حلل تبني الب�شرية الأوربية في ع�صر النه�ض َ ة للمثل القديم خ�ضع لها هذا المثل، وأدت إلى ف�شله وأزمته الحا�ضرة . ا�ستـنادا إلى هذا المنهج فما تقدمه الظاهراتية لمو�ضوعي هنا افتر�ضنا جد ًال أن الأ�شياء ذاتها هي أو ًال وفي ّ أغلب الأوقات مموهة 7 . وهذا هو ما أريد أن أتح�س�سه أو تم تحريف اتجاهها الأ�صلي« أي تحريف النحاة المتأخرين اتجاه النحو الأ�صلي الحديث عن ُ أزمة في النحو العربي رغم ما و�صف بأنه العلم الأنجح بين العلوم العربية التي حفظت الل�سان العربي و�صانته في حدود علمي لم ي�صدر في العربية درا�سة جامعة أو مخت�صرة مهما كانت دقيقة, أو غير متطورة ت�شبه درا�سة الدكتور محمد ربيع 8 )التي ي�ستعيد فيها تاريخ الغامدي »نحو �سيبويه ونحو المتأخرين« لذلك فهي تحدث تغييرا في إدراك وقائع تاريخ النحو العربي، ّ ما يعرفونه عن ذلك التاريخ لكي يتغير ما يرون؛ ذلك أنه »حين �ستتغير« يمكن أن أ�ستخل�ص من هذه الدرا�سة أن ّ أزمة هددت وما زالت تهدد النحو العربي، وهي خال�صة �سأحتفظ بها لكي أ�سأل في �ضوئها: ُ أزمة في النحو العربي رغم ما و�صف ً هل يمكن الحديث فعال عن العلم الذي قيل إن أ�سباب ن�شأته عربية على مقت�ضى الفطرة، وغير مقتب�س من لغة أخرى ال في ن�شأته وال في تدرجه كيف له أن يتحدث هكذا وبب�ساطة، وبكل جدية عن أزمة في النحو العربي والعلماء أ�صدروا وي�صدرون الكتب، وينظمون القواعد، وي�شرحون ما نظموه، وينبهون على ما يجب أن يقال وما ال يجب أن يقال؟ أال يكفي لدح�ض الأزمة أن أح�صى عبدال�سالم هارون في مقدمته تحقيق كتاب �سيبويه )23 )كتابا في �شرحه و)11 )كتابا و)4 )كتب في االعترا�ض عليه أو رد تلك االعترا�ضات، ال�سَّراج وأبي �سعيد ال�سيرافي وغيرهم ؟. هذا غي�ض من في�ض. أما الآن فكيف له أن يتحدث عن أزمة النحو العربي وكل الجامعات العربية ت�ضم أق�ساما علمية للنحو التعليم العام ؟ وكتب التب�سيط النحوي تكاد ال تنقطع عن ال�صدور؟ كيف له أن يتحدث عن أزمة والندوات والكرا�سي العلمية والمؤتمرات تعقد دائما لمناق�شة الق�ضايا النحوية؟ . إنني ّ أعترف مقدما بأن اعترا�ض هؤالء المعتر�ضين الواثقين من ت�صورهم للنحو العربي بنوع من الم�شروعية. اختزال فكرة النحو العربي في نموذجه العلمي المتأخر إلى ما غير ّ أن هناك زاوية مميزة للنظر تعر�ضها الدرا�سة ؛ وهي ّ علمية النحو العربي؛ ذلك »إن أزمة علم ما ال تعني �سوى ّ أن علميته أي الكيفية التي حدد بها مهمته، بإنجاز هذه المهمة، أ�صبحت مو�ضع �سؤال« الدرا�سة، وما انتهت إليه . إن التحليل الذي أجراه الباحث دقيق، والت�شخي�ص و�صفي رائع بالثقة. ، لكن رغم قيمة اال�ستنتاجات إالأنها تبقى غام�ضة من دون وهو ما �سيحاول هذا الهام�ش أن يقوم به لكي يو�سع فكرة الدرا�سة المده�شة. �سأكتفي بهذه البداية التقريبية لو�صف الدرا�سة لأنتقل إلى ما أريد أن أتحدث عنه هنا وهو التأ�سي�س الأ�صلي الذي يدعوه الباحث 12 ، لمو�ضوع ما نفهم التأ�سي�س الأ�ص ُ لي الذي عادة ما ين�سى فعله الخالق. 5 . غائية المهن والمعنى الأ�صلي لمفهوم النحو العربي: الأعرابي الذي ح�ضر مجل�س الأخف�ش الذي يتحاور فيه مع بع�ض أ�صحابه في النحو، تقدم لنا هذه الحكاية - ُ إذا ما عرفت كيف أقرأها - عند النحويين القدامى، �سأورد هذا القول و�سيت�ضح فيما بعد �سبب إيراده . عليها، فيتكلمون في �شؤونهم دون تعمل فكر، أو رعاية إلى قانون كالمي يخ�ضعون له، قانونهم ملكتهم التي خلقت فيهم، ومعلمهم 14( البيئة المحيطة بهم« ماذا يعني هذا بالن�سبة للأعرابي الذي ح�ضر مجل�س الأخف�ش؟ يعني أنه يقف خارج العلم، أ�شخا�ص نحويين يؤثرون فيه )معلمهم البيئة المحيطة بهم(. عالم غير علمي، وقبل علمي )قانونهم ملكتهم التي خلقت لهم( ت�شترك في �صورته التقليدية، الذوات الفردية لجماعة النحن؛ أي نحن عائلتنا، نحن فخذنا، 15( نحن العرب في المقابل يقف الأخف�ش داخل العلم، وفي الحياة العلمية، أن يكون الأخف�ش ً من علماء الطبقة الخام�سة في تاريخ النحاة فذلك يعني أنه عالما ينتمي إلى جماعة علمية تت�شكل من مجموع الفاعلين فيها، ُ أن يخ�ضع ً إلى جماعة علمية فذلك يعني ُ أن ي ُ ختار ويدمج و منت�سبا 16 . والخال�صة »أن االمتثال النتظارات لمو�ضوع مراقبة اجتماعية الزمرة وتوقعاتها لي�س ثمرة رغبة الأفراد وحدها: ٍ إنه نتاج مران على دور اجتماعي ي�سبق دخولنا الحياة المهنية، ونتاج �ضبط م�ستمر )دوزنة( لأبناء المؤ�س�سة العلمية بوا�سطة أنف�سهم« ي�ستحق مفهوم »الحياة المهنية« أن أتوقف عنده لأ�سأل: لماذا ال ُّسب ما ُ إلى مهنة. يروى أن الجرمي والمازني ت�شاورا على أن يحيال في المال؛ إذ كان الجرمي ثريا فقرأه عليه ذلك أن لكل التاريخية. وقد تكون فكرة آخرين تبناها واعتبرها فكرته. ً؛ لأن الهدف أي فكرة أولية أو م�شروع أولي ال تعطي أهدافا ي�ضعه )الأنا( في فعل )أنا أريد( في )على هذا الهدف أن يتحقق(، ً جديا وبف�ضل الإرادة )أنا أريد( ت�صبح الفكرة ق�صدا يمكن أن نفهم في �ضوء هذا الحكاية التي تروي »أن �سيبويه جاء إلى حماد بن �سلمة لكتابة الحديث، فا�ستملى منه قوله �صلى اهلل عليه و�سلم: لي�س من أ�صحابي أحد إال ولو �شئت لأخذت عليه فقال �سيبويه: لي�س أبو الدرداء، ف�صاح حماد: فقال �س ِ يبويه: واهلل لأطلبن عْلما لقد و�ضع �سيبويه لنف�سه هدفا )أنا أريد( وأ�صبح أ�سير هدفه ً كر�س له جهده ووقته ليتتلمذ على آخرين حتى ً جديا الفكرة ق�صدا َّل َف أول كتاب في النحو العربي، وفي �ضوء هذا وبفكرة أ�شبه ما تكون بفنتازيا يمكن أن نعلل ت�سمية )النحو( ألي�س الق�صد والإرادة حينما ت�شير الحكاية إلى أن �سيبويه تتلمذ على الخليل وآخرين فذلك يعني أن النحو العربي فكرة لمهمة واحدة متوارثة. يكفي أن أ�ضع )النحو( محل )الفل�سفة( لكي يعبر هو�سرل عما أريد قوله موحدة يتم توارثها با�ستمرار في مجرى التاريخ با�شتراك بين الذوات، انبثقت في )التاريخ العربي( بف�ضل تد�شين قام به نحويون أوائل معنيون، الذي ي�سمى »النحو «، إذن نوع جديد من »المهن« التي يعتبرها الح�س الم�شترك بالطبع دون فائدة عملية، لكنها ترتبط، �شكل اجتماعي ومن جيل إلى آخر. يتم تـناقل كل مهنة مع فكرتها التي تطر ً أ عليها، مثال مهما تغيرت مو�ضات الأحذية تبقى مهمة 21( الإ�سكافي هي إنتاج الأحذية تبدو فائدة هذا االقتبا�س الطويل إذا عرفنا أن �سيبويه جعل كل الفكر النحوي ال�سابق عليه مجرد نوع من الإ�سهام في كتابه. لقد جمع الح�صاد الكلي للنحو العربي الذي كان قبله، وتج�سم في نموذجه العلمي أف�ضل ما عند العلماء الذين �سبقوه كالأخف�ش الكبير والخليل ويون�س وأبي زيد وعي�سى بن عمر وأبي عمرو بن العالء وغيرهم ممن مثلوا طبقات النحويين قبله . ً أ�ص ً يال نما نموذجه العلمي ً لغويا العك�س من ذلك كان �سيبويه مفكرا وإذا كنت قد قارنت قبل قليل بين الفل�سفة عند الإغريق وبين النحو عند العرب فإن �سيبويه ي�شبه أفالطون الذي ا�ستولى »على أفكار هيرقليط�س وبارمنيد�س و�سقراط لكنه لم يتركها كما وجدها، لقد اعتبرها بذور تطور جديد ولقد كانت هي الأ�س�س الدفينة في الأر�ض التي �شيد عليها �صرح الفل�سفة، وعلى يديه أ�صبح الفكر 22( ً تحت نور مبدأ جديد وأ�صيل« ال�سابق مو�ضوعا غاية مهنة النحوي مقارنة مع مهنة الأعرابي: كيف أفهم أ�صل التقابل بين الأعرابي والأخف�ش في الحكاية وغير العلمية والحياة العلمية في العالم؟ كيف أفهم دوافع تد�شين المهمة النحوية الذي )التد�شين( كان من ال�ضروري أن تن�شأ مهمة ت�ستدعي الإجابة أن أحلل مهمة الأعرابي من حيث هو ينتمي وتحليل مهمة الأخف�ش من حيث هو ينتمي إلى الحياة العلمية. قبل كل �شيء �سأتفح�ص ما هو عام من أجل أن أو�ضح ما هو وال عن �سكان البراري ممن كان ي�سكن أطراف بالدهم ل�سائر 23 . وقد أ الأمم« القبائل التي ينت�سب إليها الأعراب الذين امتهنوا في ع�صر التدوين نقل اللغة وبيعها إلى اللغويين الأوائل . إن مهنة الأعرابي هذه مثلها مثل أي مهنة أخرى في العالم، ُ ق، وقد حققت من قبل عندما حدث التحول ُ لها مهام قابلة لأن ت َّحق الأول الذي أنجزه ّ أعرابي مجهول خطرت على باله فكرة موفقة، ومنذ ذلك الحين أ�صبح ال�سبيل �سالكا لأعراب آخرين، ومثل كل المحاوالت الأولى لم ت�صل إلينا ق�صة التحول في نمط تفكير ذلك الأعرابي الذي أ توارث الأعراب هذه المهمة، وتوارثوا معها الكيفية التي يحققون بها مهمتهم؛ المهن المعتادة يعني في الحقيقة م�سبقا توارث ابتكار، تم القيام به �سابقا وحالفه التوفيق، ً من جديد منتجات غائية يمكن هكذا تن�شأ في كل مهنة دائما في عالمنا المحيط. 25( إلخ« ٍ له وقته«. يعني هو�سرل بهذه العبارة أن أحدا إن »كل اهتمام ُّ ً فإنه يعلق اهتماماته الأخرى ّ ما حين يفعل اهتمامه، من غير ّ أن يغيبها تماما، إنما تكون موجودة؛ أي أن الأعرابي ومعه الأخف�ش، ذلك الذي ينقل اللغة، وذلك الذي يتحدث بها وعنها يعلقان اهتماماتهما الأخرى )أبوان، ويربيان أطفا ًال. إلخ(، وهكذا يمكن القول إنه حان وقت الذي ينقل فيه باللغة بما لي�س في اللغة. يتوفر كل �شيء من وجهة النظر هذه على وقته داخل الوقت ُّ ، ال�شخ�صي للأعرابي والوقت ال�شخ�صي للأخف�ش ويتوفر كل �شيء وينتميان إلى مجتمع ما ولهما أدوارهما االجتماعية، غير أن هذا كله ال يمنع بقاء مهنتيهما قائمتين؛ فالطبيعي هو أال يغير اهتمامهم بأ�سرتيهما مثال من اهتمامهما بمهنتيهما التي ت�ستمر موجودة، إذا كان الأمر كذلك فمن المنا�سب أن أت�ساءل: أال ت�شبه اللغة التي ينقلها الأعراب المو�ضوعات النافعة للمهن المختلفة؟ أي: أال الإ�سكافي والخياط؟ ألي�س الأمر بالن�سبة لمهمة النحوي أو النحو ً لمهمة الأعرابي بكيفية حا�سمة؟ أال يكمن هنا، في معنى مخالفا ً مطلقا النحو، في »مفهومه« تفردا ً إلى هذه الأ�سئلة أ�ستطيع أن أقول: إن مهمة النحو، أو ا�ستنادا مهنة النحوي تتميز عن مهنة نقل اللغة وروايتها أو مهنة الأعرابي، على ذلك الحديث المتداول الذي يقابل بين »النظرية والممار�سة«. وبالعودة إلى الأخف�ش يكمن المعنى التحليلي لمهمة النحو ومهنة النحو العربي. غير أن »الو�ضع« المن�سوب لرجل واحد كأبي الأ�سود الدؤلي ب�سبب ب�ضع �صفحات أ لفهم عملية معقدة كن�شوء علم من العلوم ؛ ذلك أن ما يبرر القيمة الخا�ص لهذا الرجل العبقري أو ذاك، إنما للعقل الجماعي للعلماء؛ لذلك فم�شكلة ن�شأة النحو العربي ُ أ�شد تعقيدا مما ذكر في تلك الم�صادر. ومع ذلك، وكبداية للنقا�ش �سأنطلق من فكرة »و�ضع« أبي الأ�سود الدؤلي ب�سبب ب�ضع �صفحات أثرت عنه تبدو بب�ساطة الكلمة »الخطأ« لفهم عملية معقدة كن�شوء علم من العلوم ؛ ذلك أن ما يبرر القيمة الخا�ص لهذا الرجل العبقري أو ذاك، إنما للعقل الجماعي للعلماء؛ ومع ذلك، وكبداية للنقا�ش �سأنطلق من فكرة »و�ضع« أبي الأ�سود الدؤلي النحو. وال�سؤال الذي يعقب هذه الفكرة هو: هل وجد النحو العربي طريق العلم الآمنة في »و�ضع« أبي الأ�سود الدؤلي؟. إنني أ�سأل لأنبه القارئ إلى أن الدرب العلمي الآمن للنحو العربي هو أهم ما كان ي�شغل تفكير الدكتور محمد ربيع الغامدي في درا�سته المذكورة أعاله. �سأبني حكمي على الربط الذي تورده الم�صادر ذاتها بين »و�ضع« أبي الأ�سود الدؤلي النحو وبين �ضبطه الم�صحف بال�شكل؛ القرآن الكريم؛ وهو ما يعني أن القرآن الكريم كان في حاجة آنذاك